في 28 نوفمبر عام 2012، عقد مركز بروكنجز الدوحة (BDC)
مناقشة سياسة لتقييم الوضع السياسي في البحرين بعد مرور عام على صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق(BICI). ناقش المتحدثون تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ومعالجة التحديات في التغلب على المأزق السياسي الحالي. تطرق الحدث أيضاً إلى آفاق حوار حقيقي بين الحكومة والمعارضة لمعرفة الآثار المترتبة على الجمود السياسي المستمر. كان المتحدثون ستيفن مكينيرني، المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) متحدثاً من واشنطن العاصمة، وجاستن غينغلر، الباحث المشارك في معهد البحوث المسحية الاجتماعية والاقتصادية في جامعة قطر، وجمال خاشقجي، مدير عام ورئيس تحرير قناة أخبار العرب. أدار المناقشة سلمان شيخ مدير مركز بروكنجز الدوحة، وقد حضره أعضاء من الأوساط الدبلوماسية، والأكاديمية، والتجارية، والإعلامية في قطر.
افتتح ستيفن مكينيرني المناقشة بالثناء على تعهدات الحكومة المبدئية لتنفيذ مقترحات الإصلاح التي حددها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. ومع ذلك، أشار إلى أن الوضع السياسي العام في البحرين، بعد عام واحد، مُحبِط للغاية ومخيب للآمال، مؤكداً على أن جهود الإصلاح التي تبذلها الحكومة كانت صورية وفشلت في الامتثال لروح التوصيات التي وضعتها اللجنة.
لخص مكينيرني النتائج التي توصل إليها التقرير الصادر مؤخراً عن مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط بعنوان “بعد عام واحد: تقييم تنفيذ البحرين لتقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق”. وفقاً للتقييم، تم التنفيذ الكلي لثلاث توصيات فقط من بين 26 توصية قدمتها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، ولم يتم تنفيذ ست توصيات بأي درجة جديرة بالاعتبار، وكان من المستحيل تقييم توصيتين بسبب نقص المعلومات، وتم التنفيذ الجزئي فقط للخمس عشرة توصية المتبقية.
قال مكينيرني إن الحكومة البحرينية نجحت في تنفيذ التوصيات الثلاث التالية: 1) منع وكالة الأمن القومي من تطبيق القانون وتنفيذ سلطات الاعتقال، وذلك بعد دورها الحاسم في حملة عام 2011، 2) ضمان تقديم تدريب على النظام العام لأفراد قوات الأمن العام، ووكالة الأمن القومي وقوة دفاع البحرين حسب المعايير الدولية، 3) تدريب الجهاز القضائي وأعضاء النيابة العامة على القضاء على التعذيب وسوء المعاملة. ورغم هذه البرامج التدريبية، أكد مكينيرني على أنه لم يكن هناك تحسن كبير في سلوك الشرطة أو نقص في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة.
بعد ذلك سلط مكينيرني الضوء على مجالات الاهتمام الرئيسية بخصوص برنامج البحرين للإصلاح. وفقاً لتقرير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فشلت الحكومة في محاسبة المسؤولين عن أعمال التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين والمتظاهرين خلال انتفاضة فبراير 2011. كما أشار إلى عدم بذل أي جهود حقيقية لإدماج الشيعة البحرينيين في قوات الشرطة التي يهيمن عليها السنة، وإلى أنه بسبب استبعادهم المتعمد لشخصيات المعارضة فإن الهيئات والآليات الحكومية حديثة الإنشاء افتقرت إلى النزاهة والاستقلال. وأخيراً، أشار مكينيرني إلى أنه لم يتحقق أي تقدم حقيقي في مجال حرية التعبير والتجمع، وذلك بعد أن حظرت الحكومة الاحتجاجات واتهمت الأفراد على التعبير العلني عن آرائهم عبر الإنترنت أو في الأماكن العامة.
اختتم مكينيرني حديثه بانتقاد الحكومة البحرينية بسبب “عدم الإخلاص وعدم التقييم الذاتي” عندما ادّعت التنفيذ الكامل لعدد 18 توصية من بين 26 توصية واردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. كما أشار مكينيرني إلى فشل المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، في إلزام الحكومة البحرينية بالتزاماتها للإصلاح. وأعرب عن أمله في أن تنتقل واشنطن نحو سياسة المشاركة والوساطة من أجل تحقيق تقدم ملموس في البحرين.
انتقل جاستن غينغلر بالمناقشة إلى الديناميات الاجتماعية والسياسية الأساسية في البحرين، وذلك باعتبارها وسيلة لفهم الصراع الحالي وإخفاق الحكومة في القيام بالإصلاح السياسي. وبدلاً من معاملة الحكومة والمعارضة كمجموعتين متجانستين تقاتلان بعضهما البعض، أوضح غينغلر ثلاثة صراعات سياسية “أخرى” معززة بصفة متبادلة في البحرين، والتي أكد على أنها تعرقل حل الأزمة السياسية في البحرين.
يعتبر غينغلر أن الصراع الأول والأهم يكمن بين أصحاب الاتجاه الإصلاحي وأصحاب الاتجاه الأمني من العائلة المالكة في البحرين. وقد أكد غينغلر على أن انتفاضة فبراير 2011 وجهت ضربةً أساسيةً لأجندة إصلاح ما بعد 1999، التي أقرّها الملك حمد وولي العهد الأمير سلمان. ولم يبرئ هذا الفشل أعضاء العائلة المالكة المعارضين لبرنامج الإصلاح فحسب، مثل رئيس الوزراء، ووزير الديوان الملكي، ووزير الدفاع، لكنه عزز أيضاً اعتقادهم بأن الحل الأمني ألاستباقي، وتحريض المواطنين العاديين ضد المعارضة الشيعية، هو السبيل الوحيد نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. وهذا بدوره ضغط على الملك وولي العهد للتخلي عن جهود الإصلاح. ونتيجةً لذلك، أوضح غينغلر أن البحرين الآن تحل “المشكلة الشيعية” من خلال نهج الأمن، بدلاً من إطار العمل السياسي.
يكمن الصراع الثاني في المعارضة السياسية الممزقة بين أعضاء المعارضة المعتدلين- المؤيدين للتوصل إلى تسوية سياسية مع الحكومة- مثل حزب الوفاق، وهؤلاء الذين يرفضون التسوية السياسية مقابل وسائل جذرية وعنيفة من الاحتجاج. وقد أوضح غينغلر أن تصاعد العنف في البحرين مؤشر لحركة احتجاج “خارجة عن سيطرة” المعارضة المعتدلة، مما يقوض مصداقيتها كشريك موثوق للحوار السياسي في نظر الحكومة. وقد أكد قائلاً إن هذا يدعم أفراد العائلة المالكة والمواطنين أصحاب الاتجاه الأمني الذين ينادون باتخاذ تدابير أمنية أكثر صرامة لقمع الانتفاضة.
يكمن الصراع الثالث الذي حلله غينغلر في “المعارضة المضادة” السُنية. في أعقاب الانتفاضة، اضطرت الحكومة للتعامل مع مجموعتين منفصلتين من السنيين الساخطين وهم: أولئك الذين اختلفوا مع ما كان ينظر إليه على أنه استجابة أمنية متراخية للانتفاضة، وأولئك الذين اعتنقوا ظنوناً سياسية جوهرية، وذلك تماشياً مع بقية المعارضة. وفيما وجدت الحكومة نفسها غير قادرة على استرضاء كل من الجماعتين السُنيتين على حدٍ سواء في وقت واحد، فإنها فضلت فصيل الاتجاه الآمن على حساب الفصيل الآخر. قال غينغلر إن هذا يُفسر الاعتقالات المؤخرة المعروفة والحملة الأمنية ضد حزب الوفاق، الأمر الذي أدى إلى المزيد من “التطرف واليأس والعنف من جانب معارضة ترى بصيصاً من الأمل لمستقبل واعد في البحرين”. اختتم غينغلر حديثه مُحذراً من أن البحرين تتجه نحو مزيد من الاستقطاب السياسي والاجتماعي.
ركَّز جمال خاشقجي مناقشته على الديناميات الإقليمية والجيوسياسية الدافعة للوضع السياسي في البحرين. وقال إن عدم وجود التدخل الخارجي والوساطة من الأسباب الرئيسية لعدم قدرة الحكومة البحرينية على التوصل إلى تفاهم مع المعارضة. وخصَّ الدور المهم للمملكة العربية السعودية كوسيط محتمل، نظراً لمكانتها الإقليمية وعلاقاتها التاريخية مع المجتمعات السُنية والشيعية في البحرين.
دعا خاشقجي المعارضة البحرينية لخفض توقعاتها ولإدراك أن البحرين “لن تكون جزءاً من الربيع العربي”، لافتاً الانتباه إلى الاختلافات الجوهرية بين البحرين والدول العربية الأخرى التي تمر بتحولات ديمقراطية. وأوضح مدى عزيمة الدول المجاورة القوية مثل السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة على الحفاظ على الوضع الراهن والحيلولة دون أن تصبح البحرين ملكيةً دستوريةً. ووصف دول مجلس التعاون الخليجي بأنها “أسرة واحدة كبيرة” تدعم بعضها البعض، مؤكداً على أن فكرة الاتحاد الخليجي مشروع حقيقي إلى حد كبير.
توقَّع خاشقجي أن عام 2013 سيكون عاماً حاسماً بالنسبة للبحرين. وسوف تكون المملكة العربية السعودية في وضع أفضل بخصوص التعامل مع حكومة البحرين، وذلك بفضل الهزيمة المحتملة لإيران في سوريا. إذا خسرت إيران قبضتها على سوريا، فإن ميزان القوى الإقليمي سيتغير لصالح المملكة العربية السعودية والخليج، وهذا- كما أكد خاشقجي- سيمنح الحكومة البحرينية مساحة أكبر من الحرية للتفاوض مع المعارضة الشيعية.
اختتم خاشقجي مناقشته عن طريق تقديم المشورة لحل الأزمة البحرينية داخلياً وبطريقة مثالية بين الشعب البحريني ذاته أو بمساعدة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى إمكانية التدخل الأمريكي ولكنه “ليس الحل المفضل”.
بعد العروض التقديمية من كلٍ من المتحدثين، تم فتح باب الأسئلة. وحين سُئل غينغلر عن ماهية الحل السياسي في البحرين، نفى احتمالية الوساطة الخارجية، وخاصة من الولايات المتحدة. وقال إن الحل سيتطلب تنفيذ اتفاقية بين المعارضة المعتدلة، حزب الوفاق، والمعتدلين داخل الحكومة. وأضاف أن ظهور نمط أكبر من السخط السياسي- على سبيل المثال في الكويت- يمكن أن يغير طريقة تشكيل الوضع في البحرين على المستوى الإقليمي.
شكّك عضو من الجمهور في ملائمة المملكة العربية السعودية كوسيط، وخاصة من منظور المعارضة الشيعية في البحرين، متسائلاً ما إذا كانت لجنة الجامعة العربية ستقدم بديلاً أفضل. ومع استبعاد احتمال وجود دور للجامعة العربية، أصرَّ خاشقجي على حلّ الأزمة السياسية في البحرين بصفتها “مسألة داخلية في سياق دول مجلس التعاون الخليجي”، أي بتعبير دقيق “خلف الأبواب المغلقة”.