في الخامس من مايو/أيار 2010 قام مركز بروكنجز الدوحة ومركز سابان لسياسات الشرق الأوسط بإجراء حوار سياسي لاستكشاف إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة ودول الخليج التوصل إلى سياسة مشتركة للرد على رفض إيران في الالتزام بمطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف برنامجها النووي.
وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مركز سابان ومركز بروكنجز الدوحة بعقد نقاش سياسي عبر دا~رة تلفزيونية مغلقة (تليكونفرنس) حيث تحدث فيه الزملاء بمركز بروكنجز سوزان مالوني وبروس ريدل من واشنطن وقد انضم إليهما كل من مهران كمرافا، مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية والعميد المؤقت لكلية الشئون الخارجية بجامعة جورج تاون في قطر، و محجوب زويري، أستاذ مساعد بقسم تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة قطرز وقد قام كل من كينيث بولاك، مدير مركز سابان في واشنطن، وهادي عمرو، مدير مركز بروكنجز الدوحة بإدارة الحوار من قطر.
(النسخة الصوتية الكاملة للحدث متوفرة بكل من اللغتين العربية والإنجليزية)
وقد استهلت سوزان مالوني الحوار بالتعليق على السياسة المتعددة الأوجه الخاصة بإدارة أوباما تجاه إيران، مشيرة إلى أن الجدل الدائر في واشنطن على مدى الخمسة عشر شهرا الماضية كان شبيها بما حدث في إدارة جورج و. بوش عندما تبنت إدارة أوباما سياسة مزدوجة المسار تجاه إيران حيث قامت بالضغط عليها مع العرض بالجلوس مع طهران على طاولة المفاوضات. ومع ذلك، وبالرغم من الجهود التي تبذلها واشنطن لتحسين الوضع الدبلوماسي، فقد كانت النتائج محبطة، وقد تم انتقاد أوباما من كلا الجانبين: فالبعض يقول بأنه على الإدارة أن تزيد المشاركة، في حين يقول البعض أن التفاوض مع إيران أمر عديم الجدوى خاصة في ظل الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في الصيف الماضي، وبالنظر إلى ما يبدو أنه طريق مسدود، فماذا بعد؟
وحاليا تقوم الإدارة الأمريكية بدراسة خياري الاحتواء أو العمل العسكري, إن مبعث قلق واشنطن هو أن ما حققته من تقدم وجها لوجه تجاه الوضع الإيراني هو أقل مما يرضيها, فعند تولى أوباما منصبه كانت إدارته تتطلع لتغيير السياسة الأمريكية الخارجية وخاصة فيما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع المجتمع الدولي، إلا أنه في ذات الوقت الذي كان فيه تحولا ملحوظا في علاقات الولايات المتحدة مع روسيا، بقيت موسكو غير راغبة في دعم اتخاذ سياسة متشددة تجاه إيران. وعلى النحو ذاته، فالت مالوني، إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتلقى إشارات متباينة من منطقة الخليج. فمن ناحية كان الخليج يؤيد لغة الخطاب المتشددة ضد البرنامج النووي الإيراني، إلا أنه من ناحية أخرى كانت دول الخليج مترددة بشأن تهديد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إيران.
وعلى صعيد آخر استهل مهران كمرافا حديثه بالإشارة إلى أن الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية لا تولي الاهتمام الكافي للأوضاع الإستراتيجية في دول الخليج. فباستثناء المملكة العربية السعودية، يتكون مجلس التعاون الخليجي من دول صغيرة عليها انتهاج استراتيجيات البقاء التي تتضمن اتخاذ قرارات سياسية خارجية معتدلة. ونظرا لأن دول الخليج تقع في منطقة سريعة التقلب من العالم، هناك القليل من الخيارات السياسية متاحة لهذه الدول. وفي نفس الوقت، تنتهج كل دولة من هذه الدول سياسات خارجية شديدة التباين تحكمها اعتبارات داخلية واعتبارات جغرافية وإستراتيجية أكبر. فعلى سبيل المثال، تنتهج كل من البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة سياسة الانضمام إلى القوة العظمى في المنطقة، المملكة العربية السعودية، التي تقوم باتخاذ القرارات السياسية لهم, إلا أنه، وبرغم هذه السياسة، فهناك اختلافات في حين تسمح البحرين للملكة العربية السعودية بتحديد سياستها تجاه إيران، أما الإمارات العربية المتحدة لا تسمح بذلك بسبب النزاع على الجزر مع إيران، في الوقت ذاته تقوم الكويت بشراء الماء والغاز الطبيعي المسال من إيران. وعلى النقيض من ذلك، أشار كمرافا إلى أن قطر لديها علاقة شقيقة غير مألوفة مع إيران حيث يقوم مسئولون رفيعي المستوى بتبادل الزيارات بين البلدين في الحين نفسه الذي تقوم فيه قطر باستضافة أكبر قاعدة جوية أمريكية في العالم. وهذا كله يوضح مدى تعقيد هذه العلاقات ومساهماتها في زيادة الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية في حشد الدعم الغير مشروط في الخليج ضد البرنامج النووي الإيراني.
