قطر وصادرات الطاقة والتكنولوجيا المنخفضة الكربون

فبراير 2025
كلية العلوم والهندسة، جامعة حمد بن خليفة، المدينة التعليمية، الدوحة، قطر
زميلة أولى غير مقيمة

17 فبراير، 2025

المقدّمة

تُعدّ المناقشات حول إنتاج الطاقة والتقنيات المنخفضة الكربون ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى قطر لسببَين. أولاً، على الصعيد الداخلي، يمكن أن تسهم التقنيات المنخفضة الكربون في دعم الإستراتيجيات الوطنية الأوسع لمواجهة التحدّيات التي تواجهها قطر في مجالات أمن الطاقة والتنويع الاقتصادي وتغيّر المناخ. ثانياً، إنّ دور قطر، كجهةٍ فاعلة رئيسية في سوق الطاقة العالمية وكمُصدّر رائد للغاز الطبيعي المسال، يعني أنّها ستتأثّر بصعود التقنيات المنخفضة الكربون. يتناول هذا الفصل دور التقنيات المنخفضة الكربون في سياسات قطر الداخلية والخارجية.

 

اقتصاد يعتمد على الطاقة وتغيّر المناخ

ارتبطت عمليةُ بناء الدولة الحديثة في قطر وتعزيز هويتها الوطنية واستقلالها ارتباطاً تكامليّاً بإنتاج الطاقة وإيرادات صادرات الوقود الأحفوري التي تدفّقت إلى خزينة الدولة. علاوة على ذلك، اعتمدت قطر على مر التاريخ وبشكلٍ شبه كامل على النفط الثقيل الكربوني والغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة. وفي ظل تطوّر البنى التحتية السريع في هذه الدولة-المدينة الحضرية التي تواجه تحدّيات مناخية، اضطر صانعو القرار القطريون إلى إعطاء الأولوية لتلبية الطلب المحلّي على الطاقة. وقد صادقت قطر على اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغيّر المناخ في العام 1996 ووقّعت على بروتوكول كيوتو في العام 2005. وفي العام 2008، أطلقت الحكومة رؤية قطر الوطنية 2030 التي حدّدت مجموعةً من الطموحات لمستقبل البلاد شملت التنويع الاقتصادي وحماية البيئة والتنمية المستدامة. واستعرضت هذه الوثيقة كذلك الإنجازات التكنولوجية في مجال إنتاج الطاقة، بالإضافة إلى السياسات الاستباقية للحدّ من آثار تغيّر المناخ.

 

استضافت قطر في العام 2012 مؤتمر الأمم المتحدة الثامن عشر لتغيّر المناخ (COP18) الذي شارك فيه أكثر من عشرين ألف مندوباً من أجل مناقشة العمل المناخي. ووقّعت الدوحة عام 2016 على اتفاق باريس وصادقت عليه لاحقاً، ويمكن رؤية نتائجه على مستويات متعدّدة. وفي العام 2019، تعهّد أمير قطر بتقديم 100 مليون دولار لدعم الدول الصغيرة والنامية بغية معالجة قضية تغيّر المناخ. وضعت الخطة الوطنية لتغيّر المناخ لاحقاً، والتي تمّت الموافقة عليها في العام 2021، الإطارَ الإستراتيجي لأهداف الاستدامة في قطر بغية خفض انبعاثات الكربون بنسبة 25 في المئة وتحقيق توازن في دورها كمنتجة رئيسية للغاز الطبيعي المسال.1

 

تهدف قطر إلى الوفاء بالتزاماتها المناخية العالمية والاستعداد لتلبية احتياجات مستوردي الطاقة المنخفضة الكربون المستقبليين وضمان عقود موثوقة وطويلة الأجل لصداراتها من الغاز الطبيعي. ويَعتبر الكثيرون الغاز الطبيعي وقوداً انتقالياً يمكنه سدّ الفجوة بين الوقود الأحفوري التقليدي ومصادر الطاقة المتجدّدة. فهو أقل انبعاثاً للكربون مقارنة بمصادر الوقود الأحفوري الأخرى، ما يجعله عنصراً محورياً في أهداف قطر الإستراتيجية الرامية إلى الحفاظ على موثوقية صادرات الطاقة وخفض الانبعاثات في الوقت عينه. لقد أثبتت مبادرات بقيادة الدولة والابتكارات في مجال التقنيات المنخفضة الكربون، على رأسها تنظيم حوار قطر الوطني حول تغيّر المناخ (بالشراكة مع جهات دولية مثل ألمانيا) سنوياً، أهميّتها في تعزيز مرونة الطاقة المحلّية في قطر.

