في 14 نوفمبر 2012، استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة سياسات حول صياغة الدستور المصري الجديد. ناقش المتحدثون التحديات التي تواجه الجمعية التأسيسية في مصر وإمكانية إنشاء دستور جديد قبل الموعد النهائي الحالي 12 ديسمبر 2012. ضمت الندوة عمرو دراج الأمين العام للجمعية التأسيسية المصرية ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة، والسفير هشام يوسف مساعد الأمين العام للجامعة العربية ورئيس الحملة الرئاسية لعمرو موسى سابقًا في 2012، وحسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وقد أدار الندوة سلمان شيخ مدير مركز بروكنجز الدوحة وحضرها أعضاء من المجتمعات الدبلوماسية والأكاديمية والخاصة بالأعمال والإعلام في قطر.
بدأ عمرو دراج بالمزاح بأنه كان يأمل في الحصول على راحة من التحدث حول الدستور المصري بعد ستة أشهر من مناقشته مع الجمعية التأسيسية وعلى التلفاز وحتى مع عائلته. وقد أشار إلى الرضا بما أطلق عليه “قدره”، وبالرغم من ذلك اختار التركيز على إيجابيات عملية صياغة الدستور. كما وضع دراج التوترات العامة جانبًا وأشار إلى أن الدستور كان بمثابة “ثمرة الثورة ]المصرية[” وقال أن هذه أول مرة يشعر فيها المصريون بأنهم يلعبون دورًا في تشكيل دولتهم. كما أضاف إلى أنه تأكد من تقديم الشكر إلى أي شخص قدم فكرة أو اقتراحًا إلى العملية وشارك قصة رجل أجهش بالبكاء عندما تم شكره – حيث قال أن هذه هي المرة الأولى في حياته التي قدم فيها شيئًا إلى جهة حكومية مصرية ويشعر أنه يؤخذ بجدية.
اعترف دراج بأن عملية إصدار مسودات جديدة ومعدلة للدستور قد تكون محيرة بعض الشيء، لكنه قال أن هذا “أمر طبيعي” عند محاولة الحفاظ على عملية شفافة وصريحة. بالإضافة إلى ذلك، قلل دراج من أهمية قضية تشكيل الجمعية، قائلاً أن هذا أمر قد “تم التغلب عليه.” وقد اعترض شخصيًا على تصنيف أعضاء الجمعية إلى “إسلامي” أو “مدني”، قائلاً أنه – مثل معظم المصريين – يعتبر نفسه ليبراليًا ويتعاطف مع العدالة الاجتماعية، وليس فقط “إسلاميًا.” كما اعترض أيضًا على تطبيق نفس الفكرة على الدستور نفسه. فقد تساءل لماذا يتم اختزال الإسلام في المادة الثانية للدستور ومواد قليلة أخرى، وكأن الإسلام لا يتضمن شيئًا بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الفساد.
قال دراج أنه كان يوجد اختلاف في الآراء داخل الجمعية، لكنه لا يمثل خلافات رئيسية حول المحتوى. وعلى النقيض أشار إلى أن الخلافات العامة بين أعضاء الجمعية قد ازدادت بشكل أساسي حول الفوز بحقوق سياسية وانتخابية بالخداع. وقد يوافق الأعضاء (الإسلاميون وغير الإسلاميين على حد سواء) على مادة معينة داخل الجمعية، ثم يدّعون في الإعلام أن نفس المادة ستكون “كارثة” أو “سترجع بمصر إلى العصور الوسطى.” وأكد في النهاية أن أعضاء الجمعية كانوا شخصيات عامة، فهم متطوعون نهضوا بمسؤوليتهم من أجل الدولة. وبالرغم من وجود نزاعات حول “التفاصيل”، ألا إن الخلاف حول “أركان” الدستور كان ضئيلاً. كما ذكر دراج النقاط الرئيسية للإجماع، فقال جميع المصريين (الإسلاميون وغير الإسلاميون أيضًا) يوافقون على أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، كما يوافقون على ضمان الحريات الفردية إلى أقصى حد ممكن، حتى إذا اختلفوا على بعض التفاصيل، ويوافقون أيضًا على تقسيم السلطات بين فروع الحكومة.
