في 20 فبراير 2013، استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة عن مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. وقد أجرى المتحدثون خلال الندوة تقييمًا للجهود الوطنية الرامية إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق المصالحة السياسية بين الفرقاء الفلسطينيين. وقد تم تناول التحديات الوطنية الرئيسية على خلفية التطورات الإقليمية والدولية مثل الربيع العربي والزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل والضفة الغربية. تحدث خلال الندوة مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية وصبري صيدم نائب الأمين العام للمجلس الثوري لحركة فتح وأحمد يوسف الأمين العام لبيت الحكمة والمستشار السابق لرئيس وزراء حماس إسماعيل هنية وخالد الجندي الزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنجز. وقد أدار الندوة مدير مركز بروكنجز الدوحة سلمان الشيخ وحضرها لفيف من أعضاء الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية وقطاع الأعمال في قطر.
في بداية الندوة، ناقش المتحدثون الجهود الفلسطينية المبذولة في الماضي والحاضر والرامية إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. واتفق البرغوثي وصيدم على أن مفاوضات السلام قد فشلت وأن المقاومة الشعبية السلمية هي الوسيلة الناجحة لمقاومة الاحتلال ، مستشهدين باحتجاجات باب الشمس والإضرابات الأخيرة عن الطعام باعتبارها أمثلة جديرة بالثناء. وقد ذهب البرغوثي إلى الاعتقاد بأن عملية السلام قد أصبحت “بديلًا” عن السلام و”غطاءً” لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي، حسب قوله، تمهد الطريق أمام “نظام جديد للتفرقة العنصرية”. وأوضح البرغوثي أنه لإنهاء الاحتلال، سوف يكون الفلسطينيون في حاجة إلى إستراتيجية جديدة تركز على المقاومة الشعبية السلمية والوحدة الفلسطينية وحملة تضامن دولية قوية إضافة إلى سياسات اقتصادية جديدة للتعامل مع ارتفاع معدلات البطالة. من جانبه قال الجندي إن هناك إجماعًا متزايدًا بين الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية بأن “الطرق القديمة”-إما المفاوضات فحسب أو الكفاح المسلح فحسب — قد أخفقت وأن الفلسطينيين “في حاجة إلى أن يكونوا أكثر ابتكارًا وتجديدًا بكثير فيما يتعلق بخططهم التكتيكية لإنهاء الاحتلال”. وقد أوضح أن المقاومة الشعبية تنسجم مع ما يجري الآن في المنطقة. بيْد أن يوسف رأى أن الفلسطينيين لا يمكنهم التخلي عن “الخيار العسكري” بالكامل، وبالتالي سوف يحتاجون إلى الكفاح المسلح والسلمي في ذات الوقت من أجل مواجهة التعديات الإسرائيلية.
وعندما سئل المشاركون عن حل الدولتين، أبدوا الكثير من الشكوك فيما يتعلق بمستقبل هذا الحل ونجاحه. فمن جانبه أشار صيدم إلى أن إسرائيل تزيد من استحالة تحقيق هذه المعادلة “بسبب اختراق إسرائيل للجغرافيا الفلسطينية”. وقد حذر البرغوثي أنه إذا اعتزام الإسرائيليين لإعدام مشروع الدولتين، فسوف يحارب الفلسطينيون من أجل دولة ديمقراطية واحدة لما قبل اتفاقية أوسلو. وفي هذه الأثناء، عبَّر يوسف عن تفضيل شخصي لديه لدولة “ثنائية”، لكنه حمَّل “الصهاينة” في الوقت ذاته مسؤولية انهيار هذا المشروع. وعندما طُلب منه أن يسلط الضوء على موقف حماس، قال إن الحزب يعترف بالوحدة الفلسطينية وحدود ما قبل عام 1967 واعتبار القدس عاصمة لفلسطين، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وعندما اتجهت دفة النقاش إلى مشكلة المصالحة الوطنية، كان هناك إجماع عام حول الوحدة الفلسطينية باعتبارها القوة الدافعة الحيوية للأجندة الوطنية الفلسطينية. فقد قال صيدم على سبيل المثال إنه يشعر “بالفخر” للتواصل مع حماس و”رأب الصدع” في العلاقات الذي حدث خلال السنوات الست إلى السبع الماضية. وشدد صيدم على أهمية “إعادة ترتيب البيت الفلسطيني” وتحقيق المصالحة الوطنية “بالأفعال وليس بالأقوال”، مؤكدًا الحاجة إلى إحياء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية. وقد أضاف البرغوثي قائلًا إنه لكي تنجح المصالحة الفلسطينية، فإنها سوف تتطلب تأسيس حكومة وحدة وطنية يرأسها محمود عباس عقب إجراء انتخابات. وقد وافق يوسف على أن حماس والجهاد الإسلامي وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية وغيرهم ينبغي عليهم أن ينضموا إلى منظمة التحرير الفلسطينية من أجل أن تصبح المنظمة هيئة ممثلة للشعب الفلسطيني “بالداخل والخارج”. وأكد يوسف على أهمية إنهاء الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية؛ وحذر أنه إن لم يحدث ذلك، فإن “الشارع سوف يثور ضد القيادة”.
