بناء سوريا جديدة بعد نظام الأسد

يناير 15، 2025

الأربعاء، يناير 15، 2025
4:00 م - 5:15 م
عبر منصة زوم

ملخص

يُشكِّل سقوط نظام الأسد في سوريا نقطة تحوّل حاسمة تُنذر ببدء حقبة معقّدة من التغيير وعدم اليقين، من المتوقّع أن تملؤها تحدّيات وفرص على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لقد أدّت هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقاً بأبو محمد الجولاني)، دوراً رئيسياً في التخطيط لسقوط النظام، وهي تعمل حالياً على إدارة العملية الانتقالية، معتمدةً إلى حدّ كبير على خبرتها في إدارة السلطة في إدلب. وإلى جانب الفصائل المتمرّدة الأخرى، عزّزت هيئة تحرير الشام سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد، وأعادت تشكيل المشهد السياسي السوري، في حين تعيد الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية ضبط إستراتيجياتها. ويظلّ التحدّي الأكبر متمثّلاً في ضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، الذين لا يزال الكثير منهم ضيوفاً مؤقّتين في الدول المجاورة.

ينظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوة عبر الانترنت للنظر في كيفية التعامل مع التحدّيات المرتبطة بتعزيز الأمن، وبناء الدولة، والحوكمة الشاملة، وحماية الأقليّات، والإغاثة الإنسانية، والإنعاش الاقتصادي في سوريا، على الرغم من مخلّفات عقود من الحكم البعثي والآثار الناجمة عن الحرب الأهلية التي استمرّت 13 عاماً. وستتناول الندوة أيضاً إلى تداعيات انهيار نظام الأسد على الدول المجاورة مثل فلسطين ولبنان، والمنظّمات المدعومة من إيران التي تقاوم الطموحات التوسّعية الإسرائيلية وتساهم في تصاعد التوتّر الإقليمي. وسيناقش المشاركون العلاقات الإقليمية بين شمال شرق سوريا وأمن الحدود مع الأردن والعراق وتركيا وإسرائيل.

هذه الندوة هي جزء من سلسلة ندوات سينظّمها مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وتهدف إلى دعوة الخبراء لتقديم رؤى قائمة على الأدلّة حول المسار الانتقالي في سوريا، ودراسة الآثار الأوسع على الاستقرار الإقليمي والسياسات الدولية.

 

حايد حايد، زميل استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

  • لم يشكّل سقوط نظام الأسد حدثاً مفاجئاً، بل جاء نتيجة عقد من المقاومة التي قادتها مجموعات مختلفة. وشاركت في هذا الصراع فصائل مسلّحة وسياسية مختلفة، فضلاً عن مجموعات المجتمع المدني، وبالتالي، لا بدّ من إدراجها في بنية الحكم المستقبليية من أجل تحقيق الاستقرار.
  • لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (SDF) والجيش الوطني السوري جهتين فاعلتين أساسيتين، إذ يسيطران على مساحات كبيرة من الأراضي ويتّسمان بنفوذ كبير. ولا شكّ أنّ ضمان تعاونهما أمر مهمّ لا لتوحيد الأراضي فحسب، بل للحفاظ على السلام على المدى الطويل على حدّ سواء. وقد يهدّد عدم إشراكهما في الإطار السياسي باستمرار التشرذم وعدم الاستقرار.
  • تحوّلت هيئة تحرير الشام من منظّمة مسلّحة إلى كيان سياسي، إلّا أنّها لا تزال تواجه صعوبة في توحيد فصائل المعارضة. ويثير تاريخها المثير للجدل، بسبب أيديولوجيتها وممارساتها المتطرّفة، الشكوك في صفوف الجهات الفاعلة المحلية والدولية.
  • تشكّل الجهات السياسية الفاعلة، مثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التفاوض السورية، عنصراً أساسياً في تشكيل عملية الانتقال السياسي. ومع ذلك، لا تزال هذه الجهات منقسمة حول كيفية الدمج بين أدوارها وخطط هيئة تحرير الشام للحكم. ويشكّل بناء التوافق في الآراء بين هذه الفصائل تحدّياً رئيسياً للفترة المقبلة.
  • يبقى الخلاف حول المشاركة الجماعية مقابل الفردية من أهمّ القضايا التي تعترض عملية الدمج. ففي حين تفضّل هيئة تحرير الشام انضمام الأفراد إلى النظام، تصرّ مجموعات المعارضة على الانضمام ككيانات جماعية. ويبقى حلّ هذا التوتر أساساً لإنشاء إطار سياسي موحّد.
  • على الرغم من مزاعم هيئة تحرير الشام حول الشمولية والإصلاحات، إلّا أنّ الشكوك الدولية لا تزال مرتفعة بسبب ممارساتها للحوكمة سابقاً. وتحافظ الجهات الفاعلة الغربية على حذرها بشأن المشاركة، ولم يتمّ بعد تحديد معايير ملموسة للشمولية وتمثيل الاقليات.

