في 22 ديسمبر 2011، استضاف مركز بروكنجز الدوحة حلقة نقاش سياسة لدراسة الآفاق المستقبلية لانتقال سلمي للسلطة في اليمن، في أعقاب التوقيع على خطة مجلس التعاون الخليجي المبدئية. المتحدثون هم محمد أبو لحوم زعيم حزب العدالة والبناء اليمني المعارض، وجمال خاشقجي الصحفي السعودي المخضرم الذي يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير قناة أخبار العرب الفضائية، وإبراهيم شرقية، نائب مدير مركز بروكنجز الدوحة و خبير في حل النزاعات والسياسة اليمنية. وقد أدار هذا النقاش سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة، وحضره أعضاء من الأوساط الأكاديمية والدبلوماسية والتجارية ووسائل الإعلام في قطر.
بدأ محمد أبو لحوم بالتمييز بين القضية اليمنية والانتفاضات الأخرى التي شكلت جزءً من الربيع العربي، مشيرًا إلى أن ذلك قد استمر لمدة عشرة أشهر كاملة. وقال أن اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي المبدئي – الذي يمنح الرئيس علي عبد الله صالح الحصانة من العقاب في مقابل تعهد بالاستقالة بعد إجراء انتخابات في فبراير – كانت “صفقة جيدة بالنسبة لليمن”. وأكَّد على أن هذه الخطة مثلت “ثورة حقيقية”، ولو أنها قامت على أساس حل وسط. على الرغم من استمرار العديد من الشباب في معارضة الاتفاق، أصرَّ أبو لحوم على أن الثورة “لا يمكن أن تقوم على تصفية الحسابات والانتقام”، وأنه يجب متابعة مبادرة الخليج من أجل تجنب خيار “السيناريو السوري”.
تطرق أبو لحوم إلى التحديات المباشرة التي تواجه عملية التحول، وقال أن أسوأ سيناريو في القضية قد ينطوي على أن يتراجع الرئيس علي عبد الله صالح عن التزامه بالتنازل عن السلطة. وقد تنطوي مثل هذه المحاولات على تصوير صالح نفسه بأنه “اللاعب الوحيد الحقيقي”، ووصف المعارضة بأنها “غير صادقة” في تعاملها مع هذا الاتفاق. وأشار أبو لحوم أنه سيكون لدى صالح بعض الأسباب للقيام بذلك في حالة استمرار الاحتجاجات ضده.
قال أبو لحوم أنه على المعارضة أن “تتعامل مع الأمر ببطء” من أجل تجنب المزيد من الصراع، وتقليل فرص صالح للعب دورًا استفزازيًا. وفي الوقت نفسه، يجب على هادي، نائب الرئيس، الانخراط في العملية على أساس أنه قد يكون الرئيس اليمني القادم، وتعزيز الحوار مع جميع الأطراف بشأن كيفية إعادة بناء البلاد بعد الانتخابات. ينبغي أن يركز ذلك الحوار في المقام الأول على إعادة هيكلة الجيش، وحل قضية الجنوب، ومعالجة تدهور الاقتصاد.
قال أبو لحوم أنه يجب أن تتحقق هذه التحديات الاقتصادية أيضًا من قبل دول الخليج التي لديها “مسؤولية أخلاقية وواجب” لتقديم المساعدة. هذه المساعدة يجب أن تأتي ولو في شكل “شراكة من أجل الأمن والازدهار”. واقترح أبو لحوم أنه مع خروج صالح فهناك فرصة “لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج”، وجعل اليمن شريكًا حقيقيًا في مكافحة التهديدات الموجهة لأمن المنطقة. يجب أن تساعد هذه الدول بعد ذلك في دعم التطورات في مجالي الصحة والتعليم المطلوبين لتحسين مستوى النسبة الأكبر من اليمنيين – حيث أن 75 في المئة منهم يعيشون في فقر.
