شهدت العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول شرق آسيا نموّاً ملحوظاً منذ مطلع الألفيّة. ولم تكن اليابان استثناءً، فقد تجسّد هذا التقارب الخليجي الياباني في الاجتماع الثاني لوزراء خارجية اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي الذي عُقد في مطلع سبتمبر 2025، وفي استئناف محادثات اتفاق الشراكة الاقتصادية1 بين الجانبين في ديسمبر 2024.2 لكن رغم هذه المحطّات البارزة، نادراً ما طُرِح نقاش جادّ حول حجم التحوّلات التي طرأت على سياسة اليابان الخارجية تجاه الخليج في ظلّ تعاقب رؤساء الوزراء اليابانيين، أو حول مدى حفاظها على ثباتها.
تستعرض مذكّرة السياسات هذه مسار تطوّر السياسة الخارجية اليابانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، منذ فترة ولاية شينزو آبي الثانية (2012–2020)، مروراً برئاستَي يوشيهيدي سوغا (2020–2021) وفوميو كيشيدا (2021–2024)، وصولاً إلى رئيس الوزراء الحالي شيغيرو إيشيبا.
على امتداد فترات الحكم الأربعة، حافظت اليابان على ثلاث ركائز رئيسيّة في سياستها الخارجية العامة تجاه الدول الخليجية: فتعدّها مورّداً رئيسياً لمشتقات النفط الحيويّة للحفاظ على أمن الطاقة الياباني؛ وتحرص على إقامة علاقات متعدّدة الأبعاد معها؛ وتقرّ بتنامي نفوذ هذه الدول سياسياً واقتصادياً على المستويين الإقليمي والدولي. ورغم ثبات هذه الأسس، فإنّ الزخم الأكبر في بناء العلاقات مع قادة دول مجلس التعاون وتمتينها، سُجّل في فترة ولاية شينزو آبي الثانية.
تشير مذكّرة السياسات هذه إلى أنّه يمكن لحكومة إيشيبا والحكومات اليابانية التي ستعقبها، الاستفادة من إعادة إحياء الزخم السابق للعلاقة مع الدول الخليجيّة والعمل على تسريع وتيرته. ولتحقيق ذلك، تقترح أن يبادر رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا إلى بناء علاقات متينة مع قادة دول مجلس التعاون وترسيخها من خلال زيارات رسمية إلى المنطقة خلال ولايته. فمن شأن هذه الزيارات أن تعزّز علاقات اليابان مع الدول الخليجية عموماً، وتساهم في دعم أمنها الطاقي.
حافظت اليابان، في ظلّ الإدارات الأربعة المتعاقبة، على ثلاث ركائز أساسيّة على الأقل في سياستها الخارجية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي.
أوّلاً، تنظر طوكيو إلى الدول الخليجية باعتبارها مورّداً رئيسيّاً للنفط، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على أمنها الطاقي. وقد أكّدت وزارة الخارجية اليابانية في وثائقها الرسمية الأهميّة القصوى التي تكتسبها المنطقة في هذا الإطار.3 ففي السنة المالية 2022 وحدها، ساهمت دول مجلس التعاون بـ 94,8 في المئة من إجمالي واردات اليابان النفطية.4 ومع اعتماد البلاد على النفط لتلبية نحو 46,9 في المئة من إجمالي استهلاكها للطاقة،5 يبقى استقرار تدفّق النفط الخليجي ضرورةً ملحّةً للاقتصاد الياباني.6
ثانياً، دأبت طوكيو على بناء علاقات شاملة مع الدول الخليجية7 بما يتجاوز المشتقّات النفطيّة. ونتيجة لذلك، تحوّلت تدريجياً العلاقات التي كانت تقوم تقليدياً على المصالح المتبادلة، قوامها مقايضة النفط الخليجي بالتكنولوجيا اليابانيّة، إلى ما تصفه طوكيو بـ”شراكات شاملة”، ترتكز على التعاون في مجالات متنوّعة تشمل السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والتعليم.8ويشير هذا التحوّل إلى التزام طوكيو وجهودها الإستراتيجيّة الرامية إلى الارتقاء بعلاقاتها مع دول مجلس التعاون، من تبادل مصالح إلى تعاون إستراتيجي. ولهذه الغاية، أطلقت اليابان في السنوات الماضية عدداً من أطر الحوار الثنائي مع الدول الخليجية، من بينها حوارات إستراتيجيّة بين وزراء الخارجيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة (2023)9 وقطر (2021)10، وحوارات عسكريّة مباشرة مع قطر (2023)11 وسلطنة عُمان (2023)،12 وغيرها.