 

مروان قبلان، مدير تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

  • تتطلّب إعادة إرساء الاستقرار في سوريا إحراز تقدّم على ثلاث جبهات مترابطة: الأمن، والحوكمة، والتعافي الاقتصادي. ولا بدّ من أن تتقدّم هذه الركائز في الوقت نفسه، إذ إنّ إهمال واحدة منها قد يؤدّي إلى تقويض الركائز الأخرى.
  • تصرّ الفصائل المسلّحة مثل قوات سوريا الديمقراطية والميليشيات الأخرى على ضمانات دستورية وأدوار واضحة في مستقبل سوريا قبل الموافقة على نزع السلاح. ويتّسم تعاونها بالأهمية للانتقال من السيطرة المسلّحة المجزّأة إلى جهاز أمني مركزي.
  • ويبقى وجود إطار سياسي شامل ضرورياً لرفع العقوبات وجذب الاستثمارات الأجنبية. فمن دون إطار مماثل، لا يمكن تحقيق إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
  • وفي حين تحوّل خطاب الحكومة الانتقالية إلى التأكيد على الحوار الوطني والإصلاح الدستوري، إلّا أنّ التنفيذ لا يزال يشكّل تحدّياً. إنّ المحادثات بشأن تشكيل لجنة دستورية والحكم الشامل واعدة إلّا أنّه يجب أن تكون مدعومة بخطوات عملية. وسيعتمد نجاح هذه الإصلاحات على قدرتها على تلبية احتياجات السوريين كافة.
  • تظلّ مشألة العلويين والأكراد من دون حلّ، ما يشكّل مخاطر كبيرة على الوحدة في الأمد البعيد. فمن دون معالجة هذه القضايا، تبقى احتمالات تجدّد الصراع وعدم الاستقرار مرتفعة.
  • ستؤدّي الجهات الفاعلة الخارجية، بما فيها الولايات المتحدة والقوى الإقليمية، دوراً بارزاً في تشكيل مسار سوريا. ولا بدّ من أن تركّز مشاركتها على تعزيز الاستقرار بدلاً من السعي إلى تحقيق مصالح جيوسياسية ضيقة.

 

أروى ديمون، رئيسة ومؤسّسة الشبكة الدولية للعون والغوث والمساعدة، INARA

  • لقد تسبّب الصراع السوري في معاناة إنسانية شديدة، إذ أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص واختفاء الآلاف وتهجير الملايين. وتبقى معالجة هذه الصدمة أمراً أساسياً لإعادة بناء الثقة في الحكومة وتعزيز التماسك المجتمعي.
  • تّعدّ المصالحة المجتمعية أمراً ضرورياً لإصلاح النسيج الاجتماعي المفتّت في سوريا، والذي دمّرته سنوات من الصراع. ولا بدّ أن تعالج البرامج التي تركّز على الدعم النفسي والتعافي من الصدمات الندوب الغائرة التي خلّفتها أعمال العنف والنزوح.
  • لقد تأثّر الأطفال بالحرب بشكل غير متناسب بسبب الحرمان الشديد والفقدان. بالتالي، من شأن توفير مساحات آمنة وفرص اللعب والتعليم أن يساعدعم على استعادة الشعور بالحياة الطبيعية.
  • على المنظمات المحلّية، التي اكتسبت خبرة كبيرة في أثناء الصراع، أن تتولّى قيادة الجهود الإنسانية. وسيضمن تمكين هذه المجموعات من خلال بناء القدرات والدعم المالي الذي توفّره الجهات الفاعلة الدولية تقديم المساعدات بطريقة فعّالة ومراعية للاعتبارات الثقافية.
  • يتعيّن على الجهات الفاعلة الدولية الحدّ من التدخّل السياسي والسماح للسوريين بقيادة جهود إعادة الإعمار بأنفسهم. إذ غالباً ما يؤدّي التأثير الخارجي المفرط إلى زيادة الانقسامات وتقويض المبادرات المحلّية. فدعم العمليات التي يقودها السكان المحلّيون من شأنه أن يؤدّي إلى نتائج أكثر استدامة.
  • ويجب التعامل مع المساعدات الإنسانية على أنّها ركيزة أساسية للاستقرار، وليس مجرّد قضية ثانوية. وتُعدّ تلبية الاحتياجات الفورية مثل الأمن الغذائي والرعاية الطبية أمراً بالغ الأهمية لتعزيز السلام. فضمان تلبية هذه الاحتياجات من شأنه أن يساعد في بناء الثقة في الإدارة الجديدة.