وأعرب دراج عن أن هدفه يتمثل في الوصول إلى أفضل دستور ممكن وأقصى قدر من الإجماع، حتى في حالة عدم رضا أي شخص بنسبة 100 في المائة على النتيجة. لقد وضعت الجمعية آلية لتعديل الدستور في تاريخ لاحق، كما أن عمليات الحظر الممكنة للتعديلات لمدة خمسة أو عشرة أعوام قد ألغيت. كما قال أن مصر يجب أن تتقدم، من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ومن جانبه أبدى السفير هشام يوسف أسفه على جو “الاستقطاب العميق.” الذي يحيط بعملية الصياغة. وأكد أن السبيل إلى كتابة الدستور كان ينبغي أن يكون مختلفًا منذ البداية: فقد كان ينبغي أن يتميز بالمصالحة وليس المواجهة، وبالتضمين وليس إقصاء أقلية معارضة، وبالإجماع، بدلاً مما يبدو الآن فرضًا للآراء. وبدون ذكر قوى معينة، استاء يوسف من مجموعات عمدت إلى تمرير الدستور.”بأية وسيلة”، معتقدةً أن أغلبيتهم سمحت لهم بالتحرك في هذا الاتجاه المفضل. وقد لخص يوسف القضايا الرئيسية التي يشعر بأن الدستور يلزم أن يلبيها، بما في ذلك تعريف الهوية الوطنية وتوضيح حقوق الأفراد وحرياتهم وإقرار تقسيم السلطات الذي يتضمن مبدأ المراقبة والتوازن، وأكد أن هذا الدستور لم يف بجميع هذه النقاط.
وقد اشتكي يوسف من بعض الملاحظات القليلة الضارة لعملية الصياغة، حيث أيد الكثير منها. تتمثل الملاحظة الأولى في أن الدستور قد كتب في سياق من النزاع بين الذين يؤيدون الشريعة وهؤلاء الذين يعارضونها، وقال يوسف أن هذه الملاحظة.”ليست واقعية.” والملاحظة الثانية هي أن الوقت لم يكن كافيًا. فقد قال يوسف أن الدستور ليس قانونًا يمكن أن يغيره البرلمان، لكنه على النقيض يتطلب عملية طويلة ومعقدة تتسم بالدقة والوضوح والاتساق. كما أضاف أنه هناك نقاش على مستوى المجتمع حول حقيقة أنه لا يوجد وقت كاف لمناقشة الوثيقة في الجمعية التأسيسية، وأشار إلى أن بعض المقربين من جماعة الإخوان المسلمين يعتقدون أن الدستور سيكون “غير ناضج.” والملاحظة الثالثة هي شيوع شعور بخلط الأمور خلال العملية. وبالرغم من أنه اتفق مع دراج حول شفافية العميلة، إلا أنه قال أن التدفق السيئ للمعلومات أدى إلى موقف ناقش فيه المصريون موادًا معينة بشدة، ليكتشفوا في النهاية أنها ألغيت بالفعل من مسودة لاحقة. والأمر الأكثر ضررًا على حد قول يوسف هو أن الكثيرين ينحازون للرأي الذي يشير إلى أن الدستور في شكله الحالي لا يعكس روح الثورة. فقد كان يفضل دستورًا يفتخر به المصريون أمام العالم أجمع، وليس الحد الأدنى مما يمكن تحقيقه اليوم.
كما ناهض يوسف ادعاء دراج أن النزاعات الحقيقية كانت قليلة، مشيرًا إلى خلافات أساسية حول دور الشريعة وحرية العبادة وحقوق النساء ومسائل تتعلق بتحقيق التوازن بين السلطات. كما أشار إلى اعتراضات جادة من أطراف تتضمن قضاة مصر والجماعات النسائية والعسكريين والليبراليين وحتى مجموعة الكتاب بالدولة. وقال أن الدور الرقابي الجديد لعلماء الدين بجامعة الأزهر ودور الجيش الذي يختلف قليلاً عن “وثيقة السلمي” في نوفمبر 2011 كان من بين القضايا التي أثارت القلق وكان يلزم تغييرها.
اعترض حسام بهجت بشدة على وصف دراج للدستور والسبيل إلى التعامل مع الدستور على أنه “حبة دواء مرة” يجب ابتلاعها باسم الاستقرار. كما أكد أن الدستور في الحقيقة يمثل خطوة رئيسية في التحول الديمقراطي في مصر وأن عملية الصياغة ستحدد شرعية الرئيس محمد مرسي. لهذا قال بهجت أن العملية ينبغي أن تستغرق وقتًا أكبر كما تتطلب. وبالرغم من أنه عبر عن خيبة أمل من أن الصياغة لم تمنح فرصة للنقاش الوطني والالتئام، ألا إنه قال أنه يشعر بالرضا عن ملاحظته أن حزب الحرية والعدالة والرئيس مرسي مقرين بأن مأزق الدستور يمثل أزمة متصاعدة. مع ذلك انصرف الذين قابلوا مرسي قائلين أن الأولوية بالنسبة للرئيس هي الاستقرار، وقال بهجت أن الاجتماعات لم تطرح سبيلاً حتى الآن للخروج من الأزمة.