توسَّع أيضاً التعاون الثنائي بين اليابان ودول المنطقة في مجالَي التعليم والبحث، إذ أُنشئ في السنوات الماضية كرسيّان أكاديميّان خليجيّان في جامعتين يابانيّتين: “كرسي قطر لدراسات المنطقة الإسلاميّة” في جامعة واسيدا، و”كرسي السلطان قابوس للدراسات الشرق أوسطيّة” في جامعة طوكيو. كما افتتحت دولة الإمارات في مايو 2025 مركز “الشيخة فاطمة بنت مبارك لتعليم اللغة العربيّة” في جامعة كيو.13
ثالثاً، تدرك طوكيو أنّنا نعيش “لحظة خليجية عربيّة”،14 في إشارة إلى تنامي النفوذ السياسي والاقتصادي لدول مجلس التعاون على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، بما في ذلك دول الجنوب العالمي. فلم تعد طوكيو تنظر إلى هذه الدول كمجرّد مورّد للطاقة، بل تُقرّ بدور المملكة العربيّة السعوديّة المتنامي في “أوبك” ومجموعة العشرين، وكذلك بجهود الوساطة القطريّة في ملفّات متعدّدة، منها الحرب في غزّة ومحادثات السلام بين الولايات المتّحدة وحركة طالبان، إلى جانب دور سلطنة عُمان في تيسير الحوار بين الرياض وطهران.15 حتّى أنّ اليابان استفادت استفادةً مباشرةً من هذا النفوذ الخليجي. ففي أزمة أفغانستان عام 2021، ساعدت الحكومةُ القطريّة في تنفيذ خطّة الإجلاء اليابانيّة من خلال نقل مواطنين يابانيّين ورعايا أفغان مرتبطين بمنظّمات يابانيّة من كابول إلى اليابان.
يُعزى ثبات توجّهات السياسة الخارجيّة اليابانيّة جزئياً إلى الطابع التصاعدي لعمليّة صنع السياسات الدبلوماسية في طوكيو، حيث غالباً ما تُصاغ السياسات على يد المسؤولين الحكوميّين، وتُرفع عبر المسارات البيروقراطيّة للمصادقة عليها. وبناءً عليه، فإن تبدّل رؤساء الوزراء لا ينعكس بالضرورة في تغييرات جوهريّة على مستوى التوجّهات الكلّية للسياسة الخارجيّة اليابانية. مع ذلك، اختلف مستوى الانخراط الدبلوماسي الياباني تجاه دول مجلس التعاون من رئيس وزراء إلى آخر.
على مستوى رئاسة الوزراء، بلغ الزخم الياباني في بناء العلاقات مع قادة دول مجلس التعاون ذروته في ولاية شينزو آبي الثانية. وما عدد الزيارات الرسميّة التي قام بها آبي إلى الدول الخليجية إلّا دليل واضح على حجم هذا الزخم ومكانة المنطقة في حسابات السياسة الخارجية اليابانيّة.
عُرف آبي بدبلوماسيّته الاستباقية، وقام على امتداد ولايته الثانية بخمس زيارات رسميّة إلى الخليج، شملت دول مجلس التعاون كافة. فزار الإمارات العربيّة المتّحدة ثلاث مرّات، والمملكة العربيّة السعوديّة وسلطنة عُمان مرّتين لكلّ منهما، وقطر والكويت والبحرين مرّةً واحدة لكلّ منها.16 وعقد خلال هذه الزيارات اجتماعات قمّة مع قادة الخليج، ووطّد علاقاته الشخصيّة معهم، مطلقاً إطار “الشراكات الشاملة”17للتعاون الثنائي، الذي أصبح المرجعيّة العامة للعلاقات بين اليابان وكلّ دولة من دول المجلس.
