أعاد سقوط نظام الأسد إلى الواجهة إشكاليات جوهرية بشأن عودة اللاجئين السوريين، لا سيّما في الدول المجاورة، حيث واجه اللاجئون على مدى سنوات طويلة تمييزاً متجذّراً وقيوداً قانونية وتنظيمية صارمة. بيد أنّ الأوضاع الداخلية في سوريا لا تزال سيّئة للغاية؛ فحجم الدمار هائل، والوصول إلى الخدمات الأساسية والسكن والممتلكات لا يزال محدوداً، بينما تحوم الشكوك بشأن قدرةِ الحكومة الانتقالية على إرساء الاستقرار. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، فضّل معظم اللاجئين في الدول المضيفة المجاورة “الانتظار والترقّب” ريثما تتوضّح ملامح المرحلة المقبلة واستشراف مآلاتها في ظلّ استمرار الأزمة السورية. وعلاوة على ذلك، لا تزال ملامح الدعم الدولي لإعادة إعمار سوريا غامضة ويكتنفها كثير من اللبس، لا سيّما في ظلّ استمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية. وفي المقابل، تشهد المساعدات المقدّمة للدول المضيفة تراجعاً ملحوظاً، ما يؤدّي إلى زيادة الأعباء على الدول المضيفة ويؤثّر سلباً في قدرتها على التعامل مع تداعيات أزمة اللاجئين.
وفي هذا السياق، نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية بالشراكة مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، وضمن إطار أنشطة شبكة مراكز البحوث في العالم العربي، ندوة عبر الإنترنت لاستعراض التحدّيات القانونية والسياسية والعمليّة التي تُشكّل مسارات العودة، واستشراف متطلّبات تحقيق العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين. وتناولت الندوة عدة أسئلة: ما هي أبرز التحدّيات والعقبات في الدول المضيفة التي قد تحفّز اللاجئين على العودة؟ وما هي العوامل التي قد تُؤثّر في قرارات اللاجئين السوريين بالعودة إلى وطنهم؟ وما هي التحدّيات والعقبات الداخلية المستمرّة في سوريا التي تعيق تحقيق العودة الآمنة والكريمة والطوعية، وكيفية معالجتها؟ وما هو دور الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي والإقليمي لتسهييل عودة اللاجئين الآمنة والكريمة والطوعية؟
ربيع نصر، المركز السوري لبحوث السياسات (SCPR)
- على الرغم من سقوط نظام الأسد، لا يزال الإنقسام يهدّد يهدّد بنية حوكمتها، إذ تتنازع الفصائل المتعدّدة السيطرة على أراضيها، في حين يفتقر توحيد السلطة تحت مظلة الحكومة الانتقالية إلى الإجماع الوطني، ما يعمّق حالة انعدام الثقة بين المواطنين.
- تتفاقم الأزمات الاقتصادية الخانقة في البلاد، إذ تتزايد معدلات البطالة وتشتد وطأة نقص الخدمات الأساسية، في ظلّ غياب آليّات قضائية تضمن الحقوق وتحقق العدالة. وتستمر الظروف المعيشية في الانحدار، مع اتساع هوة اللامساواة وتبنّي سياسات نيوليبرالية عاجزة عن تلبية احتياجات الرعاية الاجتماعية.
- تشكّل هشاشة البنى السياسية وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة عقبة كبرى أمام عودة اللاجئين، إذ يفتقر الكثيرون إلى الشعور بالأمان الذي يمكّنهم من اتخاذ قرار العودة بثقة واطمئنان.
- يضفي غياب الوضوح القانوني بشأن ملكية العقارات حالة من الغموض والالتباس، ويقف حائلاً أمام كثيرين في سبيل استعادة منازلهم وحقوقهم المسلوبة.
- تشمل الحلول المقترحة للعودة إيلاء أولوية قصوى لإرساء مؤسّسات موثوقة وشاملة تسد الفجوة بين اللاجئين والحكم المحلّي، وتبنّي سياسات اقتصادية ترتكز على التنمية المستدامة بدل الاكتفاء بالمساعدات الإنسانية المؤقتة. وبصورة أشمل، تبرز الحاجة الملحّة للانتقال من الاستجابات الإنسانية قصيرة المدى إلى إستراتيجيات تنموية بعيدة المدى تضمن اندماج اللاجئين وعودتهم بصورة آمنة ومستدامة.
سمر محارب، النهضة العربية للديمقراطية والتنمية “أرض” (ARDD)
- يواجه الأردن ضغوطاً اقتصادية متصاعدة جراء استمرار أزمة اللاجئين، تتجلّى ملامحها في تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتضاؤل فرص العمل، بينما يفاقم تقليص المساعدات المالية من تردي أوضاع اللاجئين ويترك الكثيرين محرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
- يواجه اللاجئون السوريون في الأردن عقبات بيروقراطية معقّدة، لا سيّما في ما يتعلّق بالإجراءات الرسمية وإصدار الوثائق وسياسات الدخول والخروج، بينما تتعرّض النساء والفتيات لمخاطر متزايدة، أبرزها العنف القائم على النوع الاجتماعي وضعف خدمات الرعاية الصحية.
- على صعيد السياسات الحكومية، يؤكّد الأردن التزامه بمبدأ العودة الطوعية، من دون ممارسة أي ضغوط على اللاجئين لدفعهم إلى المغادرة، بل يحرص على ضمان عودتهم الآمنة متى اختاروا ذلك، ملتزماً في الوقت ذاته بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
- تؤدّي المنظمات غير الحكومية المحلّية والمنظمات الدولية دوراً محورياً في توفير الدعم القانوني والإرشاد والمساندة المجتمعية للاجئين، إلّا أنّ الحاجة ما تزال ماسة لتعزيز جهود المناصرة وتوضيح السياسات وتعزيز قنوات التواصل بين الحكومة ومجتمع اللاجئين.
- تبرز حاجة ملحّة إلى تعزيز الإطار القانوني لتسهيل عودة طوعية وكريمة للاجئين، فضلاً عن تعزيز التنسيق بين جميع الأطراف المعنية لمواجهة التحدّيات المعقّدة التي تعترض طريقهم.
عمار قحف، مركز عمران للدراسات الإستراتيجية
- بدأت السياسات التركية تجاه السوريين بتركيز واضح على تسهيل العودة، لكنّها تحوّلت تدريجياً نحو تحقيق توازن دقيق بين تعزيز اندماجهم في المجتمع التركي والاستفادة من إسهاماتهم الاقتصادية المتزايدة.
- لقد أصبح السوريون اليوم ركيزة أساسية في سوق العمل التركي، لا سيّما في قطاعات حيوية مثل النسيج والزراعة، حيث بات الاقتصاد التركي يعتمد بشكل كبير على مساهماتهم. ومن ثم، تبدو العودة الجماعية المفاجئة لهؤلاء اللاجئين أمراً غير واقعي، لما قد تسببه من اضطرابات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، وهو ما تؤكّده الدراسات الرسمية التي رصدت بالفعل تأثيرات سلبية على سوق العمل التركي عقب عودة أعداد منهم إلى بلادهم.
- تفاقم هشاشة البنية التحتية وانقسام منظومة الحوكمة داخل سوريا من تعقيد إمكانية تحقيق عودة واسعة النطاق للاجئين في الوقت الحاضر.
- أمّا من الناحية الاجتماعية والثقافية، فتلوح في الأفق تحدّيات جسيمة أمام إعادة الاندماج، لا سيّما الأطفال والشباب الذين ترعرعوا وتشكلت هويتهم في كنف المجتمع التركي.
- لذا، من الضروري التركيز على تبنّي إستراتيجيات اندماج طويلة الأمد تُقدّر إسهامات اللاجئين السوريين الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن تطوير سياسات تدعم العودة التدريجية والطوعية بدلاً من الإعادة القسرية.
- يؤدّي المجتمع المدني دوراً محورياً في تعزيز الحوكمة المحلّية ودعم المبادرات المجتمعية الرامية إلى بناء سُبل عيش مستدامة للعائدين، وفي ظلّ تراجع المساعدات، تزداد الحاجة إلى دعم دولي مستدام وموجّه. ويظلّ إشراك الفاعلين الإقليميين وتعزيز الحوكمة المحلّية مفتاحاً لمعالجة أزمة اللاجئين بفعالية.