 

لقد حثّ التركيز المطّرد على إزالة الكربون والتقنيات الناشئة قطر على اعتماد مصادر الطاقة الأنظف وتطبيق إجراءات الحدّ من الآثار وتنويع حافظتها المتعلّقة بالطاقة. ويتضمّن هذا التحوّل توسيع عروض الطاقة النظيفة والتقليدية وفي الوقت نفسه اعتماد مصادر الطاقة المتجدّدة بشكلٍ تدريجي وإطلاق مبادرات لكفاءة استخدام الطاقة، بالإضافة إلى الاستثمار في البحوث والتقنيات الجديدة التي ستعزّز التحوّل بعيداً عن الهيدروكربونات.

 

بهدف تلبية الطلب المحلّي على الطاقة، لا تستثمر قطر في مصادر جديدة للطاقة فحسب بل أيضاً في تسحين كفاءة استخدام الطاقة والمياه وكهربة المواصلات المحلّية. وتُعزَّز كفاءة استخدام الطاقة من خلال برنامج “ترشيد”،2 وهو مبادرة تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة عبر مختلف القطاعات، لا سيما السكنية والتجارية والصناعية. في الوقت عينه، تُشكّل المركبات الكهربائية جزءاً من الإستراتيجية الرامية إلى خفض انبعاثات الكربون المحلّية.3 وقد أعلنت الدولة عن خطة طموحة لزيادة اعتماد المركبات الكهربائية، مدعومة بشبكةٍ من محطات الشحن بهدف خفض الانبعاثات الصادرة عن قطاع النقل.

 

في الوقت نفسه، يشهد حقل الشمال في قطر، وهو أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، توسيعاً ملحوظاً بهدف زيادة قدرة الإنتاج بشكلٍ جذري. لن يؤدّي هذا التطوير الطموح إلى تعزيز قدرات قطر التصديرية فحسب، بل أيضاً إلى استعادة مكانتها كأكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهي مكانة احتلّتها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة. ويشكّل مشروع التوسيع جزءاً من إستراتيجية قطر الطويلة الأجل لضمان هيمنة سوق الطاقة وتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة الأنظف. لهذا الغرض، أقامت شركة الدولة للهيدروكربونات “قطر للطاقة” شراكات مع عددٍ من الشركات الدولية الكبرى في مجال الطاقة، بما فيها “إكسون موبيل” (الولايات المتحدة الأمريكية) و”توتال إينرجي” (فرنسا) و”شيل” (المملكة المتحدة/هولندا) و”كونوكوفيليبس” (الولايات المتحدة) و”إيني” (إيطاليا) و”شيفرون” (الولايات المتحدة” و”مؤسسة البترول الوطنية الصينية” (الصين) و”شركة الصين للنفط والكيماويات” أو “صينوپك” (الصين) وشركة الغاز الكورية “كوغاز” (كوريا الجنوبية).4 وتعكس هذه الشراكات الطبيعة العالمية لصناعة الطاقة بحدّ ذاتها ودور قطر المركزي كمزوّد للطاقة.

 

قد يساعد توسيع استخدام الغاز الطبيعي المسال في تعزيز أمن الطاقة الإقليمي. في الواقع، يزداد تركيز منطقة الخليج، بما فيها الحوارات حول الطاقة والمناخ في مجلس التعاون الخليجي، على دور الغاز الطبيعي المسال المحتمل في قضايا أمن الطاقة والمرونة والتكامل ومواجهة تحدّي تغيّر المناخ. لقد أثبتت احتياطيات قطر الوفيرة من الغاز الطبيعي والإستراتيجيات الاستباقية المتعلّقة بالطاقة في مجلس التعاون الخليجي تأثيرها الكبير. وقد تجسّد ذلك في صفقات مع الكويت وفي مشروع “الدولفين” مع الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان.5

 

مقاربة قطر إزاء التقنيات الجديدة

 

في حين أنّ قطر قد وضعت الغاز الطبيعي المسال في صلب إستراتيجيتها للطاقة، قد تزعزع التقنيات الناشئة مثل المفاعلات النمطية الصغيرة والوقود الإلكتروني والهيدروجين والكهربة، سوق الغاز الطبيعي المسال في قطر من خلال تقديم بدائل أنظف وأكثر تنافسية. توفّر المفاعلات النمطية الصغيرة، التي تحظى باهتمام متزايد في الدول الكثيفة الاستهلاك للطاقة في آسيا وأوروبا، توليد الطاقة بشكلٍ مرن ومنخفض الكربون.6

