بعد مضي أكثر من عامين على اندلاع الحرب المدمّرة بين القوّات المسلّحة السودانية وقوّات الدعم السريع، شهدت الساحة السودانية تطوّرات مفصلية غيّرت ملامح المشهد برمته. ففي مارس 2025، استعادت القوّات المسلّحة السودانية القصر الجمهوري في الخرطوم، وهو نصر إستراتيجي يعكس تغيّر موازين القوى داخل العاصمة. وفي المقابل، بادرت قوّات الدعم السريع إلى إعلان تشكيل “حكومة السلام والوحدة” المنافسة في نيروبي، ما أثار تساؤلات عميقة حول شرعية الحكم ومستقبل السودان، فضلاً عن احتمالات الاعتراف الدولي بها. وفي خضمّ هذه التحوّلات المتسارعة، تفاقمت الأزمة الإنسانية بوتيرة غير مسبوقة، إذ بات أكثر من 30 مليون شخص،أكثر من نصفهم من الأطفال، في أمسّ الحاجة إلى مساعدات عاجلة، فيما يلوح شبح المجاعة في الأفق مهدّداً مناطق واسعة من البلاد. ولم تعد الحرب شأناً سودانياً فحسب، بل تحوّلت إلى ساحة صراع إقليمي ودولي ، تتقاطع فيها طموحات روسيا الساعية لترسيخ حضورها في البحر الأحمر مع تزايد انخراط إيران ومصر والدول الخليجية، ليصبح السودان محور تنافس جيوسياسي محتدم، تتجاوز تداعياته محيطه المباشر.
وفي ظلّ هذه التطوّرات المصيرية، نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوة عبر الإنترنت شارك فيها خبراء في الشأن السوداني، واستعرضت مسار الصراع السوداني واستشرفت تداعياته على محيطه الإقليمي والدولي. وأجابت الندوة عن أسئلة محورية منها: كيف يمكن وقف دوّامة الحرب ومنعها من الاستمرار لعام ثالث؟ وما هي فرص التوصّل إلى تسوية سياسية في ظلّ الانقسام الحادّ وتغيّر موازين القوى على الأرض؟ وما الدور الذي تؤدّيه القوى الإقليمية والدولية في تأجيج الأزمة أو احتوائها؟ وإلى أيّ مدى يستطيع الفاعلون الإقليميون التأثير في جهود الوساطة، وهل تنجح مساعي تركيا والدول الخليجية الكبرى في تحقيق اختراق حقيقي؟ ومع تفاقم المجاعة وأزمة النزوح، ما هي الخيارات المتاحة للتخفيف من حدّة الكارثة الإنسانية التي تلوح في الأفق؟
مي حسن، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)
- الحرب في السودان ليست مجرّد نتيجة لصراع بين زعيمين متعطشين للسلطة، بل هي ثمرة تراكمات منهجية أرسى أُسسها النظام الاستبدادي الإسلامي السابق بقيادة عمر البشير، الذي عمد إلى تفتيت السلطة عبر خلق مراكز قوى متعدّدة داخل الدولة. وتوحّدت هذه المراكز بعد الثورة وخلال أول عامين من المرحلة الانتقالية، ما مكّن الفصيلين العسكريين من إقصاء المكوّن المدني، كما تجلّى ذلك في انقلاب 2021. وقد أفرز هذا الواقع تساؤلات عميقة حول مستقبل القيادة في السودان، وانتهى الأمر باندلاع حرب 15 من إبريل في العام 2023.
- كثيراً ما يُختزل الصراع السوداني في صورة مواجهة تُبرز التوتّرات بين مجموعات أفريقية وأخرى عربية، إلّا أنّ هذا التبسيط يتجاهل حقيقة أنّ البرهان وحميدتي ينحدران من أصول عربية وأفريقية معاً. ثمة انقسامات أعمق تفسر المشهد: صراع بين تيارات إسلامية (القوّات المسلّحة السودانية) وأخرى غير إسلامية (قوّات الدعم السريع)، وصراع بين المركز (نخب الخرطوم النيلية) والهامش، حيث تطرح قوّات الدعم السريع نفسها كقوة مناهضة لهيمنة الخرطوم.
