في 19 أبريل، استضاف مركز بروكنجز الدوحة سعادة البارونة كاثرين أشتون، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن، في مناقشة سياسية خاصة حول “في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآخذة في التغير”. انضم إلى البارونة أشتون لمناقشة مستقبل دور الاتحاد الأوروبي في المنطقة طارق يوسف، مؤسس وعميد كلية دبي للإدارة الحكومية، وعبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث. أدار اللقاء سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة، وحضره أعضاء المجتمعات الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية بقطر.
بدأت البارونة أشتون المناقشة بتحديد التحديات الأوسع التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في تأسيس سياسة خارجية متماسكة منذ أن جاءت هي إلى السلطة. وذكرت أن واحدًا من التحديات الرئيسية يتمثل في إنشاء خدمة السياسة الخارجية التي كانت قادرة على الاستفادة من برامج الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والتنموية، وإدماج “نهج قوي بشكل متساوٍ بشأن القضايا السياسية” التي تمثل مصدر قلق للاتحاد الأوروبي. وأشارت إلى أنه منذ بداية توليها المنصب، والقضية السياسية الأهم على رأس جدول الأعمال هي علاقة أوروبا مع جيرانها – ذلك أن “الفناء الخلفي لأوروبا كان حيث احتاجت أوروبا إلى إظهار أن بإمكانها أن تؤدي دورًا فعالاً”.
في معرض حديثها عن تاريخ سياسة الجوار الأوروبية، قالت أشتون إنها كانت مصدر الكثير من العمل الجيد في الماضي – لا سيما في التنسيق مع المجتمع المدني بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية. ومع ذلك، فقد قالت بأنه، بالنظر إلى الحقائق الجديدة في المنطقة، كانت هذه السياسة “غير كافية”، وكان لا بد لها أن تستند على نهج يجمع بنجاح بين السياسة والاقتصاد. وينبغي أن يستند هذا النهج على المال، والحراك، والوصول إلى الأسواق – وهو ما يمثل أفضل ما لدى الاتحاد الأوروبي ليقدمه لجيرانه.
قالت أشتون بأن المساعدة المالية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لأجل “دعم نمو المجتمع المدني” كانت أمرًا حاسمًا في وقت بدأت فيه المجموعات التي كانت لديها فرصة ضئيلة فيما سبق في التماس دور أكثر فعالية. في هذا الصدد، أشارت أشتون إلى كل من تونس ومصر، وأيضًا إلى ليبيا حيث أشارت إلى أن المجلس الوطني الانتقالي كان يدعو إلى إنشاء مجتمع مدني قوي. وقالت أشتون إنه في جميع المبادرات، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يسعى إلى الجمع بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن المؤسسات المالية الأخرى، وأنه ينبغي أن يُقدَّم كل الدعم بروح “المساءلة المتبادلة”. ثم تطرقت أشتون إلى الحديث عن الحاجة إلى تعزيز الحراك بين الاتحاد الأوروبي ودول الجوار. حيث قالت إنه من أجل كل من الشباب – والذين يحرصون على الحصول على قدر كبير من فرص التعليم والتبادل مع أوروبا – ورجال الأعمال في المنطقة، فإن “القدرة على التحرك عبر الحدود” أمر أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية. وأخيرًا، قالت أشتون إن الاتحاد الأوروبي له دور مهم في زيادة سهولة الوصول إلى الأسواق الأوروبية – من خلال فتح هذه الأسواق وأيضًا من خلال زيادة قدرة الشركات المحلية الصغيرة على الوصول إليها والعمل معها.
في إشارة إلى مفهوم “الديمقراطية العميقة”، قالت أشتون إنه من أجل ضمان أن أية مرحلة انتقالية “كانت عملية وليست مجرد لحظة”. فمن الضروري تبني رؤية طويلة الأجل. وحذرت من مخاطر “نفاد الصبر”، مؤكدةً أنه كان لا بد من أن يكون هناك توازن بين “الحاجة إلى رؤية التغيير، والحاجة إلى رؤيته يتم بشكل صحيح” – من خلال بناء عمليات ومؤسسات قوية. وشددت كذلك على أنه من الضروري أن يعكس تخطيط الاتحاد الأوروبي ذاته هذا الالتزام، مع إطار عمل من شأنه أن يغطي العشرين سنة القادمة. وأخيرًا، أكدت أشتون على أهمية أن تكون هذه العملية موجهةً محليًا – على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان بالتأكيد يملك الكثير ليقدمه، لكن ينبغي أن يكون ذلك “بناءً على دعوة، وليس فرضًا”.
بدأ طارق يوسف كلمته بتوجيه النقد لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع دول جنوب المتوسط على مدى العقود القليلة الماضية. وقال إن تزايد المبادرات والاتفاقات – مشيرًا إلى اتفاق لوكسمبورغ وعملية برشلونة والاتحاد من أجل المتوسط – قد أثار آمالاً كبيرة، بيد أنه حقق نتائج قليلة. ورغم ذلك فقد قال – مرددًا تصريحات أشتون – إن عدم كفاية هذه المبادرات ناجم عن “عدم الربط بين الاقتصاد والسياسة في جوهرها”.