كما شجب بهجت عملية الصياغة مشيرًا إلى أنها تتسم “بسوء إدارة شديد”. ووصف الجمعية التأسيسية نفسها بأنها “مجموعة من “عيوب الولادة”. وتعقب عملية تشكيل الجمعية أولاً من خلال فشل البرلمان المصري في وضع معايير موضوعية للمشاركين خلال الإعادة الأولى لاختيار أعضاء الجمعية، ثم بعد ذلك من خلال “نقطة التحول المؤسفة” التي تمثلت في وساطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتقسيم الأعضاء بين الإسلاميين وغير الإسلاميين بنسبة 50-50. وقال بهجت أن هذه اللحظة كانت فيها العملية بمثابة “كسر لا يمكن جبره”، نظرًا لاستيلاء حزب الحرية والعدالة وحزب النور على 50 مقعدًا، وتركا الخمسين مقعدًا الباقية ليتم تقسيمها بين الأزهر والكنسية القبطية وممثلي مؤسسات الدولة والآخرين. واستاء بهجت من أن الجمعية الناتجة لم تكن جمعية ذات خبرة كما لم تكن جمعية ممثلة وطنيًا. علاوةً على ذلك، كانت أيضًا مليئة بالبرلمانيين، وبذلك فهي عرضة أيضًا لنفس التحديات المتعلقة بشرعيتها. بعد تشكيلها، استغلت بعد ذلك الجمعية الثانية اجتماعاتها الأولى لترسيخ قواعد غير ديمقراطية للإجراءات، فاختارت نسبة 57 في المائة للموافقة نظرًا لأن الأغلبية تعلم أن لديها 57 صوت جاهزة. ونقل بهجت شكاوى أعضاء الجمعية حول انعدام الشفافية حتى داخل الجمعية نفسها (حتى المسودات التي ربما تتغير بدون تفسير بعد مغادرة اللجان)، وكذلك تجربته المخيبة للآمال عند تقديم مقترحات مؤسسته.
وقد لخص بهجت تقييمه للمسودة الأخيرة للدستور بقوله أنه إذا وافق الرئيس المخلوع حسني مبارك على إصلاح النظام المصري بدرجة طفيفة، فإن هذا هو نوع النظام الذي سيطرحه. قامت المسودة بتحسين بعض الجوانب في دستور عام 1971، لكنها تراجعت في جوانب أخر ومثلت “ما قبل الثورة”. وأوضح بهجت سيناريوهات مختلفة متعددة (كلها سلبية) للكيفية التي ربما تستمر بها عملية الصياغة، وقال باختصار أنه لا يعتقد أن هذا الدستور سينجم عنه استقرار طويل المدى. وقد أنهى بهجت بملاحظة متشائمة للغاية، فقال أنه يلاحظ العقبات الإجرائية التي تجعل من المستحيل تقريبًا تعديل الدستور.
وبعد عرض كل من المشاركين لوجهة نظره، أتيحت الفرصة لطرح الأسئلة. وعندما وجه سؤال إلى يوسف حول المواد المعينة التي يعترض عليها، قدم أمثلة عديدة حيث كان مما قاله من 15 إلى 20 مادة معقدة. وأكد أنه من المستحيل الحصول على موافقة بنسبة 100 في المائة، لكن تمثل الهدف الحقيقي للعملية في “تحقيق أقصى حد من الإجماع.” كما قال أن المسودة الأحدث لم تكن “كارثية”، لكنه أشار إلى الحاجة لمزيد من العمل لتحقيق الاتفاق.
وعندما وجه سؤال إلى بهجت عن اعتراضه على مشاركة برلمانيين في الجمعية، قال أنه ليس لديه اعتراض على هذا في حد ذاته، لكن على النقيض يعترض على الفشل في وضع معايير موضوعية للترشيح إلى الجمعية. واستمر ليناقش الكيفية التي جعلت تشكيل الجمعية عرضة للتحدي القانوني وكيف أن العملية هاجمها كبار الخبراء القانونيين والقضاة، الأمر الذي منع مصر من الاستفادة من الفكر الدستوري العصري. وفي المقابل رد دراج على انتقادات تشكيل الجمعية، حيث قال أن عملية الترشيح قد اعتبرت أفضل من الانتخابات الديمقراطية للغاية، ومع ذلك ربما نشأ عن الانتخابات جمعية يهيمن على تشكيلها الإسلاميين مثل برلمان الدولة الجديد.