في 17 فبراير 2014، استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة استضاف في خلالها عامر العريض، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة؛ أمين غالي، مدير البرامج بمركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية؛ رشيد خشانة، رئيس تحرير برامج بشبكة الجزيرة؛ ومونيكا ماركس، باحثة حائزة على منحة رودس وطالبة دكتوراه في كلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد. عكس كلّ واحدٍ من المشاركين في كلامه وضع الديمقراطية الحالي في تونس وقدرتها على البقاء بوصفها نموذجاً للمنطقة. ركزت الندوة على موافقة تونس مؤخراً على دستور جديد في 26 يناير 2014 وعلى العملية الطويلة التي يستلزمها إنشاء الملف. استعرضت الندوة نجاحات العملية الانتقالية وإخفاقاتها، ودور المجتمع المدني في النجاح الواضح الذي حققه المشروع، والتحديات التي لا تزال تونس تواجهها لتأمين انتقالها الديمقراطي. أدار الندوة إبراهيم شرقية، زميل في مركز بروكنجز الدوحة وأستاذ مساعد في جامعة جورج تاون في قطر، وحضرها أعضاء من الهيئات الدبلوماسية والتجارية والإعلامية في قطر.
أشاد عامر العريض في افتتاحيته بنجاح المجتمع المدني في تشجيع الحوار الوطني. بعد الثورة، أنشأت الانتخابات الأولى في تونس المجلس الوطني التأسيسي: إلا أن هذه الهيئة أكدت على حُكم الأغلبية على حساب تطوير إجماع وطني أو مواجهة التهديدات الناشئة، مثل الإرهاب. وقد قال إن التوافق والتراضي يشكلان ضرورة ملحة للتعايش ولإقامة دولة تونس الجديدة. مع إدخال لجنة انتخابية مستقلة مؤلفة من أعضاء المجتمع المدني التونسي، أشار العريض إلى أن الفصائل داخل البلد تطورت من كونها أعداء لتتحول إلى منافسين سياسيين يعملون من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة للحرية والتحرر. وأضاف أنه مع ذلك، لا تنفي مشاركة المجتمع المدني قيمة الانتخابات وشرعيتها؛ وأن السلطة الحقيقية، بما في ذلك الميزانية، ستُمنح للمسؤولين المنتخبين، حتى وإن كان انتخابهم على المستوى المحلي.
ناقش رشيد خشانة المشاكل في المجالس المنتخبة التي تشكلت بعد انتخابات عام 2011. في حين نجحت الثورة من دون تكاليف من ناحية الأرواح أو الاضطرابات الاقتصادية، كان إنشاء الجمعية الوطنية التأسيسية “قراراً خاطئاً”. في رأيه، أصبح هذا التجمع ساحة للمواجهة الحزبية وفشل في تحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. بالعودة إلى الماضي، كانت حكومة التكنوقراط التي اقترحها رئيس الوزراء آنذاك حمادي الجبالي في يناير 2012 لتكون مساراً أفضل. وفي رأيه، أظهر ارتفاع وتيرة العنف في العام 2012، ولا سيما الهجوم على السفارة الأمريكية، أن تحقيق الطموحات السياسية في تونس يتطلب نموذجاً مختلفاً. ولّد التحرك نحو حكومة تكنوقراط فعالية من خلال التوافق: فقد قال إنه يعتقد أن التونسيين هم الآن مواطنين سليمين، وليس مجرد رعايا.
بدوره أشاد أمين غالي بفعالية المجتمع المدني في تعزيز التوافق وتكوين الدولة في تونس. ولاحظ هو أيضاً أن نموذج الأكثرية – الأقلية الذي سيطر على المجلس التأسيسي الوطني أخفق في التوصل إلى إصلاح الدستور والقضاء وقطاع الأمن. رغم أن حركة النهضة شكلت الأغلبية في المجلس، إلا أن الحزب “لم يفز في الانتخابات. بل احتل المرتبة الأولى فقط”. مع نهج حزبي، كانت البلاد “تترنح على حافة الكارثة والعنف… فكان ذلك أكبر تشويه لعملية التحول الديمقراطي في تونس.” ورأى غالي أنه ما إن انتقلت تونس إلى إدارة الشؤون العامة من خلال لجان مستقلة غير حزبية، باتت البلاد قادرة على تحقيق التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. كما أشار إلى النجاحات الأخيرة، حتى وإن كانت متأخرة، كإنشاء لجنة انتخابات وطنية، عملية العدالة الانتقالية، وحكومة التكنوقراط.