ساهمت الروابط الشخصيّة المتينة التي نسجها شينزو آبي مع قادة دول مجلس التعاون خلال زياراته المتكرّرة في الحفاظ على أمن الطاقة الياباني. وخير دليل على ذلك أنّه مع تصاعد حدّة التوتّرات السياسية في الخليج عام 2019 بين إيران والدول الخليجية إثر هجمات استهدفت ناقلات نفط، من بينها ناقلات مرتبطة باليابان، بادر آبي إلى زيارة المنطقة شخصياً مطلع عام 2020 سعياً إلى الوساطة.18 علاوة على ذلك، عندما قرّرت طوكيو نشر قوّات الدفاع الذاتي اليابانيّة في خليج عُمان والجزء الشمالي من بحر العرب، تمكّن آبي من إقناع قادة الخليج بأنّ الخطوة لا تحمل أبعاداً عسكريّة أو تهديديّة، بل لا تهدف إلّا إلى جمع المعلومات اللازمة لضمان أمن الملاحة لناقلات النفط المرتبطة باليابان من دون انقطاع.19 ساعدت قدرة آبي20 على الإقناع في تجنّب أيّ سوء فهم محتمل من جانب الدول الخليجية تجاه تحرّكات طوكيو في المنطقة.
بيد أنّ خليفة آبي، يوشيهيدي سوغا، الذي تبوأ رئاسة الوزراء بين عامَي 2020 و2021، لم يتبنّ بالضرورة النهج الدبلوماسي الاستباقي الذي عُرف به سلفه في علاقاته مع الدول الخليجية. فقد انشغل خلال فترة ولايته بإدارة أزمة جائحة فيروس كورونا، ما دفعه إلى التركيز على الشؤون الداخليّة، وأدّى ذلك إلى تراجع مستوى الاهتمام بالعلاقات مع دول مجلس التعاون. لكنّ المشهد بدأ يتغيّر نسبيّاً في العام 2021، مع تولّي فوميو كيشيدا رئاسة الوزراء.
سعى كيشيدا، بصفته وزير خارجيّة سابق، إلى الحفاظ على الزخم الذي أطلقه آبي، وإن كان بوتيرة أبطأ. فقام كيشيدا بزيارة رسميّة إلى السعوديّة والإمارات وقطر في يوليو 2023، برفقة وفد اقتصادي رفيع. ثمّ زار الإمارات مجدداً للمشاركة في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28) المعني بتغيّر المناخ. خلال زيارته الأولى، اتّفق كيشيدا مع نظرائه الخليجيّين على تطوير الشراكات الثنائيّة القائمة، أيّ “الشراكات الشاملة” التي أرساها آبي،21 وأسفرت الزيارة عن توقيع مجموعة من الاتفاقيات الآيلة إلى تعزيز التعاون في مختلف القطاعات.
تولّى رئيس الوزراء الحالي شيغيرو إيشيبا مهامه في أكتوبر 2024، بعد أن شغل سابقاً منصب وزير الدفاع (بين عامي 2007 و2008)، ومدير عام وكالة الدفاع اليابانيّة التي سبقت تأسيس وزارة الدفاع، بين عامَي 2002 و2004. ويُنظر إلى إيشيبا على نطاق واسع في اليابان على أنّه يتمتّع بخبرة فريدة في شؤون الأمن والدفاع. وكان إيشيبا شدّد في خطاب السياسات العامة الذي ألقاه أمام البرلمان في نوفمبر 2024، على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعيّة والأمن القومي، إلى جانب تكثيف الجهود الدبلوماسيّة على أعلى المستويات.22
وأكّد أنّه سيسعى إلى تحقيق ذلك من خلال أُطر الأمن القومي القائمة، في مقدّمتها “إستراتيجيّة اليابان للأمن القومي”، التي تُقرّ صراحةً بأهميّة “تعزيز العلاقات مع الدول الغنيّة بالموارد”، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي.23 في هذا الإطار، زار وزير الخارجيّة الياباني تاكيشي إيوايا المملكة العربيّة السعوديّة في مايو 2025، حيث اتّفق مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، على دفع التعاون الثنائي قدماً.24 لكن حتى تاريخ كتابة هذه المذكّرة، لم يكن رئيس الوزراء إيشيبا قد قام بأيّ زيارة رسميّة إلى دول الخليج منذ تولّيه منصبه، علماً أنّ بناء علاقات متينة مع قادة دول مجلس التعاون وترسيخها منذ بداية عهده ضروريّان لتعزيز الشراكة اليابانيّة الخليجيّة، وتأمين إمدادات الطاقة اليابانيّة على المدى الطويل.
