نظّم مركز بروكنجز الدوحة، بالاشتراك مع مركز الشرق الأوسط التابع لكلّية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ورشة عمل لاستكشاف طرق جديدة للسير قدماً للمشروع الوطني الفلسطيني، وذلك في 18 و19 يوليو في 2019 في حرم الكلّية. وقد ضمّت الفعالية خبراء فلسطينيين رائدين مقيمين في فلسطين وإسرائيل ومناطق الشتات، بالإضافة إلى مشاركين بارزين آخرين. وهدفت ورشة العمل إلى التفكير بشكل ناقد وتصوّري في البدائل عن اتفاقيات أوسلو الفاشلة والخطوات المطلوبة لتنفيذها.
ركّزت الجلسة الأولى على تشخيص المشاكل الحالية التي تعانيها السياسة الداخلية الفلسطينية. ووافق المشاركون على أهمية حلّ المسائل الداخلية أولاً، وهي تتضمن أزمة القيادة ومشاكل التمثيل والضعف المؤسساتي والارتباك إزاء الأهداف الوطنية. ولحلّ هذه التحديات، أيّد بعض المشاركين إجراء انتخابات على كافة المستويات، حتى ضمن الفصائل السياسية. أمّا بعضهم الآخر فاعتبر أنّ ترتيبات تشاطر السلطات القائمة حالياً في منظمة التحرير الفلسطينية كافية لحركة تحرير وطنية، شرط أن تتوفر آلية لتداول القيادة.
وتمحور معظم النقاش حول الحاجة إلى إعادة تقييم الأهداف الوطنية وإنشاء منتدى لدمج المجتمعات الفلسطينية المختلفة بشكل أفضل. واختلفت الآراء حول فائدة التركيز على حلّ الدولة الواحدة أو حلّ الدولتين. وشدّد بعض المشاركين على ضرورة الوصول إلى جواب لهذا السؤال منذ البداية، فيما طالب آخرون بالتركيز على مسائل أكثر إلحاحاً، مثل إنهاء الاحتلال والتصدّي للسياسات الإسرائيلية المتمثلة بمصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وفرض الحصار على غزّة. مع ذلك، نادى آخرون بأنّه ينبغي على الفلسطينيين تحديد بوضوح ما يريدون من حقوق ومبادئ وقيَم. وتمّ تسليط الضوء أيضاً على ضرورة إجراء إصلاحات في صفوف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمصالحة بين الفصائل السياسية الفلسطينية.
أما الجلسة الثانية، فركّزت على التحديات الخارجية، مثل الديناميات المتغيّرة في العالم العربي والولايات المتحدة والساحة العالمية بشكل عام. وبرز إجماع على أنّ الولايات المتحدة تبقى لاعباً خارجياً مهماً وأنّ الاتحاد الأوروبي عاجز عن مواجهة السياسة الأمريكية إزاء إسرائيل وفلسطين وأيضاً أنّه ينبغي زيادة التركيز الدبلوماسي العام على العالم العربي. وجرى أيضاً نقاش ملفت حول العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل وأثر هذه العلاقات في الفلسطينيين. وبرزت مخاوف من أنّ بعض الدول العربية المهتمّة بتوطيد الروابط مع إسرائيل تنظّم حملة للتقليل من أهمّية المسألة الفلسطينية.
لقد شكّلت الأولويات المتغيّرة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية بشأن السياسات الإيرانية في المنطقة وسياسات توازن القوى تحدياً خارجياً بارزاً. نتيجة لذلك وللسياق الأوسع الذي يشكّله انعدام الاستقرار الإقليمي، غابت المسألة الفلسطينية عن الساحة. وأشار بعض المشاركين إلى أنّ بيئة ما بعد 11 سبتمبر وتأجُّج المشاعر المعادية للمهاجرين ومشاعر كراهية الإسلام وتزايُد شعبية الحركات السياسية اليمينية المتطرّفة تؤثر سلباً في القضية الفلسطينية. بالفعل، من الممكن أيضاً أن يؤدّي البروز العالمي للحركات الشعبوية المتوافقة مع التصوّرات الإثنية للقومية إلى تقويض الدعم لحقوق الفلسطينيين، نظراً إلى أنّ للكثير من هذه الحركات علاقة وثيقة باليمين الإسرائيلي ومن المستبعد أن تحمّل إسرائيل مسؤولية انتهاكات القواعد والقوانين الدولية.
علاوة على ذلك، أدّى الانشقاق في السياسات الفلسطينية إلى تحوّل الدعم الدولي للفلسطينيين إلى دعم دولي إما لحركة فتح أم لحركة حماس. ويفضي ذلك إلى انقسام الكيان السياسي الفلسطيني وإبعاد الحلفاء الإقليميين والدوليين. بالتالي، بهدف التعامل بشكل أفضل مع التحديات الخارجية، وافق الكثيرون على ضرورة معالجة القيود الداخلية. ويمكن القيام بذلك من خلال رأب الصدع بين الضفّة الغربية وغزّة وتعزيز الإصلاحات الديمقراطية للحرص على نيل الدعم من البلدان الديمقراطية والتركيز على المسؤولية المالية والتنمية المستدامة على المستوى المحلي للحرص على قيام علاقات جيدة مع الجهات المانحة الخارجية.