قدم يوسف سببين لأهمية هذا الربط. حيث قال أولاً إن العمليات والاتفاقات الاقتصادية في قلب هذه المبادرات لا يمكن أن تنجح من دون العمليات السياسية “لدعمها وتشجيعها وإضفاء الشرعية عليها”. وثانيًا، مشيرًا بشكل خاص إلى الأوضاع “الهشة والمتقلبة” في مصر وتونس وليبيا، أصر يوسف على أن “الفشل في الجانب الاقتصادي… يصعِّب التحولات السياسية”. وذكر أنه لا يتم القيام بما يكفي في الوقت الراهن من قبل الغرب لدعم التحولات الاقتصادية، مشددًا على أن مثل هذا الدعم سيكون حاسمًا في التوصل إلى الاستقرار السياسي الذي من خلاله يمكن لبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط
في حديثه عن الدور الحالي لدول الخليج، قال عبد العزيز الصقر إن مجلس التعاون الخليجي لم يعد قوة “معتادة وتقليدية”، وأوضح أنه قادر على تأدية دور استباقي، لاسيما في ليبيا واليمن. وحول طبيعة النظم السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي نفسه، ادعى الصقر أن الملوك أصحاب السلطة المطلقة في الخليج كانوا في الواقع في وضع متميز، من حيث قدرتهم على تحقيق إصلاحات. ومشيرًا إلى ما اعتبره “شراكة كبيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي”، قال الصقر أن المنظمتين يجب أن تتعاونا في تقديم الدعم المالي للبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، وشدد على أنه في “نهج الأمن الناعم” كان الاتحاد الأوروبي شريكًا مهمًا – مشيرًا بوجه خاص إلى ما وصفه بأنه تهديد لـ “إيران المتدخلة في شؤون الدول الأخرى”.
بعد العروض التقديمية من جميع المتحدثين، فُتح الباب للأسئلة. سأل المشرف، سلمان شيخ، عن الصراع بين القيم والمصالح، في إشارة إلى الانتقادات التي وُجهت إلى الاتحاد الأوروبي والقوى الغربية الأخرى بأنها انتقائية في دعمها للانتقال الديمقراطي في المنطقة. ردت البارونة أشتون بالقول إن التعامل مع مختلف البلدان يتطلب اللجوء إلى مجموعة كاملة من التكتيكات، ولكن هذا الارتباط، دون فك الارتباط، غالبًا ما يكون الطريقة الأكثر فعالية لخلق “الفرص من أجل القدرة على تشجيع ودعم وتطوير الأفكار في جميع أنحاء العالم”.
قال يوسف – ردًا على سؤال حول الوضع في ليبيا، وعما إذا كان هناك أكثر مما يمكن للاتحاد الأوروبي فعله – إن قوى التحالف الرائدة لم تدرس كيفية معالجة الفجوة بين الطموحات السياسية – وتغيير الأنظمة – والأهداف العسكرية – وحماية المدنيين – الخاصة بالحملة. كما وجه مزيدًا من الانتقاد إلى الاتجاه الذي رآه مترسخًا في واشنطن التي تنظر لمستقبل ليبيا باعتباره مشكلة لأوروبا، والذي يجب على أوروبا التعامل معه (سياسيًا وماليا). قال يوسف أنه على الرغم من أن التلاحم التاريخي والجغرافي لأوروبا قد أناط بها دورًا حاسمًا، فإنها لا يمكن أن تعمل وحدها نظرًا لقيود الميزانية والقيود العسكرية التي تخضع لها أوروبا.
أضافت أشتون إلى قوله من خلال التأكيد على أهمية “الشراكة والتعاون” مع الدول والمنظمات الأخرى – كالاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي – والتي يمثل لها الوضع في ليبيا من “أهمية هائلة”. وفيما يتعلق بدور الاتحاد الأوروبي ذاته، شددت على أنه مسألة إنسانية في المقام الأول، مضيفة أن الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم الأمم المتحدة عسكريًا بإنشاء ممرات إنسانية، إذا طُلب منها القيام بذلك.
وفي شأن مسألة دور أوروبا في عملية السلام في الشرق الأوسط، ذكرت أشتون أنه فضلاً عن الدعم الاقتصادي الواسع النطاق الذي يُقدم للسلطة الفلسطينية، فإن الاتحاد الأوروبي يطالب حاليًا بما يُسمى “بيان قوي” من اللجنة الرباعية والذي من شأنه “دعم وتمكين الرئيس عباس من العودة إلى المحادثات مع مجموعة واضحة من المعلمات”. وشددت على أهمية التحرك بشكل عاجل، قائلةً إن السلطة الفلسطينية كانت في الواقع “ترسم خطًا في الرمال” بخططها للذهاب إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر.
قرأ النص » PDF, بالإنجليزية