في 9 ديسمبر 2013، نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة سياسية حول دور روسيا في الشرق الأوسط. قيّم المتحدّثون أهداف روسيا السياسية في المنطقة، وتصور العالم العربي لها، بالإضافة إلى تدخّل موسكو في الأزمة السورية. جمعت هذه الندوة بين الدكتور فيتالي نعومكين، مدير معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم، والدكتور عدنان هياجنة، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة قطر. وأدار الجلسة نائب مدير المركز ابراهيم شرقية وسط حضور بارز لشخصيات من الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والتجارية والإعلامية في قطر.
استهل نعومكين المناقشة بلمحة عن العلاقات بين روسيا والشرق اﻻوسط. أشار إلى أن مصالح روسيا في المنطقة ازدادت في شكل كبير في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الربيع العربي. نظراً “للأهمية الاستراتيجية” للمنطقة والاضطرابات المتزايدة التي تشهدها، زادت روسيا أنشطتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ. رغم ذلك، قال إنّ العلاقات بين روسيا والدول العربية أضعف من علاقاتها التجارية مع تركيا وإيران، كما أشار إلى أنّ وجود روسيا في شكل عام في العالم العربي “ليس كبيراً”.
شرح نعومكين أن سوء الفهم في عدد من المواقف شوه الآراء حول ردة فعل روسيا تجاه الربيع العربي. رحّبت روسيا “بحذر” بالربيع العربي ولم تكن تسعى كما يعتقد الكثيرون إلى المحافظة على الوضع الراهن لخشيتها من التغيير. وشرح أنّ روسيا محافظة أكثر وأبطأ في اتخاذ مواقف، بالمقارنة مع الولايات المتحدة، في ما يتعلق بالتطورات الحاصلة على الصعيد العالمي. وفي حين كان التردد في البداية يشوب الدعم الذي تقدمه أكثر مما هو عليه حالياً، دعمت روسيا الثورات في مصر وتونس في نهاية المطاف. من جهة أخرى، “شكّلت الثورة الليبية قصة أخرى”. بعد أن امتنعت روسيا عن التصويت على قرار الأمم المتحدة 1973 الذي سمح بإنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا، شعرت موسكو بخيانة القوى الأجنبية حين تحولت منطقة الحظر الجوي هذه إلى تدخل عسكري مباشر. أشار نعومكين أن هذا الواقع تعارض مع رؤى روسيا حول الشؤون العالمية، رؤى تشكل منظوراً مبنياً على احترام السيادة الوطنية والقانون الدولي وعلى معارضة التدخلات العسكرية من دون تفويض من مجلس الأمن.
في ضوء هذا، كانت السياسة الروسية تجاه سوريا مبنية على “فلسفة” وليس على “مصالح براغماتية”. قلل نعومكين من أهمية العلاقات التجارية بين روسيا وسوريا أو من قاعدتها في طرطوس، بحجة أن روسيا ليس لديها طموحات بالحفاظ على وجود عسكري في العالم العربي. استند موقف روسيا تجاه الشأن سوري على دروس مستفادة من التدخل الليبي بدلاً من الدعم الأعمى لنظام الأسد. وفقا لروسيا، ينبغي أن تُحل الأزمة السورية “من قبل السوريين”، من دون أي تدخل خارجي، وذلك من خلال عملية مصالحة وطنية واسعة النطاق وحوار وطني.
عندما طلب منه توضيح أهداف روسيا في سوريا، قال نعومكين إنّ روسيا تريد تجنب “صوملة” الصراع، مؤكداً أن سوريا لا تزال بلداً موحداً. بالنسبة لروسيا، إنّ السيناريو الوحيد الممكن هو اتفاق بين الأطراف المتنازعة، إذ “إننا ضد منطق إسقاط الأنظمة”. وأشاد بمشاركة روسيا في مؤتمر جنيف 2 وباتفاق الأسلحة الكيميائية، كما تحدّث الجهود التي قامت بها روسيا من أجل الوصول إلى النظام والمعارضة على حد سواء. في الوقت نفسه، أشار إلى أنه، مع وجود أكثر من 500 جهادي روسي يقاتلون في سوريا، تشعر روسيا بتهديد متزايد جراء الدور المتنامي لهؤلاء المقاتلين الأجانب في خضم الصراع. وقال إنّ غاياتهم وأهدافهم ليست الديمقراطية. كما وأنّ روسيا تخشى مصير الأقليات في سوريا، معبّراً عن القلق الروسي أن مسيحيي روسيا سيوف يُضطهدوا في سوريا كما هو الحال في العراق.
وبالحديث عن مصر، أوضح نعومكين أنّ روسيا عانت في البداية من فوز الإخوان المسلمين، نظراً لأن روسيا وضعت المنظمة على القائمة السوداء بسبب مشاركتها في قضية الشيشان ودعمها لها. ذكر أنّ روسيا قلقة حيال النفوذ الإيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين على الأقلية المسلمة الكبيرة في البلاد (حوالي 20 مليون شخص)، وخاصة فيما يتعلق بآرائها بشأن الدولة والعلاقات مع الغالبية المسيحية. ومع ذلك، سعى بوتين إلى إقامة علاقات مع حكومة مرسي، داعياً مرسي لزيارة موسكو حيث ناقش الجانبان المساعدات المالية والتعاون الروسي-المصري على الصعيدين الاقتصادي والطاقة. وفقاً لنعومكين، فإنّ انقلاب يوليو يوليو والتدهور اللاحق للعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر قد فتح آفاقاً جديدة أمام روسيا، بما في ذلك صفقة أسلحة محتملة. وقد وصف نعومكين هذا التطور بأنه “تحول جيد وإيجابي بشكل كبير”.
من ناحية أخرى، كان موقف عدنان هياجنة سلبياً للغاية تجاه الدور الذي تؤدّيه روسيا في المنطقة. قال إنّ الربيع العربي ليس مؤامرة غربية “كما تظن روسيا”، ولكنه نتاج لتضحيات العرب وتطلعاتهم. ينبغي على روسيا أن تفهم ذلك، بدلاَ من أن تسعى إلى “احتواء” الثورات من خلال الانقلابات والثورات المضادة. وقال إنّ سياسات روسيا لا تقوم على الأخلاق السليمة، واصفاً موقف روسيا بشأن سوريا وصمة عار على صورتها. أوضح هياجنة أن روسيا قد لعبت دوراً رئيسياً في منع هجوم أمريكي على سوريا، في الوقت الذي تمنع أشكالاً أخرى من التدخل في الأمم المتحدة، مثل إنشاء منطقة حظر جوي أو ممرات إنسانية. أضاف مؤكداً: “لولا الفيتو الروسي لما كنا نتحدث عن الدور الروسي في الشرق الأوسط”.