 

يستكشف شركاء قطر وحلفاؤها في مجال الطاقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا، الذين يستخدمون الطاقة النووية، المفاعلات النمطية الصغيرة كبديلٍ إستراتيجي، ما قد يؤدّي إلى تخفيض واردات الغاز الطبيعي المسال لتوليد الطاقة. ويقدّم “الوقود الإلكتروني”—أي الوقود الاصطناعي المشتق من الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون—حلولاً محايدة للكربون لقطاعات مثل الطيران والشحن، ما يجذب الصناعات التي لطالما اعتمدت على الغاز الطبيعي المسال.7

 

يُشكّل الهيدروجين، لا سيما “الأخضر” أو “الوردي” منه، وقوداً متعدّد الاستخدامات وخالياً من الانبعاثات ويمكنه أن يحل مكان الغاز الطبيعي المسال بشكلٍ تدريجي في توليد الطاقة والعمليات الصناعية مع تحسّن البنى التحتية وتكاليف الإنتاج. ويمكن أن يقترن ذلك بالانتقال إلى المصادر المتجدّدة مثل الرياح والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الشمسية (الهيدروجين الأخضر) والطاقة النووية (الهيدروجين الوردي). وتقدّم تقنيات ناشئة أخرى مثل تحلّل الكربون الحراري وسيلةً لإنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعي من دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما قد يحوّل الغاز الطبيعي المسال إلى مصدرٍ منخفض الكربون.8

 

وبهدف الحدّ من الانبعاثات الصناعية، تعتمد قطر على تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه لخفض الانبعاثات المتأتية من إنتاج الغاز الطبيعي. وأصبحت الآن تبني على خبراتها في مجال إنتاج الغاز الطبيعي لكي تصبح رائدة في سوق الهيدروجين من خلال الاستثمارات في الأمونيا الزرقاء، التي تُعدّ وسيلة فعّالة لنقل الهيدروجين ويمكن استخدامها كوقود نظيف وتتماشى مع الجهود العالمية الرامية إلى بناء اقتصاد الهيدروجين.9

 

لقد استثمرت قطر أيضاً كثيراً في مشاريع الطاقة المتجدّدة على الصعيد الداخلي، مع تركيزٍ خاص على الطاقة الشمسية. وقد أعلنت “قطر للطاقة” عن بناء محطّات متعدّدة للطاقة الشمسية، بما فيها محطة الخرسعة للطاقة الشمسية بقدرة 800 ميغاوات، بالإضافة إلى مشروع الطاقة الشمسية للمدن الصناعية بقدرة إجمالية تبلغ 875 ميغاوات، ومحطة دُخان للطاقة الشمسية بقدرة 2 جيغاوات. تعكس هذه الاستثمارات التزام دولة قطر بتعزيز قطاع الطاقة المتجدّدة وبتحقيق قدرة إجمالية للطاقة المتجددة تبلغ 4 جيغاوات بحلول نهاية العقد.10

 

رغم ذلك، تبقى قطر إحدى أكبر الدول في العالم من حيث انبعاثات غازات الدفيئة للفرد، بسبب الانبعاثات الناتجة عن صناعة الهيدروكربونات واعتمادها على الكهرباء للتبريد وتحلية المياه. علاوة على ذلك، تساهم العمليات الصناعية، مثل إنتاج الأسمنت والفولاذ والبتروكيماويات، بشكل ملحوظ في الانبعاثات، نتيجة احتراق الوقود والتفاعلات الكيميائية في خلال عملية الإنتاج. ويضيف قطاع النقل، بما فيه المركبات العامة والخاصة، إلى الانبعاثات، رغم أنّ تأثيره أقل مقارنة بقطاعَي الطاقة والصناعة. أمّا الانبعاثات من القطاعَين السكاني والتجاري، فترتبط بشكلٍ رئيسي باستهلاك الكهرباء المرتفع، لا سيما مكيّفات الهواء.11

 