من شأن بناء علاقات متينة مع قادة الدول الخليجية وترسيخها أن يعودا بالفائدة على حكومة إيشيبا، كما على الحكومات التي ستليها. ويمكن تحقيق ذلك، على سبيل المثال، من خلال القيام بزيارات رسميّة إلى دول مجلس التعاون وتبادل وجهات النظر مباشرةً مع قادتها. ورغم أنّ زيارة وزير الخارجيّة الياباني تاكيشي إيوايا إلى المملكة العربيّة السعوديّة في مايو 2025 تجسّد خطوة مهمّة في هذا الاتّجاه، فإنّ قيام رئيس الوزراء إيشيبا نفسه بزيارات رسميّة إلى دول الخليج قد يمثّل مقاربة أكثر فعاليّة لتحقيق هذا الهدف، وذلك لأسباب متعدّدة:
أوّلاً، تعتمد هياكل صنع القرار في الدول الخليجية بدرجة كبيرة على التسلسل الهرمي، إذ تُتّخذ القرارات انطلاقاً من قمة هرم السُلطة نزولاً إلى قاعدته، خصوصاً في القضايا المتعلّقة بالأمن القومي، كتجارة النفط والدبلوماسيّة. وبما أنّ قادة هذه الدول هم أصحاب النفوذ الأكبر في رسم السياسات الوطنيّة، فإنّ التواصل المباشر على أعلى المستويات يُسهّل الانخراط الدبلوماسي الفعّال والتنسيق الوثيق بين اليابان والدول الخليجية. ويعدّ هذا الانخراط ضرورياً لضمان استقرار تدفّق النفط الخليجي إلى اليابان، وحماية المواطنين اليابانيّين في المنطقة، بل وخارجها أيضاً، في أوقات الأزمات. وتُبرهن تجربتا رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، من خلال وساطته ودبلوماسيّته الإقناعيّة بعد هجمات 2019 على ناقلات النفط في الخليج، والدعم الذي قدّمته الحكومة القطريّة لعمليّة الإجلاء الياباني من أفغانستان عام 2021، منافع هذا النوع من التعاون.
ثانياً، نظراً لبقاء قادة الدول الخليجية في السلطة لفترات طويلة تمتد غالباً لعقود، فإنّ بناءَ علاقات شخصيّة معهم يجسّد إستراتيجيّةً فعّالةً للغاية. علاوة على ذلك، تحظى اللقاءات المباشرة عادةً بتقديرٍ عالٍ في الخليج، بالتالي يشكّل تكثيف زيارات رؤساء الحكومات أداةً مهمّةً لتوطيد العلاقات مع قادة دول مجلس التعاون.
ثالثاً، تميل زيارات رؤساء الحكومات إلى تحفيز الطرفين على دفع العلاقات الثنائيّة قدماً على نحو ملموس ومتعدّد الأبعاد. فعلى سبيل المثال، أدّت زيارات شينزو آبي إلى الدول الخليجية في العقد الثاني من الألفيّة إلى الإعلان الرسمي المشترك عن إطلاق “إطار الشراكات الشاملة” بين اليابان ودول مجلس التعاون، ما فتح المجال أمام تنويع مسارات التعاون الثنائي. وفي السياق نفسه، شهدت زيارة فوميو كيشيدا إلى السعوديّة والإمارات وقطر عام 2023 توقيع عدد من مذكّرات التفاهم في مجالات متنوّعة، شملت أشباه الموصّلات والفضاء والرعاية الصحيّة والسياحة، بهدف توسيع آفاق التعاون المشترك.25 علاوة على ذلك، ستكون التكنولوجيا اليابانيّة وخبرة البلاد في القطاعات غير النفطيّة جزءاً لا يتجزأ من جهود الدول الخليجية لتنويع اقتصاداتها.