إلا أن مونيكا ماركس شككت في التركيز على التوافق وتأثير الجهات الفاعلة غير المنتخبة. وقالت إن الخلاف يشكل أحد الجوانب الأساسية للديمقراطية، وينبغي على التونسيين عدم الانخراط في شعور زائف من الوحدة. وفي حين بدت بعض التعابير الطنانة على غرار “الوحدة” و “الإجماع” تعابير جذابة، لاحظت ماركس أن صياغة دستور يُعد لحظة حاسمة بالنسبة للسكان، الذين سبق وتعرضوا للقمع، لمناقشة الهوية الوطنية وترميزها. خلافاً للمتكلمين الآخرين، ناقشت ماركس الشرعية الديمقراطية المتنازع عليها لأعضاء غير منتخبين من المجتمع المدني. وفي هذا الصدد سألت: “كيف يكون ذلك ديمقراطياً؟ من الذي يعيّن هؤلاء الناس؟”. وأوضحت أن ذلك شكل تحدياً أمام أعضاء حركة النهضة لتبرير سبب دخولهم في مفاوضات وتقديمهم لتنازلات لجهات غير منتخبة بعد فوزهم بنسبة كبيرة من التصويت في العام 2011؛ علماً أن بعض أنصار النهضة يرون الجهات غير المنتخبة هذه “أعداء للثورة، وأعضاء النظام القديم … الفئران التي تزحف للخروج من جحورها مجدداً”.
وشجعت ماركس المراقبين الدوليين على النظر إلى ما وراء الرأسمال التونسي والنقاشات السياسية لفهم الأحداث التي تشهدها البلاد. لا تزال المشاكل الاقتصادية التي تحرك الثورة قائمةً فقد شجعت البعض على المطالبة بحلّ المجلس التأسيسي الوطني الصيف الماضي، حين أوشكت على تحقيق النجاحات بشأن الدستور واللجنة الانتخابية.
وتناول عدد من الأسئلة التي طُرٍحت على اللجنة مكانة حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي، لا سيما التنازلات التي قدمتها منذ الفوز بأغلبية الأصوات في انتخابات العام 2011. أشار العريض إلى التنازلات هذه كدليل يثبت أن حركة النهضة تعطي الأولوية لتطور تونس وتوليه اهتماماً يفوق الاهتمام الذي توليه لأي جدول سياسي ضيق آخر. إلا أن ماركس قالت أن بعض قواعد الحركة، لا سيما الناخبين الشباب، أُصيبوا بخيبة أمل إزاء غياب قوانين الشريعة عن الدستور. لدى سؤالها عن ميزة حركة النهضة، لا سيما بالمقارنة مع الأحزاء السياسية الإسلامية الأخرى كالإخوان المسلمين، شرحت ماركس أنه لا يمكن اعتبار حركة النهضة عضو في المجموعة الدولية التي تضم الإسلاميين أيديولوجياً، عوضاً عن ذلك، لا بدّ من فهم ذلك كحركة انتقال تونسي فقط لا غير.
ومن الأسئلة التي طُرِحت في ما يتعلق بالعدالة الانتقالية هي تلك التي تناولت انطلاقتها في تونس. توجه شرقية إلى غالي، الذي يشارك في لجنةٍ تهتم بهذه المسائل، فسأله عن القرار الذي يستهدف الأفراد المتورطين في الفساد أو في انتهاك حقوق الإنسان، ومانحاً أولئك الذين لم يشاركوا في شكلٍ مباشر في هذه الانتهاكات الفرصة بالمشاركة في الحوار الوطني. وشرح أنه بينما تعلو بعض المخاوف ذات الصلة بأفراد النظام القديم المشاركين في السياسة، فإن معاقبة فردٍ عن أعمال انتهاك جماعية سيكون منافياً لحقوق الإنسان. وفي وقتٍ مبكرٍ من الأمسية، قال خشانة إنه كان لا بدّ من القيام بهذه العملية في وقتٍ أبكر من مراحل التحول في تونس، وليس بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة. ووسّعت ماركس نطاق الحوار، شارحةً أن التونسيين يرغبون في العدالة الانتقالية حتى وإن جاءت على الصعيد المحلي، وهي حاجة لم يلبيها المجلس الوطني التأسيسي في شكلٍ كافٍ.