استضاف مركز بروكنجز الدوحة في 20 أكتوبر 2015 ندوة حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السنة الأخيرة لإدارة الرئيس باراك أوباما. وشارك في هذه الندوة غريغوري غوس، زميل أول غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة ورئيس قسم الشؤون الدولية في جامعة تكساس آي أند أم؛ وشفيق الغبرا، بروفيسور في العلوم السياسية في جامعة الكويت. أدار هذه الندوة سلطان بركات، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، وحضرها لفيف من الشخصيات الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية في قطر.
افتتح بركات الجلسة بالإشارة إلى أنّ شعوراً من التفاؤل قد عمّ جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط في بداية ولاية الرئيس أوباما، أما الآن، فهناك خيبة أمل إزاء سياسته الخارجية خلال السنة الأخيرة من ولايته. ثم سأل المتحدّثين عن أكبر إنجاز لأوباما في الشرق الأوسط، وإذا كانوا يعتقدون أن سياسته الخارجية هي فعلاً مخيّبة للأمل.
استهلّ غوس كلامه بالإشارة إلى أنّ إدارة أوباما قائمة على مبادئ متناقضة. ففي بداية ولاية الرئيس أوباما، كان الهدف تحويل تركيز السياسة الخارجية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى آسيا. ولكن عندما بدأ الربيع العربي، وقعت الإدارة الأمريكية فريسةً لإغراء محاولة قولبة الأحداث من أجل تحقيق المزيد من المصالح الأمريكية. بيد أنّ تدخّل الإدارة في ليبيا أحدثت نتائج عكسية على المدى الطويل، الأمر الذي جعل أوباما متردداً إزاء التدخل العسكري المباشر في سوريا. وجد أوباما نفسه مرة أخرى أما م أهداف متناقضة؛ فهو يريد إزالة الرئيس بشار الأسد من السلطة، ولكن ليس على حساب السماح للمتطرفين بملء الفراغ الرئاسي جراء إزالته.
وأوضح غوس أن إدارة أوباما قد اختارت الآن بكل وضوح أن تضع مكافحة الحركات الجهادية السلفية على رأس أولوياتها. لقد منع الضغط السياسي الداخلي الإدارة عن إقحام نفسها مرة أخرى في قضايا أخرى، وذلك في الأساس بسبب نقص الموارد. ثمّ خلص غوس إلى أن أعظم إنجاز حققتها سياسة أوباما الخارجية كان الاتفاق النووي الإيراني.
وافق الغبرا غوس الرأي بأن الاتفاق النووي الإيراني هو الإنجاز الأكبر لإدارة أوباما، إلا أنه حذّر من إساءة تفسير هذا الاتفاق كدليل على القوة الإيرانية أو كدليل على تغيير في سياستها الخارجية في المنطقة. وقال إن إيران سعت لتأمين الاتفاق بسبب حالة اقتصادها المزرية ليس إلا، وإنها قد تصاب بخيبة أمل عندما ترى أنّ الاستثمار الأجنبي لن يتدفق فوراً إلى البلاد ويحسن الوضع. هذا وبالإضافة إلى المزيد من التحسينات التي لا بد من إجرائها على بنيتها التحتية. كذلك، قال الغبرا إنّ الشعب الإيراني هو علماني نسبياً ومتحضّر، علماً بأنّ 60 بالمئة من السكان هم ما دون الـ 35 ويقيمون في المدن الإيرانية الكبرى. وأضاف أنّ هذه الشريحة من المجتمع ترغب في اقتصادٍ أكثر ازدهاراً، هذا الاقتصاد الذي يمكن أن يتحقق ببطء بعد أن يتم رفع العقوبات. على المدى البعيد، قال الغبرا إنّ الشباب الإيراني الذين يحرّكهم الإصلاح من شأنهم أن يعززوا الحالة الاقتصادية أو حتى إحداث تغييرٍ في سياسة إيران الخارجية، ولكن لا يمكن توقّع الكثير في المدى القصير.