قال جمال خاشقجي في تحليله لرد فعل المملكة العربية السعودية تجاه الأزمة اليمنية أن قادة البلاد قلقون للغاية إزاء الوضع في اليمن – أكثر من أي ثورة أخرى في المنطقة. وفي حين اعتبرت الرياض الانتفاضات في البحرين بأنها “يمكن السيطرة عليها”، مثلَّت اليمن احتمالية الفوضى التي لا يمكن التدخل عسكريًا لحلها. وقال خاشقجي أنه في ضوء “التدفق المستمر للمخدرات والأسلحة والمهاجرين الذين بعضهم من عناصر تنظيم القاعدة،” فإن الحدود السعودية مع اليمن كانت دائمًا مصدرًا للقلق. ومع ذلك، أضاف أن التدخل السعودي في الأزمة اليمنية اقتصر على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي المتعددة الأطراف بسبب حقيقة أنها تواجه الآن “انتفاضة شعبية حقيقية”، بدلاً من أزمة خلافة أو صراع داخل النخب. وقال خاشقجي أن “النظام العربي القديم قد مات وأدواته لم تعد ذات جدوى”. وأضاف أنه بينما دعمت المملكة العربية السعودية صالح كممثل للاستقرار لم تعد هذه الحسابات صالحة.
قال خاشقجي فيما يتعلق بموضوع اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي أن الرئيس صالح قد “تفوق على المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي، والعالم” من خلال تأمين الحصانة التي عُرضت أصلاً لإحداث انتقال سريع في وقت مبكر من هذا العام. وقال أن صالح قد نجح في تأمين تلك الحصانة ونفوذ كبير على الوضع الراهن، وأضاف أن صالح سوف يظل على الأرجح رئيس الحزب الحاكم إلى ما بعد الانتخابات. ورغم ذلك فليس هناك يقين يضمن في إطار الاتفاق أن يبقى قابلاً للتنفيذ بعد الانتخابات.
من أجل ضمان الحفاظ على هذا الانتقال على المسار الصحيح، دعا خاشقجي إلى إنشاء “غرفة عمليات” يساندها مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة والتي يتم تخصيصها لمراقبة تنفيذ الاتفاق وتجنب أي محاولة من جانب صالح لإفساده. وينبغي أن ترصد هذه الهيئة أيضًا ثلاث مواقف من المحتمل أن تكون مصدرًا لمزيد من الاضطرابات وهي: دعوات الانفصال في الجنوب والتوسع الحوثي في الشمال وزيادة نشاط تنظيم القاعدة في جميع أنحاء البلاد.
قال خاشقجي في ختام تصريحاته أن الثورة الحالية في اليمن تشكل استئناف لعملية بدأت في ثورة عام 1948. وقال أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها الآن واجب نحو التأكد من أن هناك “استقرار مستدام” مطلوب لضمان تتويج تلك العملية وذلك من خلال اقتصاد يدعم الإنتاجية وخلق فرص عمل.
قدم إبراهيم شرقية تحليلاً لدور المجتمع الدولي في الأحداث الجارية في اليمن، مشيرًا إلى أنه بينما كان هناك توافق في الآراء حول مسار التقدم نحو الأمام، فإن هذا الإجماع قد أتى على حساب تبني سياسة حازمة تتطلع للأمام. وقال شرقية أن الدعم الدولي لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي هو دعم إيجابي حيث ساعد في عزل صالح وشجع على تحسين تنفيذ اتفاق السلام، ولاسيما تحت إشراف ممثل الأمم المتحدة الفعال جمال بن عمر. ومع ذلك فقد اشتمل على استجابة بطيئة جدًا لم تتطور إلى ما وراء الخطوط العريضة التي وضعتها دول مجلس التعاون الخليجي. يقود نهج الولايات المتحدة في هذه الأثناء ثلاثة مبادئ هي: الحرب ضد تنظيم القاعدة، وضرورة تأمين “استثماراتها الأمنية” في السنوات الماضية، وتفضيل “تحديث النظام” بدلاً من “تغيير جوهري في النظام”.