بإمكان حكومة إيشيبا البناء على أُطر الحوار والتعاون الثنائي القائمة، مثل الشراكات الشاملة، والحوار الإستراتيجي بين وزراء الخارجيّة، والحوار العسكري، والكراسي الجامعيّة، ومذكّرات التفاهم المتعدّدة، لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف القطاعات، من السياسة والأمن إلى الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والتعليم والبحث العلمي، بما يسهم في توطيد علاقات اليابان مع دول مجلس التعاون الخليجي.26
رابعاً، لا يمكن إغفال تنامي نفوذ الدول الخليجية السياسي والاقتصادي ودورها القيادي على الساحتَين الإقليميّة والدوليّة، بما في ذلك في دول الجنوب العالمي. فانخراطها الدبلوماسي النشط في جهود بناء السلام، مثلاً في ملفَّي غزّة وأفغانستان، وخيارات تموضعها الإستراتيجي، من خلال “اتفاقيات أبراهام”، ومجموعة “آي 2 يو 2″، وسياسات “التوجّه شرقًا” نحو شرق آسيا، يجعل منها جهات فاعلة محوريّة في الحفاظ على الحضور الياباني في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
ويكتسب هذا المسار أهميّةً متزايدةً في ظلّ تصاعد المنافسة بين القوى الخارجيّة الساعية إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج، خصوصاً بين اليابان وكوريا الجنوبيّة والصين.27
فلا يمكن لليابان أن تسمح بتراجع نفوذها لصالح منافسيها الإقليميّين، لا سيّما كوريا الجنوبيّة والصين، طالما أنّ أمنها الطاقي لا يزال مرتبطاً بدول مجلس التعاون ارتباطاً وثيقاً.28 بالتالي، تضفي هذه الديناميّة الكامنة بين القوى الخارجية بعداً إستراتيجيّاً وطابعاً ملحّاً على قيام رئيس الوزراء إيشيبا بزيارة رسميّة إلى الدول الخليجية.
ساهمت ثوابت السياسة الخارجيّة اليابانيّة في دفع علاقات اليابان مع دول مجلس التعاون قدماً في عهد آخر أربعة رؤساء وزراء. ومع ذلك، لدى حكومة إيشيبا مبرّرات قويّة لإعادة إحياء الزخم الذي أطلقه آبي وتسريع وتيرته. ومن شأن قيام رئيس الوزراء إيشيبا بزيارات رسميّة إلى الدول الخليجية في وقت مبكر من ولايته أن يعزّز الروابط المباشرة مع قادة دول مجلس التعاون ويُرسّخها، ما يساهم في تعزيز العلاقات اليابانيّة الخليجيّة عموماً، وفي دعم أمن الطاقة الياباني على وجه الخصوص.
في المقابل، يمكن للدول الخليجية أن تستفيد أيضاً من توثيق علاقاتها مع اليابان. فعلى المستوى المحلّي، سيساهم تعزيز تدفّق التكنولوجيا اليابانيّة والخبرات والموارد البشريّة في القطاعات غير النفطيّة في دعم جهود التنويع الاقتصادي المحلّية. وعلى المستوى الخارجي، تمثّل اليابان شريكاً ملائماً من الناحية الإستراتيجية، إذ إنّ تعزيز العلاقات معها، بصفتها حليفاً رئيسياً للولايات المتّحدة، لا يحمل في طيّاته مخاطر تُذكر بالنسبة إلى العلاقات الأمنيّة التي تربط دول الخليج بواشنطن.
يعتمد قيام رئيس الوزراء إيشيبا بزيارةٍ رسميّة إلى الدول الخليجية خلال فترة ولايته على عوامل متنوّعة. ورغم أنّه ليس من المعتاد أن يختار رئيس وزراء ياباني جديد دول مجلس التعاون كوجهة أولى لزياراته الخارجيّة، فقيامه بذلك لن يشكّل سابقة. فقد بادر شينزو آبي، على سبيل المثال، إلى زيارة السعوديّة والإمارات في أبريل 2013، بعد أربعة أشهر فقط على عودته إلى رئاسة الحكومة في ديسمبر 2012.
كما أنّ استقرار حكومة إيشيبا ومدى استمراريّتها سيؤثّران تأثيراً مباشراً في إمكانيّة قيامه بهذه الزيارة خلال فترة ولايته. فحتى لحظة إعداد هذه المذكّرة، كان إيشيبا يواجه ضغوطاً من عدد من أعضاء البرلمان الذي يدعونه إلى الاستقالة، ويُعزى ذلك جزئياً إلى الهزيمة الكبيرة التي مُني بها الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو 2025. ومع ذلك، حتى لو غادر إيشيبا رئاسة الوزراء في المستقبل القريب، فإنّ أيّ رئيس وزراء ياباني قادم ستكون لديه دوافع قويّة مماثلة للتواصل المباشر مع قادة الدول الخليجية، وإعادة تنشيط العلاقات اليابانيّة الخليجيّة من خلال الدبلوماسيّة رفيعة المستوى.