وأشار بركات إلى أنه من المفاجئ أن يكون الاتفاق الإيراني الإنجاز الأكبر الذي حققه أوباما، إذ لم يكن مسالة أساسية في سياسته الخارجية في بداية ولايته. وافق غوس على رأي بركات وأضاف أن الاتفاق الإيراني أُسيء فهمه في الولايات المتحدة حيث تحوّل إلى مسألةٍ سياسية محلية مهمة في الولايات المتحدة. يقول غوس إن ثمة ادعاءات خاطئة تؤكد أن اهتمام الولايات المتحدة قد تحول إلى إيران وبالتالي، قد أهمل أوباما التحالفات التقليدية في المنطقة؛ كدول الخليج وإسرائيل. يؤكد غوس أن إدارة أوباما تراهن أن إيران ستتصرف كدولة أكثر اعتدالاً نتيجة هذا الاتفاق، إلا أن النتائج الفعلية لن تظهر جليةً قبل مرور سنوات عديدة.
استمر النقاش في ما يتعلق بانعدام ثقة العالم العربي بالتحركات الإيرانية. قال الغبرا إن دول الخليج تميل إلى التعميم عند تقييم إيران ودورها في المنطقة. يعتقد غبرة أن هذه الدول تتمسك بشدة بعقلية قديمة الطراز تقيّم المسائل الإقليمية ضمن إطار مبسّط يضع السنة ضد الشيعة. على سبيل المثال، في الوقت الذي كان فيه دور إيران صغيراً في البحرين، تصرّ دول الخليج على أن إيران هي القوة الأساسية وراء الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين في العام 2011 لمجرد أن الشيعة يشكلون أغلبية المعارضة البحرينية. لا تثق دول الخليج اليوم إطلاقاً بالاتفاق الإيراني لأنه أُبرِم من دون مساهمتها.
وبعدها، سأل بركات لماذا لم يتمكن أوباما من إحراز أي تقدم في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وعدد غوس مجموعةً من العوائق، بما في ذلك عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية بالتنازل عن أراضٍ وفقاً لما تقتضيه الحاجة بسبب تحوّل السياسة الإسرائيلية إلى اليمين المتشدد، وانقسام المجتمع الفلسطيني بين فتح وحماس، وتراجع أهمية الصراع بحدّ ذاته بالنسبة لصناع السياسة الأمريكيين. بينما احتل الصراع العربي الإسرائيلي مركز الصدارة على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية بفعل حظر النفط في خلال السبعينيات من القرن الماضي، بات اليوم واضحاً أن أسعار النفط لم تتأثر بتزعزع الاستقرار في المنطقة. وبالتالي، ضاع الحسّ بأهمية المسألة شيئاً فشيئاً. أضاف الغبرا أن القضية الفلسطينية قد عادت إلى قاسمها الأساسي – الصراع من أجل العدالة، الأخلاق والكرامة الإنسانية. وأشار إلى أنّ الحركات الشعبية في المنطقة قد وجدت الإلهام والتوجيه في الصراع الفلسطيني، وأن معالجة القضية الفلسطينية لن تتم إلا بعد تغيير البنية السياسية في المنطقة كلها.
أما في ما يتعلق بشأن اليمني، فأشار غوس إلى أنّ السياسة الأمريكية تدار من خلال عدسة سياستها تجاه السعودية. تدعم الولايات المتحدة السياسة السعودية في اليمن لتوصل رسالة بأنها لم تتخلى عن حليفتها بعد الاتفاق الإيراني. من جهته، رأى الغبرا أنّ اليمن ضاعت عدة مرات؛ في العام 1991 حين لم تضم دول مجلس التعاون الخليجي اليمن إليها؛ وفي العام 2011 حين فشلت في تقديم الدعم الفعلي للثوار الشباب وتمويلهم. يجد الغبرا أنه لا بد من إشراك جميع الأطراف في أي تسوية تؤدي إليها المفاوضات في ما يتعلق بالصراع في اليمن. من منطلق عملي، لا بدّ أن تشارك إيران مباشرة أو غير مباشرة. وختم الغبرا قائلاً إنه لا بدّ أن يُطبق النموذج الشامل في اليمن ذاته في سوريا في نهاية المطاف.
اختُتِمت الجلسة بتقديم بعض التوقعات الجريئة. قال الغبرا إن فكرة وجود دولة مركزية قوية هي قيد البحث، مشيراً إلى أن السلطة بدأت تفقد مركزيتها شيئاً فشيئاً، الأمر الذي يفسر صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية. أخيراً، خالف غوس رأي الغبرا قائلاً إن هذه الجهات لم تبرز إلا نتيجةً لتراجع الدول الذي أدى إلى حالات فراغ ساهمت في ازدهارها. وختم كلامه قائلاً إنه من أجل إرساء مجتمع أكثر تعددية وأقل مركزية في الشرق الأوسط، يجب على الدول نفسها أن تصبح أقوى كخطوة أولى.