تهدف ورشة العمل هذه إلى تسليط الضوء على دور الرأي العام الجوهري في رسم معالم التحوّلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى العقدين الماضيين، حيث شهدت المنطقة تحوّلات اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة. فقد كثّفت الدول الخليجية من جهود التنويع الرامية إلى إعادة هيكلة اقتصاداتها المعتمدة على الموارد الطبيعية، والتي تمثّلت في تعزيز الاستثمارات في القطاعات غير النفطية ومصادر الطاقة المتجدّدة. وفي السياق ذاته، مثّلت اتفاقيات أبراهام نقطة تحوّل بارزة في المشهد الإقليمي، إذ أدّت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكلّ من الإمارات العربية المتّحدة والبحرين والسودان والمغرب. وقد أسفرت عن هذه الاتفاقيات ديناميّاتٌ إقليميةٌ جديدة وأثارت في الوقت ذاته موجات من الرفض الشعبي. أمّا الربيع العربي، فقد حمل في بداياته آمالاً واسعة بالتغيير الديمقراطي، وأفضى في نهاية المطاف إلى إصلاحات سياسية ملحوظة في تونس ومصر. غير أنّهما شهدا لاحقاً تراجعاً ملحوظاً نحو الحكم السلطوي، ما ألقى بظلاله على طموحات شعوبهما. وفي المقابل، تسبّبت تلك الثورات في اندلاع الحروب الأهلية والعنف المستمرّ في اليمن وسوريا وليبيا، وفي ظلّ استمرار الصراعات، لا تزال هذه الدول حتى اليوم تواجه واقعاً مأزوماً.
مع تزايد وتيرة التحوّلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المنطقة، فقد أضحى فهم الرأي العام وتحليله أمراً في غاية الأهمية، ليس كمؤشّر لقياس المزاج العام فحسب، بل كقوة محفّزة توجّه مسار هذه التغيّرات وتؤثّر في مآلاتها. فالرأي العام بات اليوم عنصراً محورياً في تحديد مسار الإصلاحات الإقليمية والتحوّلات السياسية وفعّاليتها. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غالباً ما يُقاس مدى نجاح التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بكيفية إدراك الجمهور لهذه التغييرات. وتُعدّ تجربة الربيع العربي مثالاً بارزاً على مدى قوة تأثير الرأي العام في إحداث التحوّلات السياسية الكبرى، كما كشفت هذه التجربة عن قدرة الاستجابات العامة للأحداث الجارية على المساهمة في إفراز واقع مغاير، تتراوح من التقدّم الديمقراطي إلى الارتداد مجدّداً نحو الاستبداد. وبالمثل، تتأثّر جهود تنويع الاقتصاد والإصلاحات الاجتماعية بدرجة كبيرة بموافقة العامة أو سخطهم، والذي من شأنه أن يُعزّز تطبيقها أو تقوّيضها. ومن خلال المراقبة اللصيقة والاستجابة للرأي العام، يُمكن لصنّاع القرار تلبية احتياجات المواطنين وتطلّعاتهم، بما يضمن أن تكون الإصلاحات المطروحة فعّالة وتحظى بتأييد واسع.
هذه الورشة من تنظيم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية بالتعاون مع منتدى الخليج الدولي.