- السودان اليوم عالق في “مصيدة الانقلابات والحروب الأهلية”، إذ باتت المجموعات الأكثر تسليحاً والأشد فتكاً، سواء عبر التوسع العسكري أو من خلال المنظومة الصناعية العسكرية، هي من يُدعى إلى طاولة التفاوض عند تناول القضايا المصيرية، محلياً ودولياً، في سابقة خطيرة تمنح الأفضلية لمن يملك القدرة على إحداث أكبر ضرر.
- التكلفة الإنسانية الناجمة عن الحرب وتداعياتها طويلة الأمد طالت كل فئات المجتمع بلا استثناء. ومن أبرز أسباب استمرار سطوة المجموعات المتمردة غياب فرص التعليم والعمل أمام الشباب، لا سيّما الذكور، ما يستدعي أن تضع عملية إعادة إعمار السودان بعد الحرب احتياجات الشباب في صميم أولوياتها.
حميد خلف الله، مرشح دكتوراه
- من الضروري التذكير بأنّ الحرب الدائرة هي امتداد فعلي للثورة المضادة التي أفرزها التحالف بين القوّات المسلّحة السودانية وقوّات الدعم السريع. ولم تمنع التحوّلات السريعة على خطوط المواجهة من استمرار الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، بينما يسعى كل طرف لترسيخ نفوذه في مناطق سيطرته.
- منذ إعلان قوّات الدعم السريع عن “حكومة السلام والوحدة” المنافسة في نيروبي، لم تُظهر أيّ مظاهر للوحدة أو الكفاءة الفعلية في إدارة الحكم.
- الحرب ألقت بظلالها الثقيلة على النساء والأطفال، إذ كانت تداعياتها الجندرية بالغة الوضوح في مختلف أنحاء البلاد.
- مجموعات المقاومة الشبابية التي قادت ثورة 2018 تحوّلت لاحقاً إلى ركيزة أساسية في العمل الإنساني أثناء الحرب، خاصة في المناطق التي غابت عنها المنظمات الدولية. وقد تعرّض هؤلاء الشباب للاستهداف والاعتقال والقتل، بتهمة التعاون مع الطرف الآخر، في ظلّ تهميش المجتمع الدولي لهؤلاء الشباب وإقصائهم من العمليات السياسية، ما انعكس سلباً على دورهم الحيوي داخل السودان.
- كلا الطرفين المتحاربين يسعى لصياغة سرديته الخاصة، غير أنّ كليهما يفتقر للدعم الشعبي أو الشرعية الحقيقية، إذ أنّ أشكال الدعم المتاحة غالباً ما تتسم بالبراغماتية والإستراتيجية وترتبط بفرص البقاء الفردية.
آلان بوزويل، مجموعة الأزمات الدولية
- يحتل السودان موقعاً محورياً في منظومة إقليمية متعدّدة الأقطاب، وقد أفضت الحرب إلى زعزعة استقرار جيرانه، نظراً لموقعه الجغرافي الفريد عند ملتقى شمال أفريقيا والقرن الأفريقي والساحل الأفريقي والبحر الأحمر.
- مصر تُعدّ الداعم الأكبر للقوّات المسلّحة السودانية، بينما تميل كينيا وتشاد وأوغندا إلى دعم قوّات الدعم السريع. وتنعكس هذه الانقسامات الإقليمية في أزمات أخرى بالقرن الأفريقي، ما يفاقم حالة الاستقطاب في المنطقة.
- تنخرط الكثير من الدول في الصراع، وكل منها يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، متأثراً بعلاقاته التاريخية مع السودان، ما يؤدّي إلى تغيّر مستمرّ في تحالفاتهم بشأن الصراع.
- من المرجّح أن تشمل مفاوضات السلام المقبلة أطرافاً إقليمية إلى جانب الفصائل السودانية، ما يزيد من تعقيد جهود حلّ الصراع. وعلى الأرجح، ستفضي أيّ تسوية سلام إلى حكومة تقاسم فعلي للسلطة بين القوّات المسلّحة السودانية وقوّات الدعم السريع، مع تهدئة نسبية للصراع. وفي الأمد القريب، يبدو أنّ الحلّ الأكثر واقعية هو التوصّل إلى وقف إطلاق نار بوساطة خارجية.