ثم أشار بروس ريدل إلى أن إيران تتناسب مع أهداف السياسة الخارجية لإدارة أوباما حيث يعمل الرئيس أوباما ساعيا إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية وقد صرح برؤيته هذه في المؤتمر النووي المنعقد في واشنطن الشهر الماضي, و رأى ريدل بأنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تنظر في المسألة الإيرانية من خلال منظور الحرب في أفغانستان / باكستان والعراق وما تدعوه باسم “الحرب على الإرهاب”, ففي كل من أفغانستان وباكستان، لدى إيران القدرة على تحويل الوضع من “سيئ إلى أسوء”, فقد قام الحرس الثوري الإيراني بتوطيد العلاقات مع حركة الطالبان الأفغانية، وفي حالة اتخاذ إيران لقرار بالتدخل، فسيمكنهم نقل أسلحة مثل صواريخ أرض جو إلى حركة الطالبان. ومن ناحية أخرى، فالولايات المتحدة الأمريكية تتنافس مع إيران لتحديد مستقبل العراق وكل من الرئيسين الأفغاني والعراقي مؤيدين متحمسين لأحمدي نجاد، كما شدد ريدل على أهمية عدم تورط إيران في الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية عبر الحركات المنتسبة إليها مثل حزب الله، قائلا “أن لا أحد يريد أن يضيف حزب الله إلى قائمة الحركات الإرهابية للولايات المتحدة الأمريكية”, كما يشير أيضا إلى أنه على مضيّ الأعوام السبعة الماضية كانت المصالح الإسرائيلية قد شكلت خروجا عن الحسابات الأمريكية بشأن إيران، و قال ريدل أن خيار الولايات المتحدة قد يتدهور إلى أن يصبح “العيش مع قنبلة نووية إيرانية أو استخدام القوة العسكرية للحيلولة دون حصول إيران على القنبلة”. كما تنبأ بأن المستشارين العسكريين للرئيس أوباما لن يشجعوا الخيار العسكري حيث يسعى المستشارين المحليين إلى اتخاذ طريق آخر.
ومن ناحية أخرى استهل زويري تعليقه بتوضيح نقطة، حيث قال بأن هناك آراء كثيرة مختلفة في العالم العربي بشأن المسألة الإيرانية وأنها قد تغيرت بشكل ملحوظ على مر الثلاثين عاما الماضية. و أشار إلى أن هناك تعارض شائع في العالم العربي بين الوضع الرسمي للدولة والرأي العام بشأن إيران. وقد تحول الرأي العام العربي بشأن إيران بعد انتخابات عام 2009، إذ حاليا يتساءل السياسيون والأكاديميون حول شرعية ومصداقية النظام الحاكم الإيراني وهو أمر لم يحدث من قبل. وشدد زويري إلى أن الدول العربية قلقة حول الدور الإيراني المتزايد في المنطقة حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية قلقة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وتوقع زويري أن أي مجموعة جديدة من العقوبات سوف تؤثر سلبيا على إيران، واضطرابات داخلية سوف تؤدي إلى إحداث تغيير بدون أن يكون على الولايات المتحدة أن تخوض الخيار العسكري.
وبعد أن قامت اللجنة بإبداء ملحوظاتها، تم عقد جلسة أسئلة وأجوبة تناولت مجموعة من القضايا منها اقتراح مفاعل أبحاث طهران واحتمالية نشوب الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وما إذا كان من الحكمة بالنسبة للرئيس أوباما أن يقوم بتكرار المبادرات مع القيادة الإيرانية، واحتمالية وعواقب تبادل إسرائيل وإيران الضربات العسكرية ضد بعضهما البعض. حول مفاعل أبحاث طهران، تساءلت مالوني ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تعيد ترتيب مفاعل أبحاث طهران بصورة مقبولة لكل من الطرفين الإيراني والأمريكي. وقد قالت مالوني أنه من المحتمل أن يكون الحل للتعنت الإيراني بشأن برنامجها النووي هو أن يسمح للدولة بتطوير برنامجها النووي بدون قيامها بصنع أجهزة أو أن يكون لديها ترسانة نووية. وأشارت مالوني إلى أن الولايات المتحدة قد تسمح بذلك ولكن إسرائيل لن تسمح حيث تريد إسرائيل أن تحتكر حيازة الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وبخصوص احتمالية وقوع اشتباك عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، قال ريدل بأنه كان من الصعب تخيل الرئيس أوباما وهو يطلب التصريح بالبند السابع من مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية ضد إيران في حين لا ترغب كل من روسيا والصين في فرض عقوبات ضعيفة على إيران. وكذلك فمن غير المحتمل أن يقوم مجلس الأمن بالتصويت لصالح حرب ثالثة بمنطقة الشرق الأوسط. وأضاف كمرافا بأن الضربة الأمريكية ضد إيران قد تتسبب في الانتقام وبالتالي في الإخلال بالاستقرار في منطقة الخليج. أما بشأن احتمالية الضربات العسكرية بين كل من إسرائيل وإيران يشير ريدل إلى انه إذا قامت إسرائيل بضرب إيران بدون حصولها على تصريح بذلك من الولايات المتحدة الأمريكية فسوف يؤدي ذلك إلى غضب الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه من غير المحتمل أن تتوقف المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل. ووضح كمرافا بأن طهران قد تنظر إلى الضربة الإسرائيلية لإيران على أنها هجمة تشترك فيها الولايات المتحدة الأمريكية, وفي هذه الحالة تجد الولايات المتحدة نفسها مجبورة على إيقاف هذه الفوضى العارمة و إحتواء تداعيات الموقف المتدهور.
المشاركين.