وقد ابتعدت الجلسة الثالثة عن التحديات المباشرة التي يواجهها الفلسطينيون لتتطرّق إلى مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. وشمل ذلك نقاشاً حول الحلول البديلة لإطار العمل الحالي لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واستند إلى النقاشات التي جرت في الجلستَين السابقتَين. وبدأ النقاش بتحليلٍ لثلاثة أطر عمل محتملة ألا وهي: حلّ الدولتين وحلّ الدولة الواحدة ونموذج الكونفدرالية.
وعموماً، لكلّ إطار من أطر العمل المقترحة مشاكل وسلبيات واضحة. وطُرحت أسئلة مهمّة حول إمكانية تنفيذ كلّ سيناريو، ولا سيّما ما إذا كان لا يزال من الممكن تطبيق خيار الدولتين نظراً إلى توسّع المستوطنات السريع في الضفّة الغربية وإلى التغيّرات في الديناميات السياسية الداخلية والخارجية. وبرز انتقاد بأنّ النموذج الكونفدرالي مصدر إشكالية إذ إنه يشرّع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية. غير أنّ أحد مؤيّدي النموذج الكونفدرالي زعم أنّ خيار الدولتين، كما هو مقترَح في عملية السلام، سبق أن قَبِل بالمستوطنات عبر القبول بمبدأ تبادلات الأراضي بهدف السماح لإسرائيل بالإبقاء على تجمّعات المستوطنات، وسبق أن رضي بالاستعمار الاستيطاني عبر الاعتراف بإسرائيل بذاتها. بذلك، النموذج الكونفدرالي ما هو إلا وسيلة لحلّ مسألة عسيرة، ولا يحتاج إلى قبول شرعية المستوطنات، قانوناً. وتمثّل الانتقاد الرئيسي لحلّ الدولة الواحدة في أنّ إسرائيل لن توافق عليه أبداً. وتابع النقاش للتطرّق إلى بعض المعايير لاستخدام إطار عمل محدد، مثل تقييم إلى أيّ حدّ يمنح كلّ نموذج حق تقرير المصير وحق التعبير عن الرأي لكلّ من الإسرائيليين والفلسطينيين، بالإضافة إلى أيّ حدّ يُعتبر كلّ نموذج واقعياً ومستداماً.
وطُرح الكثير من الأسئلة المهمة: كيف يجدر بالفلسطينيين أن يتعاملوا مع الصهيونية كمفهوم سياسي؟ وهل من الممكن أن يتعايش المشروع الوطني الفلسطيني مع بعضٍ من أشكال الصهيونية؟ وهل باستطاعة المجتَمعَين أن يعيشا معاً في دولة واحدة أو كونفدرالية؟ علاوة على ذلك، أي إطار عمل يخفّف من التفاوت الهائل في القوى بين الجهتَين؟ فبحث المشاركون في كلّ شاردة وواردة مرتبطة بهذه المسائل، مقدّمين حججاً وانتقادات ملفتة لأطر العمل الثلاثة.
وتناولت الجلسة الأخيرة من ورشة العمل الإمكانات لحشد المجتمع الدولي من أجل دعم الأهداف السياسية الفلسطينية. ووافق المشاركون على أنّ مصادر السلطة والقوّة الفلسطينية متأصّلة في آليات القوة الناعمة مثل حركات التضامن الدولية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى القانون الدولي. ويعني ذلك أنّه فيما تستمرّ إسرائيل بانتهاك حقوق الفلسطينيين، لا تزال تنتهك النظام الدولي القائم على قواعد، وأنّ الفلسطينيين بإمكانهم أن يستفيدوا من وضعهم المُحسّن في المؤسّسات الدولية للتشديد على مطالبهم. بالتالي، فقد اعتبر المشاركون القانون الدولي إحدى الأدوات المحتملة للفلسطينيين.
وتكمن مشكلة آلية القانون الدولي في مسألة تنفيذها واختلاف وجهات النظر حول شرعيتها وفعاليتها. وينعكس ذلك في الأفكار المتباينة التي يعتنقها الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية الحالية. وتوقفت الجلسة أيضاً عند مسألة نقاط القوة والضعف التي تتحلّى بها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. فتعتمد هذه الحركة مجموعة من المبادئ الجوهرية التي تنادي بحقوق الفلسطينيين وحرّية تقرير مصيرهم، غير أنّها معروفة أكثر للترويج لأدوات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على أنّها آليات لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي. غير أنّ حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات لا تستطيع أن تعمل وحدها، بل تبرز الحاجة إلى استراتيجية سياسية مستدامة من القيادة الفلسطينية لتحسين فعالية الأدوات مثل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وأجمع المشاركون أيضاً على أنّه ينبغي القيام بالمزيد لدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بما في ذلك تشكيل لجنة تنسيقية فعّالة بين المجتمع المدني ومجموعات المناصرة والقيادة السياسية.
وسلّط الكثير من المشاركين الضوء على الاختلاف في المقاربات التي تعتمدها القيادة الفلسطينية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. وعموماً، تمّت مناقشة تحدّيين أساسيين في ما يتعلّق بزيادة الحشد الدولي: 1) الرسائل المتضاربة من القيادة والمجتمع المدني و2) الانقسامات الداخلية بين حركتَي فتح وحماس. وأجمع المشاركون على الحاجة إلى المزيد من الآليات التنسيقية بين مجموعات المناصرة والقيادة، بالإضافة إلى ضرورة رأب الصدع بين حركتَي وحماس. وبالإجمال، بدا من الواضح أنّ الحشد والالتزام الدولي قد أعاقهما إلى حد كبير ضعف الرؤية الموحّدة والمتناسقة.