أكد شرقية أن جميع هذه القيود تعني أن المجتمع الدولي في الواقع قد “ساهم في المخاطر” في اليمن. ورأى أن اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي قد حافظ على ” الاستقرار الهش غير المستدام” في البلاد، وترك الصراع على السلطة في قلب الأزمة دون تغيير. وبرهن على أنه كان هناك تصور لعمليتين على مسارين مختلفين – المسار العسكري والمسار السياسي. في حين أن المسار السياسي سيحقق نجاحات واضحة، مع إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة، فإنه لن يكون كاملاً حتى يتلاقى المساران، ويتم معالجة قضية إصلاح النظام الأمني.
و اختتم شرقية كلمته قائلاً أنه بينما قد يكون اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي “غير كامل”، يمكن تحسينه من خلال بناء الثقة بين الأطراف المعنية والشروع مباشرةً في حوار وطني يضم شباب البلاد. إن نجاح الاتفاق سيتوقف على طبيعة تنفيذه – وهؤلاء الذين يرصدونه يجب أن يقدموا خارطة طريق واضحة، ويجب تعزيزها من خلال تقديم الدعم من المجتمع الدولي. أخيرًا، يجب أن يكون هناك إعادة توجيه للاستثمارات الدولية في هذا البلد نحو تنمية اقتصادية واجتماعية وخلق فرص عمل بدلاً من تعزيز الأنظمة الأمنية ومكافحة الإرهاب.
أعقب العرض الذي قدمه كل متحدث فترة أسئلة وأجوبة. طرح مدير الجلسة سلمان شيخ سؤالاً حول احتمال محاولة صالح التراجع عن اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي، نظرًا لتأثير هذه الخطوة على مصداقيته. وبينما أصر أبو لحوم على أن التركيز الحقيقي ينبغي أن يكون الآن على فترة ما بعد صالح، مبرهنًا أنه لن يكون قادرًا على القيام بعودة فعالة للسياسة، أشار خاشقجي إلى أن نظامه قد يكون في الواقع قادرًا على البقاء دون وجوده وأشار إلى مخاوف واشنطن من انهيار كلي في البلاد.
وفي ردهم على سؤال حول مستقبل تنظيم القاعدة في أعقاب الثورة اليمنية، اتفق المشاركون أن الجماعة قد تكون في غير محلها على نحو متزايد، وأشار جمال خاشقجي إلى أن نجاح المجموعة كان “منتجًا من منتجات الركود في العالم العربي القديم”. ومع ذلك أصر أبو لحوم على أن تنظيم القاعدة يمكن أن يصبح مشكلة خطيرة “إذا لم تمض خطة [دول مجلس التعاون الخليجي] قدمًا”. وأضاف أن استخدام الولايات المتحدة لطائرات بدون طيار ينبغي أن يتم تنسيقه أولاً مع السلطات المحلية التي قد تكون قادرة على التعامل مع التهديد من دون الحاجة إلى توجيه ضربة في المقام الأول.
وردًا على سؤال حول احتمالات انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي، قال خاشقجي أنه في حين أن اليمن قد تحصل على دعم أكبر من دول مجلس التعاون الخليجي بعد تشكيل الحكومة، فإنه من غير المرجح أن تنضم إلى الهيئة الإقليمية – التي في جوهرها هي “نادي اقتصادي” – خلال الأعوام العشرة القادمة. في الوقت نفسه، دافع أبو لحوم وشرقية عن وضع خطة انضمام من شأنها أن تكون “مفيدة لكلا الطرفين”، على أساس الشراكة التي اعترفت بموارد اليمن غير المستغلة، والدور الرئيسي في الأمن الإقليمي، والقوى العاملة غير المستغلة.