أدخلت قطر مجموعة من إستراتيجيات التخفيف والتحوّل بهدف معالجة هذا التحدّي. على سبيل المثال، أعطى مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار (QRDI) الأولوية لتطوير التقنيات المنخفضة الكربون الطويلة الأجل وهي جهود تُعتبَر أساسية لمعالجة التحدّيات التقنية وضمان مكانة قطر في التحوّل العالمي في مجال الطاقة. علاوة على ذلك، بينما تكمن مَهمّة جهاز قطر للاستثمار في تنويع الاقتصاد القطري والحدّ من اعتماده على الهيدروكربونات في الداخل كما في الخارج، تعكس حافظة قطر أيضاً استثمار الدولة ومصلحتها الإستراتيجية في التقنيات المنخفضة الكربون. ويشمل ذلك الاستثمار في مصادر الطاقة المتجدّدة في الخارج، مثل شراكات الطاقة المتجددة على نطاق واسع في أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، يستثمر جهاز قطر للاستثمار في الشركات الأجنبية المتخصّصة في تقنيات البطاريات التي تُعدّ حيوية بالنسبة إلى تخزين الطاقة.

 

 

جيوسياسات الطاقة والتقنيات المنخفضة الكربون

 

تواجه دول متعدّدة منتجة للطاقة اليوم تحدّيات ناتجة عن المقاربات العالمية التي تعطي الأولوية لأمن الطاقة والتكنولوجيا المنخفضة الكربون. غير أنّ قطر تبدو استباقية في فهمها لأبعاد هذه السياسات العالمية الإستراتيجية المهمة. فقد أظهرت على سبيل المثال حساً قيادياً عالمياً في العام 2023 عندما استضافت مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بالدول الأقل نمواً (LDC5) وسلّطت الضوء على قضايا تغيّر المناخ والحاجة إلى تمويل التقنيات المنخفضة الكربون وتطويرها. واعتمد المؤتمر برنامج عمل الدوحة (DPoA)12 الذي كان قد ناقش في السابق تحدّي أمن الطاقة المتنامي وكيفية الاستفادة من التقنيات المنخفضة الكربون. وتعهّدت قطر بتقديم مبلغ 60 مليون دولار لتطبيق برنامج عمل الدوحة والمساعدة في بناء القدرة على الصمود في الدول الأقل نمواً.

 

تستمدّ قطر بعض سمات القوّة من الوقائع الجيوسيتراتيجية التي تحدّد دورها كدولة صغيرة إنّما كمنتجة ومصدّرة رئيسية للغاز الطبيعي المسال. تتجلّى الأبعاد الدولية الرئيسية لسمات القوة هذه في الاستقلالية النسبية لأجندتها المتعلّقة بالسياسة الخارجية وصناعة القرارات وتوفير الموارد. في خلال العقد الماضي، سمح ذلك لقادة قطر بمواجهة القطيعة الإقليمية واستضافة كأس العالم لكرة القدم الذي يُعدّ أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم وأهمّها والإيفاء بالتزاماتها الدستورية لاستخدام السياسة الخارجية ليس للمصالح الوطنية فحسب، بل أيضاً لترسيخ النظام الدولي القائم على القواعد والاضطلاع بدور حيوي كصانعة للسلام.

 

تتجلّى هذه النقطة الأخيرة في سجلّ قطر العالمي الفريد في مجال الوساطة ليس في الشرق الأوسط فحسب بل أيضاً في مناطق أخرى مثل أوروبا وأمريكا الجنوبية.13 علاوة على ذلك، شجّع الاعتراف بحياد قطر وتوازنها وموثوقيتها القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا على الاعتماد على الوساطة القطرية في التفاوض لحلّ بعض النزاعات الأكثر تعقيداً.

 

 

آفاق السياسات

 

على مرّ العقد الفائت، وجّه صانعو القرار في قطر سياساتها الوطنية والخارجية نحو اتّخاذ قرارات استباقية في مجال الطاقة (بما فيها التقنيات منخفضة الكربون). وقد ترسّخت صلةٌ وثيقة بين الإستراتيجيات الوطنية التي تعالج قضايا الاقتصاد والتنويع وتمويل البحوث والابتكار—بالإضافة إلى قطاع الطاقة والسياسات المتعلّقة بالمناخ والبيئة. وقد شدّدت وزيرة الدولة للتعاون الدولي السابقة لولوة راشد الخاطر على قدرة قطر على “التوفيق بين أولوياتها المتعدّدة، من النمو الاقتصادي إلى الإدارة البيئية إلى التنمية البشرية والاجتماعية…لا سيما على خلفية تزايد الطلب المحلّي والعالمي على الطاقة”.14

بيد أنّ صانعي القرار في هذه الدولة الصغيرة، التي تواجه تحدّيات متزايدة مثل التصحّر وارتفاع درجات الحرارة ومستويات سطح البحر وغيرها من الضغوط المتعلّقة بالبيئة وتغيّر المناخ، يُدركون أنّه لا يمكنهم المضي قدماً بمفردهم. لقد أدّت التقنيات المنخفضة الكربون دوراً مهمّاً في نجاح قطر ومن المحتمل أن يتعاظم هذا الدور مستقبلاً. ومع ذلك، يبرز بعض القلق من أنّ وتيرة اعتماد الطاقة المتجدّدة كانت أبطأ من المتوقّع، وهو ما لا يتماشى جيداً مع طموحات قطر الوطنية الأوسع للتنمية وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية.

