opinion

القرصنة ، والصومال،

وما ينبغي أن يفعله العالم

أبريل 2009
اريج نور
هادي عمرو
هادي عمرو

القضايا الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه الشرق الأوسط

24 أبريل، 2009

في صباح يوم 8 نيسان 2009 اختطف قراصنة صوماليون سفينة الشحن –ميرسك ألاباما- التي تحمل العلم الأمريكي وعلى ظهرها مساعدات غذائية من الحكومة الأمريكية ، على بعد 300 ميل من الساحل الصومالي وهي في طريقها الى أفريقيا . و في النهاية تمكنت السفينة و طاقمها من الهروب الى بر السلامة بينما أخذ القراصنة القبطان ريتشارد فيليبس رهينة بعد أن هربوا في قارب أصغر. وقد تمكنت قوة بحرية امريكية معتبرة من قتل القراصنة وانقاذ القبطان.

هل انتهت الحكاية ؟ ليس كذلك، لم تنته. ولم تكن هذه أول حالة قرصنة مقابل الساحل الصومالي ، ولن تكون الأخيرة. ففي كانون الأول الماضي تم اختطاف ناقلة نفط سعودية عملاقة تحمل على متنها ماقيمته 100 مليون دولار من النفط ، وحصل القراصنة في النهاية على فدية بمبلغ 3 مليون دولار.

لقد ازدادت أعمال القرصنة في الفترة الأخيرة بدرجة كبيرة حيث تم الأخبار عن أكثر من 100 عملية مقابل الساحل
الصومالي . ويبدو ان هذه السنة ستكون أكثر خطورة حيث أورد مكتب الملاحة الدولي ذكر أكثر من 70 هجوما خلال الشهور الأولى من عام 2009. ويحتجز القراصنة الصوماليون حاليا أكثر من 200 رهينة من طواقم السفن الدولية – من الجنسيات الآسيوية والعربية وبلدان أوروبا الشرقية.

ويحاول القراصنة الصوماليون تبرير هذه الهجمات داخل مجتمعهم المحلي ،حيث يقولون بأن الأجانب يخرقون حرمة المياه الصومالية لصيد الأسماك غير المرخص كما يرمون النفايات السامة فيها، متخذين من هذه التبريرات ذريعة لشن الهجمات على السفن الأجنبية.

وتزداد خسائر الإقتصاد الدولي وخاصة دول الخليج والولايات المتحدة وأوربا، كما ان القرصنة مقابل سواحل الصومال قد زادت من تكاليف التأمين على السفن وبذلك زادت من قيمة السلع المنقولة عبر هذا الممر التجاري الرئيسي الذي تسلكه 20،000 سفينة في الأقل سنويا وهي تحمل البضائع و7% من نفط العالم.

ولقد غيرت العدبد من السفن من مسار إبحارها لتدور حول أفريقيا تجنبا للقراصنة وأجور التأمين المرتفعة. ويعاني الإقتصاد المصري بشكل خاص من تغيير السفن لخط رحلاتها. وقد استجاب مجلس الأمن الدولي بحزم
باصدر القرار رقم 1851في كانون الاول عام 2008 والذي يسمح للدول الأعضاء بملاحقة واعتقال القراصنة بموافقة الحكومة الفدرالية الإنتقالية للصومال ( كما فعلت البحرية الأمريكية لأنقاذ القبطان فيليبس). وإضافة إلى ذلك، فقد تم ارسال قوات حلف الناتو وقوات أخرى لمحاربة القراصنة في منطقة المياه الصومالية التي تبلغ مساحتها 6،6 مليون كم مربع ، أي ما يقارب عشرة أضعاف حجم ولاية تكساس الأمريكية.

ومن المهم أيضا أن اسامة بن لادن أصدر شريطا صوتيا الشهر الماضي يدعو فيه المجموعات الإرهابية الصغيرة العاملة سرا في هوامش المجتمع الصومالي للتصدي للحكومة الجديدة. ومن الجدير بالذكرأنه لم يتم إثبات علاقة متينة عضوية بين القراصنة الصوماليين وجماعات الإرهاب الدولي كالقاعدة حتى الآن، ومع ذلك فإن احتمال قيام تواطؤ بين القراصنة وشبكات الإرهاب في هذه المنطقة الملتهبة تشكل مصدر قلق حقيقي.

ان أعمال القرصنة في أعالي البحار هي من أعراض مشاكل مزمنة على اليابسة. لذلك، وبالإضافة إلى دعم الأمن الملاحي يجب أن تركز ردود الفعل الدولية أزاء القرصنة مقابل الساحل الصومالي على المشكلات الجوهرية للبلاد كغياب الحكم الجيد (الإدارة) وضعف النمو الأقتصادي . وحتي في السياق الأفريقي ، فإن الصومال هي من أكثر البلدان فقرا وانفلاتا خلال العقدين الماضيين.فالناتج القومي السنوي للفرد لا يتجاوز بضع مئات من الدولارات (وهو ناتج منخفض لدرجة يصعب حتى حسابه) اضافة الى حالة الفوضى في البلاد التي انتهت للتو.

في وقت مبكر من هذا الشهر أتيحت لنا فرصة اللقاء المباشر مع وزير خارجية الصومال محمد عبدالله عمر في أعقاب قمة الجامعة العربية بالدوحة . وما تعلمناه من هذا القاء هو أن هنالك فرصة أمام المجتمع الدولي – وخاصة الولايات المتحدة ، والعالم العربي وأوروبا، لمعالجة آفة القرصنة وذلك بإنهاء حالة الصراع التي امتدت لعقدين في الصومال. والمعالجات الأساسية هي : أولا تقديم الدعم المالي والسياسي لحكومة الصومال الجديدة وكذلك دعم عملية السلام التي تم اطلاقها في جيبوتي في شهر يناير وبضمنها دعم جهازها الأمني. ثانيا، زيادة المساعدات بدرجة كبيرة للإسهام في رفع المستوى المعيشي في الصومال لإعطاء الشباب فرصة الخروج من الفقروالقرصنة الى عيش كريم. وثالثا، ضرورة القضاء على أي شرعية للقرصنة في المجتمع المدني الصومالي عن طريق ضمان انهاء الصيد غير المشروع في المياه الصومالية وكذلك عدم رمي النفايات السامة مقابل الساحل الصومالي. ويجب أن يتم ذلك الى جانب استقدام قوات بحرية متعددة الجنسيات كما يحدث حاليا.

حتى الآن لم يحقق الخيار العسكري نجاحا ملموسا، وهنالك حاجة الى اطار استراتيجي أكثر شمولية لتحقيق هذه الأهداف المشتركة. وأمام الولايات المتحدة ، والعالم العربي ، وأوروبا فرصة فريدة للتعاون في تحقيق الأهداف المشتركة، وتنفيذ استراتيجية بعيدة المدى لدعم الحكومة الصومالية الجديدة والقضاء بصورة فعالة على آفة القرصنة وبذلك يتم تقديم نماذج جديدة للتعاون الدولي .

xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
هادي عمرو هو المدير المؤسس لمركز بروكنجز بالدوحة، وباحث زميل في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنجز. أريج نور هي باحثة مساعدة في مركز بروكنجز بالدوحة.