استضاف مركز بروكنجز الدوحة بالاشتراك مع مركز الجزيرة للدراسات في 18 يونيو 2019 ندوة حول التطوّرات الأخيرة لثورات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمقارنة مع بدايات الربيع العربي في العام 2011. وركّز المتحدّثون على الحركات الشعبيّة في الجزائر والسودان، مقيّمين إمكاناتها في تحقيق عمليات انتقال سلميّ للسلطة، بالإضافة إلى ما قد تطلّبه عمليات انتقال كهذا. وأشاروا إلى أنّه فيما بإمكان تغيير النّظام أن يؤدي إلى تجدّد الازدهار، إلا أنّ عدداً كبيراً من المخاوف قد تحقّق. ففي السودان، لا يبدو أنّ حكماً مدنيّاً يلوح في الأفق. وفي الجزائر، تبرز مخاوف من أن تنجح الدولة العميقة في التحايل على آمال إقامة حكومة ديمقراطية. وأعرب المتحدّثون عن أملهم في أن تولّد هذه الحركات زخماً ناجحاً، غير أنّهم حثّوها على تعلّم الدروس من نجاحات الربيع العربي السابق وإخفاقاته.
وشارك في الندوة خبراءٌ مُتميّزون، هم: عبد الوهّاب الأفندي، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا؛ والحواس تقيَّة، اباحث بمركز الجزيرة للدراسات؛ وشفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت. وكان من المُقرَّر أن يشارك عبر الأقمار الاصطناعية شبلي تلحمي، وهو زميل غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنجز، غير أنّه لم يتمكّن من ذلك بسبب مشاكل تقنية. وأدار النّدوة المذيع في قناة الجزيرة مباشر سالم المحروقي، وحضرها لفيفٌ من الشخصيّات الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية في الدوحة.
استهل الأفندي النقاش بقراءة للمشهد السياسي الحالي في السودان. وقال إنّ الثورة السودانية تمرّ بمرحلة “حرجة وخطيرة”، وبخاصة مع الزخم المُكتسب بعد الهجمات الأخيرة على التظاهرات العسكرية. وأدان أولئك الذين يسعون إلى استبدال الجيش الحالي بميليشيات أجنبيّة منفصلة، مشيراً إلى أنّه يجدر بأولئك الذين يعتقدون أنّ الجيش ضعيف أن يدعموه عوضاً عن ذلك. كما يعتقد أنّ بعض عناصر الاحتجاجات تشبه الاحتجاجات في مصر ودول أخرى شهدت الربيع العربي. وأكّد أنّه من المهم جدّاً أن يضع السودانيّون خلافاتهم جانباً ويسعوا إلى إيجاد حلٍّ للمشكلة. وتابع قائلا إنّه في ضوء الوضع المُتزعزع في البلاد، يجب التخفيف من حدة الاستقطاب الشعبي. ومع ذلك، قال إنّ الشعب السوداني متفائلٌ بأن تنجح الاحتجاجات في نهاية المطاف.
ومن جانبه، ناقش تقيّة احتمال قيام ثورة ديموقراطية في الجزائر. فأشار إلى الطرق التي ينأى من خلالها الجزائريون بأنفسهم عن ثورات الربيع العربي المشابهة، والتي يعتقدون أنّها لم تنجح، متجنّبين استخدام مصطلح “الاحتجاجات” لصالح “الحركات الشعبية”. وأشار إلى أنّ الحركة الجزائرية ظلّت سلمية على عكس السودان وأنّ العدد الكبير من الناس الذين خرجوا إلى الشوارع قد ساعد في إضفاء الشرعية عليها. وأضاف تقيّة أنّ طبيعة الاحتجاجات الجزائرية السّلمية قد شجّعت الناس من مختلف مجالات الحياة على المشاركة، ولا سيّما النساء، إلا أنّ غياب الاعتصامات الكبيرة قد سمح لمن هم في السلطة بالبقاء وبتأخير الانتخابات. وقال إنّ افتقار الحركة الشعبية إلى القيادة شكّل سبباً آخراً للركود في الجزائر، مضيفاً أنّ هذه المشكلة تبرز أيضاً في السودان. واختتم تقيّة بتقديم توصيات للحركة الحالية، وحثّ على تنويع التظاهرات لتشمل اعتصامات وعصياناً مدنياً، كما كان الحال في السودان. ودعا أيضاً إلى إنشاء هيكل قيادي يضمن وجود هيئة بإمكانها تولّي السلطة عند سقوط النظام.
وتابع الغبرا النقاش بالنظر في ما إذا كانت التطورات في السودان والجزائر وفي بلدان أخرى في المنطقة تشير إلى أنّ المنطقة ستشهد ربيعٍاً عربياً ثانياً. وأشار إلى أنّه يجب على شعوب بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن ترفض الخَيار الذي يفرضه زعماؤها عليها وهو إمّا أن يخضعوا لقيادتهم أم أن تعمّ الفوضى، أو إمّا أن يخضعوا لقيادتهم أم أن تسيطر الانقسامات الدّاخلية. وقال إنّ الدّول ذات الكثافة السكانية العالية والأنظمة القمعية تشكّل سجوناً للعديد من الشعوب العربية، كما آلت إليه الظروف في العام 2011. وفي الوقت الذي يرغب فيه الكثيرون في إيجاد مخرجٍ للأزمة، يقول الغبرا إنّ هذا لا يعني بالضرورة سقوط الأمم. عوضاً عن ذلك، يمكن للحركات كتلك التي في الجزائر والسودان الضغط من أجل تحقيق إصلاحات تسمح بالحوار، وتتيح المجال للأنظمة بأن تصبح تدريجيًاً أكثر ديموقراطية. وأكّد أنّه في البدائل العنيفة لذلك، أي الحروب الأهلية، الجميع يخسر، وأنّه إن لم تنجح هذه الثورات، فإنها ستؤدي إلى انهيار الدول في نهاية المطاف.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت النقاش على العناصر المُهمّة في الثورات الناجحة وعواقب ضعف القيادة وعدم اليقين حول مستقبل بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقال الأفندي إنّ التغيير يتطلّب الوحدة: فالزعماء لا يسقطون من دون دعم الشعب للحركات التي تخلعهم. غير أنّه من الصّعب أن تتحقّق الوحدة ما بعد الثورة. ورداً على سؤال آخر، أشار تقيّة إلى أنّه في حالة الجزائر، صوّر النظام المشاركين في الحركات الاحتجاجية كشركاء له، الأمر الذي تسبّب في إحراج الأفراد المهتمّين بالاضطلاع بدورٍ قيادي. وأخيراً، شدّد الغبرا على أنّه لا يمكن التنبّؤ بمستقبل الأنظمة في بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتابع أنّ عدم القدرة على التنبّؤ تتفاقم بسبب نظامٍ عالمي متغيّر يتميّز بنهضة الصين والانحدار المحتمل للولايات المتحدة.