 

على الصعيد العالمي، يمرّ مستهلكو الطاقة القطرية بمراحل مختلفة من تحوّلهم في مجال الطاقة. لقد سرّعت أوروبا انتقالها إلى الطاقة المتجدّدة، مركّزةً على طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية كجزءٍ من أهدافها المناخية. وسلّطت أزمة الطاقة في العام 2022 الضوء على اعتماد أوروبا على الغاز المستورد، لا سيما من روسيا، ما دفعها لبذل جهود لتنويع مصادرها وزيادة واردت الغاز الطبيعي المسال من خارج أوروبا ومشاريع الطاقة المتجدّدة.15 في هذه الأثناء، حوّلت روسيا صادراتها من النفط والغاز نحو الأسواق الآسيوية مثل الصين والهند، حيث لا يزال الوقود الأحفوري مهيمناً—لا سيما طلب الصين على الفحم. ويزداد الإقبال على الغاز الطبيعي المسال في هذه الدول، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية. وتُنوّع الدول الأربعة إمداداتها وتستثمر في الطاقة المتجدّدة والبدائل.16 تسيطر الصين على العالم من حيث قدرة الطاقة المتجدّدة.17 في المقابل، تنظر اليابان من جديد في إمكانية الطاقة النووية، بعد عقدٍ على كارثة فوكوشيما.18

 

 

الخاتمة

ستؤدّي العوامل الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية جميعها دوراً في تحديد سرعة تحوّل قطر في مجال الطاقة. تُشكّل الكلفة المرتفعة لتوسيع نطاق التقنيات، كإنتاج الهيدروجين واحتجاز الكربون، عائقاً جديداً. في الواقع، تتطلّب هذه التقنيات استثمارات كبيرة في البحوث والبنى التحتية، وينبغي على قطر الاستمرار في الابتكار من أجل تجاوز هذه العقبات. في الوقت نفسه، يتعيّن عليها أن تبقى في المقدّمة من خلال الاستثمار في التقنيات الناشئة وتعزيز الشراكات الدولية.

 

غير أنّ المبادرات المحلّية سبق أن كان لها تأثير إيجابي من خلال توجيه المقاربات الجديدة نحو التكنولوجيا المنخفضة الكربون في قطاع الإنتاج والصناعة بأكمله في قطر، ما يُعتبر من حيث الاستثمار بأنّه يُعزّز سمعة قطر الوطنية في الموثوقية والاستقرار والابتكار في منطقةٍ بعيدة كل البعد عن الاستقرار. على سبيل المثال، تُطبّق قطر سياسة تُركّز على العائدات والربحية واستقرار الأسعار ليس لنفسها فحسب، بل أيضاً لباقي العالم في خلال تحوّله.

 

وقد أثبتت قطر أيضاً استعدادها ليس لتوجيه مواردها نحو هذا المسعى فحسب، بل أيضاً لبناء القدرة على تحفيز مقاربة دينامية ومتنوّعة إزاء قطاع الطاقة الوطنية، حتى ولو كانت تدعم البدائل منخفضة الكربون وتستثمر فيها في بلدان أكثر تأثّراً بتغيّر المناخ (على غرار الجزر الصغيرة النامية). تجعل هذه السياسات مجتمعةً المستقبل يبدو أكثر خضاراً في هذه الدولة الصحراوية الصغيرة وغيرها من الدول المتأثّرة بالمناخ.