وعند الحديث عن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إسرائيل والضفة الغربية، عبر المشاركون عن التحرر من الوهم بشأن السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فقد أشار الجندي إلى أنه خلال التاريخ الحديث، سعى الأمريكيون لعدم “تسييس” السياسة الفلسطينية. وقال إن أوباما وإدارته ينبغي أن ينظرا إلى السياسة الفلسطينية باعتبارها واقعًا يجب مراعاته “على مستوى معين” بما يشمل الاعتراف بنتائج الانتخابات. لكنه أكد أن الولايات المتحدة لن “تتخلى” أبدًا عن إسرائيل وأن الفلسطينيين يجب ألا ينتظروا أي مبادرة أمريكية مؤثرة لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وقال البرغوثي إن الرئيس الأمريكي أوباما يجب أن يتوقف عن تجاهل القضية الفلسطينية في الوقت الذي تدعم فيه إسرائيل “بشكل غير مشروط”. وأكد صيدم على أن “قواعد اللعبة قد تغيرت بالفعل” وأن أمريكا لابد أن تفهم حقيقة أن حماس هي الآن “جزء لا يتجزأ من النسيج السياسي الفلسطيني”.
وعندما طُلب من البرغوثي تقييم تأثير الربيع العربي على القضية الفلسطينية، عبَر عن تفاؤله الكبير، ووصف هذا الربيع بأنه تطور إيجابي على طريق الديمقراطية وحرية التعبير اللتين تصبان في صالح القضية الفلسطينية وليس التشويش عليها. وعبَّر صيدم أيضًا عن إعجابه بالتغييرات التي تحدث في العالم العربي واصفًا إياها بأنها مصدر إلهام للشعب الفلسطيني. وأضاف قائلًا: “نريد أن نرى الديمقراطية تتحقق في الشارع العربي، لكن لا تنسونا”.
وتعليقًا على موقف حماس من الثورات العربية، قال يوسف إن الحركة تتعلم الاستفادة من الأمثلة التي ضربها الإسلاميون في أرجاء المنطقة. وقال إنه بينما تناضل الحكومات التي تشكلت مؤخرًا، تعي حماس جيدًا حقيقة أن “الخيار الوحيد للنجاح والبقاء هو تشكيل ائتلافات مع الليبراليين والعلمانيين”. وأكد على أن المشاركة في السلطة مع فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى هي الطريق الوحيد للأمام مضيفًا أن قطر وتركيا ومصر يدعمون هذا الخيار ويدفعون حماس لتبني المصالحة. وعندما سئل يوسف عن علاقة حماس بإيران، أوضح أنه بالرغم من أن الحركة تفضل أن تكون مستقلة، فإن إيران كانت الدولة الوحيدة التي أمدتهم بالدعم والأموال من أجل البقاء. وقال إن الدول العربية الأخرى عزلتهم وتخلت عنهم.
واختُتم النقاش بتسليط الضوء على الأمن الإسرائيلي في ضوء الوضع الإقليمي المتغير. وشدد الجندي على أن أمريكا وحدها هي التي تمتلك القوة لإعادة طمأنة إسرائيل، سامحة لها بتقديم النوع المطلوب من التنازلات السياسية التي تصب في صالح حل الدولتين دون الاضطرار إلى تعريض أمن إسرائيل للخطر. ورد البرغوثي قائلًا إن المخاطر التي تتهدد الأمن الإسرائيلي هي ضرب من ضروب “الخرافة”. وأوضح أن إسرائيل التي تمتلك 400 رأسًا حربية نووية والتي يصنف جيشها في المرتبة الخامسة كأكبر جيش في العالم ليست ضحية في النزاع. وأضاف قائلًا إن الانتحار وليس القتال هو السبب الأساسي للموت داخل صفوف الجيش الإسرائيلي. وقال صيدم إنه يتعين على إسرائيل أن تفهم أن “المشكلات في فنائها الخلفي هي مشكلات في عقر دارها” وأن “الأمن من دون عدالة يعتبر هراء”. وأخيرًا اختتم البرغوثي حديثه قائلًا إن “أفضل ضمان للأمن هو السلام” وأن السلام لا يمكن أن يتحقق سوى بتحرر الفلسطينيين”.
وعندما فتح باب طرح الأسئلة، أثار أحد الحضور سؤالًا حول الكيفية التي يمكن بها استثمار الدعم من الشتات الفلسطيني لحل الدولتين الذي من الواضح أنه “لا يجدي”. ووافق الجندي على الحاجة إلى استثمار جهود جديدة من أجل بناء هيئة فلسطينية تكون ممثلة للفلسطينيين؛ وقال إن هذا سوف يتضمن إعادة دمج الشتات الفلسطيني في العملية. وأشار إلى أن فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين لن يكون مثمرًا، وقال إنه “ينبغي الاستماع إلى كافة الدوائر الانتخابية الفلسطينية”.