نظّم مركز بروكنجز الدوحة وصندوق النقد الدولي في 5 مايو 2020 حواراً عبر الإنترنت بين جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وطارق يوسف، زميل أول ومدير مركز بروكنجز الدوحة، لمناقشة أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي لآفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط. وتطرّق النقاش إلى إمكانات ما بعد الجائحة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخطوات اللازمة لتطبيق السياسات بفعالية لحماية التحوّلات والإصلاحات وعمليات التعافي الاقتصادي الأكثر متانة.
بدأ المتحدّثان الحوار عبر الإشارة إلى أنّه في أرجاء العالم، كانت حملات التلقيح في تسارع، وأنّه على الرغم من التهديد المستمرّ بظهور تحوّرات جديدة من فيروس كورونا المستجدّ أو احتمال تفشّي موجات جديدة سترغم على فرض الإغلاق، برز إحساس ملموس بأنّ هذه السنة هي بداية فترة تعافٍ وتكيّف طال انتظارها. وينطبق المشهد ذاته على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بيد أنّ المسارات نحو التعافي في أرجاء المنطقة ستختلف على الأرجح لأنّ الدول الأغنى التي تعتمد أطر عمل أفضل للتخطيط للسياسات وتطبيقها ومراقبتها كانت قادرة على الاستجابة بشكل أسرع وأشمل مقارنة بالدول الأفقر المجاورة لها. ولكي تخرج المنطقة ككلّ من الجائحة، من الضروري أن تؤمّن الدول كافة كمّيات كافية من اللقاح وأن تحرص على توزيعها بشكل عادل، بالتماشي مع دعم حاسم للرعاية الصحّية العامة.
وتبعاً لصندوق النقد الدولي، من شأن تسريع عمليات التلقيح والقيام بالتعديلات اللازمة، نظراً إلى تزايد الدين العام والضغط المالي، أن يساهما بنسبة تصل إلى 1 في المئة في الناتج المحلّي الإجمالي الإقليمي بحلول العام 2022. لذا من الضروري ألّا تتعامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع تسريع عملية التلقيح واعتماد تعديلات مهمّة في السياسات فحسب، بل أن تقوم بذلك بطريقة شاملة ومستدامة أيضاً، مع الاستفادة من الفرص الجديدة للتعاون الإقليمي والدولي الأوسع.
وأشار طارق يوسف أنّه على المستوى الإقليمي، بدأ المسار للخروج من الأزمة باتّجاه التعافي يصبح أوضح. فمن المتوقّع أن يتخطّى النموّ الاقتصادي التوقّعات السابقة حتّى لو أخذ التعافي فترة أطول. ويعتقد صندوق النقد الدولي أنّ عام 2021 هو عام التحوّلات، فقد منح الركود في النشاط الاقتصادي صورة أكثر دقّة عن نقاط الضعف الاقتصادية القائمة، ممّا يبرّر التحوّلات الإقليمية نحو نماذج اقتصادية أجدد وأكثر مرونة واستدامة.
وأضاف جهاد أزعور أنّ الدول الفردية في المقابل قد تستمرّ بمعاناة توزيعٍ غير عادلٍ للقاح وشبكات أمان اجتماعي عاجزة. نتيجة لذلك، قد لا تشهد بعض الدول تغيّرات إيجابية قبل العام 2023، فيما ستشهد الدول الأغنى والأكثر استجابة تعافٍ أسرع، باستثناء القطاعات التي فيها احتكاك كبير على غرار السياحة. بغضّ النظر عن ذلك، ينبغي على الدول اعتماد سياسات وبرامج شاملة ومنسَّقة جيّداً، مع قدرة وصول عادلة إلى اللقاح في جوهرها، من أجل تفادي الفجوات الخطيرة التي تبرز بين فئات السكّان والتي ستمدّد جهود التعافي من الجائحة وتعقّدها.
وفسّر أزعور أنّ السياسة العامة أدّت دوراً مهماً في توجيه السكّان في خضمّ أزمة فيروس كورونا المستجدّ وفي وضع الخطط للتعافي. والملفت أنّ بعض الدول التي تعاني عدم استقرار و/أو انعدام أمن كان وضعها أفضل من دول ديمقراطية أكثر تقدّماً من خلال مزيج من السياسات والخطوات المصمّمة من أجل “حماية” السكّان واحتواء الجائحة. وركّزت دول أخرى على تأمين قدرة الوصول إلى شبكات أمان جيّدة للمهمّشين، وقد تبيّن أنّ هذا أمرٌ ضروري للوصول إلى تعافٍ أسرع، ولا سيّما عند إرفاقها بتوزيع سريع للقاح وتدخّلات أخرى تطال المجتمع بأسره.
وناقش المتحدّثان بعد ذلك الطريق الضبابية للمنطقة في المستقبل. فمع ارتفاع الدين العام، وفيما يؤثّر النشاط الاقتصادي المنخفض في العائدات المالية بشكل سلبي، ستواجه الدول الفقيرة صعوبة أكبر للعثور على التوقيت الصحيح أو مجال السياسات المناسب في ما يتعلّق بسحب الدعم الضروري للاقتصاد والرعاية الصحّية العامة والاستجابات المستهدِفة للجائحة والإعانات للمهمّشين. وينبغي على الدول أن تتحلّى بالصبر وأن تتابع باستيعاب الأزمة وأن تتكيّف مع التحديات الجديدة وأن تُبقي نصب أعينها أهمّية حملات التلقيح المسرَّعة. وعلى الرغم من الأزمات، ما زالت الفرص لإنشاء القيمة التي لا تعتمد على الإنفاق العام سانحة، على غرار إعادة النظر في الأولويات والحدّ من الإنفاق الهادر واستهداف القطاعات المهمة بشكل أفضل لحماية التعافي.
وختم أزعور بشرح دور صندوق النقد الدولي في المنطقة في ما يخصّ معالجة التداعيات الاقتصادية للجائحة. فقد أتاح الصندوق للمنطقة نحو 17 مليار دولار. ونشّط أيضاً أطر عمل للتعاون بشأن السياسات عبر الربط بين الدول التي لا تحتاج إلى تمويل أو مساعدات وتلك التي تحتاج إليها. ومن شأن وضع سياسات جديدة لحقوق السحب الخاصة أن تساهم كثيراً في معالجة حاجات الدول التي رزحت تحت وطأة فيروس كورونا المستجدّ فيما كانت في خضمّ تطبيق إصلاحات اقتصادية. ويعمل الصندوق بشكل وثيق مع منظّمات المجتمع المدني ومراكز البحوث وغيرها من المؤسّسات لتعالج بشكل أفضل حاجات السكّان الأكثر تهميشاً في المنطقة. علاوة على ذلك، يعمل صندوق النقد الدولي على معالجة المخاوف بشأن الدين العام المتزايد، مع التخفيف من الصعوبات في تطبيق سياسات نقدية ومالية فعّالة وتوسّعية نظراً للقيود التي سبّبتها الجائحة.