Endnote
1 Government Communications Office of Qatar, “Environment and Sustainability,” accessed November 1, 2024, https://www.gco.gov.qa/en/focus/environment-and-sustainability/.
2 Kahrama (Qatar General Water and Electricity Corporation), “Tarsheed,” accessed December 15, 2024, https://www.km.qa/Tarsheed/Pages/TarsheedIntro.aspx.
3 Ministry of Transport, “Ministry in Final Stages on Electric Vehicle Strategy and Legislation,” February 15, 2020, accessed December 15, 2024, https://www.mot.gov.qa/en/news/ministry-final-stages-electric-vehicle-strategy-and-legislation.
4 Ron Bousso, Sabrina Valle and Marwa Rashad, “Eni to Join Exxon, Total, Shell, Conoco in Qatar’s Mega -LNG Expansion – Sources,” Reuters, June 8, 2022, accessed December 15, 2024, https://www.reuters.com/business/energy/eni-join-exxon-total-shell-conoco-qatars-mega-lng-expansion-sources-2022-06-08/.
5 “About Dolphin Energy,” Dolphin Energy, accessed December 15, 2024, https://www.dolphinenergy.com/about.
6 Logan Cochrane, Dhabia Al Mohannadi, Sa’d Shannak, Yoshihide Wada, Esra Al Eisa and Mohamad Hejazi, “Future Energy Breakthroughs: Implications for the Hydrocarbon Economies of the Arabian Gulf,” Global Challenges 8,  Issue 12, (2024), https://doi.org/10.1002/gch2.202400151.
7 M. N. Uddin and Feng Wang, “Fuelling a Clean Future: A Systematic Review of Techno-Economic and Life Cycle Assessments in E-Fuel Development,” Applied Sciences 14, no. 16 (2024), https://doi.org/10.3390/app14167321.
8 Mohammad Lameh, Patrick Linke, and Dhabia M. Al-Mohannadi, “Carbon Neutral Energy Systems: Optimal Integration of Energy Systems with CO₂ Abatement Pathways,” AIChE Journal 70, no.11 (2024) , https://doi.org/10.1002/aic.18568.
9 QatarEnergy, QatarEnergy 2023 Sustainability Report, (2023), (Doha, Qatar: Qatar Energy, 2023), 47, https://www.qatarenergy.qa/en/MediaCenter/Publications/QatarEnergy%202023%20Sustainability%20Report.pdf
10 “QatarEnergy Announces New Solar Power Mega Project to More Than Double Qatar’s Solar Energy Production,” The Peninsula, September 1, 2024, accessed December 15, 2024, https://thepeninsulaqatar.com/article/01/09/2024/qatarenergy-announces-new-solar-power-mega-project-to-more-than-double-qatars-solar-energy-production.
11 Ministry of Development Planning and Statistics of Qatar, Qatar Second National Development Strategy 2018–2022, (2018), (Doha, Qatar: Planning and Statistics Authority, September 2018], 121,  https://www.npc.qa/en/planning/Documents/nds2/NDS2Final.pdf.
12 United Nations, “A New Era of Solidarity for the World’s Least Developed Countries: UN Gathering in Doha Concludes,” Africa Renewal, March 9, 2023, accessed December 15, 2024, https://www.un.org/africarenewal/magazine/march-2023/new-era-solidarity-world%E2%80%99s-least-developed-countries-un-gathering-doha-concludes.
13 Beverley Milton-Edwards, “Small States Big Conflicts: Strategic Analysis of Qatar’s Conflict Resolution Initiatives.” Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies 18, Issue 3, (2024): 1-16.
https://doi.org/10.1080/25765949.2024.2411103
14 Lolwah R. Al-Khater, “Small States and Climate Change: The Case of Qatar,” The Wilson Center, September 30, 2020, accessed December 15, 2024, https://www.wilsoncenter.org/article/small-states-and-climate-change-case-qatar.
15 Global Energy Crisis, International Energy Agency accessed December 15, 2024, https://www.iea.org/topics/global-energy-crisis.
16 Shafiqul Alam et. al, Global LNG Outlook 2024-2028, (Lakewood, Ohio: Institute for Energy Economics and Financial Analysis – IEEFA, April 25, 2024), 28-37, https://www.energy.gov/sites/default/files/2024-06/067.%20IEEFA%2C%20Global%20LNG%20Outlook%202024-2028.pdf.
17 Jillian Ambrose, “China to Head Green Energy Boom with 60% of New Projects in Next Six Years,” The Guardian, October 9, 2024, accessed December 15, 2024, https://www.theguardian.com/environment/2024/oct/09/china-to-head-green-energy-boom-with-60-of-new-projects-in-next-six-years.
18 Ministry of Economy, Trade and Industry of Japan (METI), Strategic Energy Plan, (Tokyo, Japan: METI, October 2021), 23-24, https://www.enecho.meti.go.jp/category/others/basic_plan/pdf/strategic_energy_plan.pdf.