 

حفصة حلاوة، باحثة غير مقيمة، معهد الشرق الأوسط

  • تعدّ العدالة الانتقالية أساساً لمعالجة عقود من الفظائع التي ارتُكبت في ظلّ نظام الأسد وتعزيز المصالحة. ويمكن لآليات مثل لجان الحقيقة والمساءلة القانونية أن تمنح الراحة للمتأثّرين بالحرب وأسرهم. كما تساعد هذه العمليات على ترسيخ الثقة في المؤسّسات الجديدة من خلال إظهار الالتزام بالعدالة.
  • ولصياغة سردية وطنية لا بدّ من إعطاء الأولوية للدمج والتمثيل في قطاعات المجتمع السوري كافة. وسيسهم إشراك المجتمعات المهمّشة في عملية الانتقال في بناء الشعور بالهوية المشتركة. ويبقى هذا الدمج أساسياً لمنع عودة الانقسامات التي أجّجت الصراع.
  • تشكّل المساءلة عن الجرائم المرتكبة على مدى السنوات الخمسين الماضية أمراً أساسياً لإعادة بناء الثقة في المؤسّسات. وعلى الرغم من أنّ تحقيق العدالة الكاملة قد لا يكون ممكناً، إلّا أنّه من شأن العمليات الشفافة أن تساعد السوريين في التصالح مع تاريخهم المشترك والمضي قدماً.
  • لقد أدّى نزوح الملايين من السوريين إلى حشد مجتمع مدني قوي، سواء على المستوى المحلّي أو الخارجي. وينبغي الاستفادة من هذا المورد لدفع جهود إعادة الإعمار وإرشاد عملية صنع السياسة في الفترة الانتقالية.
  • ستحدّد المصالحة مع الماضي، حتّى في غياب العدالة الكاملة، هوية سوريا الوطنية الجديدة. ويتعيّن على السوريين أن يواجهوا إرث نظام البعث من أجل بناء مستقبل أكثر ديمقراطية وشمولاً. وستتطلّب هذه العملية الصبر والدعم المستمر من المجتمع الدولي.
  • ستؤثّر الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، بما فيها الدول الخليجية والقوى الغربية، في عملية الانتقال في سوريا. ومع ذلك، يجب على مشاركتها أن تعطي الأولوية للسيادة السورية وتمكين هيكل الحكم المحلي.

 

واختتمت الندوة بفقرة أسئلة وأجوبة تناولت التنافسات الإقليمية والعقوبات الدولية ودور الدول الخليجية في تعافي سوريا. وتركّزت الأسئلة حول تعقيدات إيجاد التوازن بين التأثيرات الخارجية والسيادة السورية، مؤكدّة على أهمية تمكين المجتمع المدني السوري ومعالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية. كما تمّ استكشاف تحدّيات التعامل مع هياكل الحكم الانتقالي مثل هيئة تحرير الشام، فضلاً عن تأثير القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة وتركيا وإيران على مسار سوريا. وتطرأ الحاجة إلى بذل جهود دولية منسّقة لدعم الحوار الشامل وإعادة بناء الثقة وإعطاء الأولوية لاحتياجات الشعب السوري قبل المصالح الجيوسياسية.

مدير الجلسة

زميلة زائرة

المتحدثون

حايد حايد
زميل استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
أروى ديمون
رئيسة ومؤسّسة الشبكة الدولية للعون والغوث والمساعدة، INARA
حفصة حلاوة
باحثة غير مقيمة، معهد الشرق الأوسط
مروان قبلان
مدير تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات