تدخل الحرب في السودان، التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلّحة السودانيّة وقوات الدعم السّريع، شهرها الثامن عشر، ولا تبدو نهايتها قريبة. ويواجه السودان منذ ذلك الحين “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة” أدّت إلى نزوح خُمس السكان وعرّضت أكثر من 755 ألف شخص للمجاعة. وقد تدهور الوضع أكثر فأكثر مع الدمار الشديد الذي طال البنية التحتية وتأكيد حالات الكوليرا في أجزاء من البلاد. ومع تحذير الخبراء من إبادة جماعية أخرى في دارفور واتّهام طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب، فشلت جهود الوساطة التي قادتها الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، وآخرها المحادثات في جنيف، في التوصّل إلى وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، ينّظم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة ندوة عبر الإنترنت يشارك فيها خبراء في الشأن السوداني لمناقشة الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي نتجت عن الحرب في السودان وتبعاتها الإقليمية والدولية. سيجيب المشاركون عن أسئلة تتعلّق بالحرب المستمرّة، بما في ذلك: ما هي التحديات الأكثر إلحاحاً التي يواجهها المدنيّون على الأرض؟ وما هي الإستراتيجيات التي يمكن استخدامها لحماية السكان المعرَّضين للخطر، وتحديداً في دارفور؟ ما هي العوامل الرئيسية التي تؤثر في جهود الوساطة؟ ما هو الدور الذي تؤدّيه الجهات الفاعلة الخارجيّة في الصراع، وكيف ينعكس ذلك على آفاق السلام؟ وأخيراً، ما هي تداعيات الحرب على استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
مدير الجلسة: أحمد مرسي
نفيسة الطاهر، صحفية في رويترز
- قدّمت الطاهر سياقاً مفصّلاً للصراع السوداني، من خلال وصف تقسيم السيطرة ما بين القوات المسلّحة السودانيّة وقوّات الدعم السريع. وأشارت إلى أنّ القوات المسلّحة السودانية تهيمن على شمال السودان وشرقه بينما تسيطر قوّات الدعم السريع على مناطق أساسية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم والمناطق الغربيّة مثل دارفور.
- وأكّدت الطاهر على التفتت الداخليّ ضمن القوّتين. فالقوات المسلّحة السودانيّة تعتمد على مزيج من الميليشيات العرقية لتعزيز قوّتها، وتقيم التحالفات مع المجموعات العرقية الإقليمية للحصول على الدعم، في حين تتألف قوّات الدعم السريع من ميليشيات قبليّة بقيادة مركزيّة محدودة، ما يؤدّي إلى تفرّد القرار بين الفصائل وتعقيد عمليّة التنسيق.
- وتبرز أيضاً تحدّيات إعلاميّة يتم تجاهلها بسبب القيود الشديدة المفروضة على وصول وسائل الإعلام، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوّات الدعم السريع، والتي تحدّ من تغطية الأحداث والفظائع بشكلٍ دقيق. ويعيق عدم وصول وسائل الإعلام الوعي العالمي حول مستوى العنف والاستهداف العرقي، بما في ذلك الإدّعاءات المتعلّقة بالتطهير العرقي في المناطق المعزولة.
- وشدّدت الطاهر على الفظائع المرتكبة وعلى أثر الحرب على المدنييّن. فكلا القوات المسلّحة السودانيّة وقوّات الدعم السريع متورّط في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان التي غالباً ما يتحمّلها المدنيون. ووُثّقت أيضاً أنماط من العنف العرقي في الأراضي التي تسيطر عليها القوات المسلّحة السودانيّة وقوّات الدعم السريع، ما يبرز أبعاد العرقية المتجذّرة في الصراع.
وليام كارتر، مدير مكتب السودان في المجلس النرويجي للاجئين (NRC)
- وصف كارتر الأزمة الإنسانيّة بأنّها كارثة شديدة ومتعدّدة الطبقات تؤثّر في الملايين في أنحاء السودان كافة.
- أمّا في يتعلّق بالنزوح، فقد أفاد كارتر بأنّ عدد النازحين داخلياً في السودان قد وصل إلى 11 مليون، فيما يبحث ملايين آخرون عن ملجأ في البلدان المجاورة، وخاصة مصر وتشاد. ويصنَّف النزوح على أنّه من أكبر الأزمات الحاليّة في العالم، فضلاً عن أنّ الكثيرين أُجبروا على النزوح المتكرّر داخل السودان بسبب العنف المستمرّ.
- ويتفاقم انعدام الأمن الغذائيّ فيما ينهار النظام الصحيّ. وشدّد كارتر على نقص الغذاء الحرج وانهيار خدمات الرعاية الصحّية بشكلٍ شبه كامل، وتحديداً في المخيّمات المكتظّة. وتنتشر حالات تفشي الكوليرا على نطاق واسع بسبب سوء الصرف الصحي ونقص الموارد الطبية، ما يؤدّي إلى مئات من حالات الوفيّات المؤكّدة.
- وفي حين تؤدّي المجموعات السودانيّة المحلّية وغرف الاستجابة للطوارئ دورها، تظلّ الاستجابة الإنسانيّة غير كافية إلى حدّ كبير. كما تفتقر الاستجابة الدوليّة إلى الموارد والتنسيق، ما يحدّ من الأثر الفعليّ على الأرض.
- وتظهر التحدّيات الحدوديّة في وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن ممرّات المساعدات الرئيسيّة، مثل الحدود بين تشاد ودارفور، المفتوحة لمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية. وحذّر كارتر من أنّ نقاط الوصول هذه معرّضة للخطر بسبب الأنشطة العسكريّة والاضطرابات السياسية.
خلود خير، المديرة المؤسّسة لشركة كونفلوانس الاستشاريّة
- سلّطت خير الضوء على دور الجهات الفاعلة الخارجيّة ونفوذ الدول والمجموعات الخارجية الكبير في الصراع السوداني. إذ تدعم مصر والمملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة القوّات المسلّحة السودانيّة بسبب المصالح الجيوسياسيّة، في حين تحظى قوّات الدّعم السريع بدعم من الإمارات العربيّة المتّحدة وحلفاء إقليميّين آخرين. ويتلقّى الطرفان الدعم الماليّ والعسكريّ، ما يساهم في تصعيد الصراع وإدامته ويربطه بمنافسات إقليميّة أوسع نطاقاً.
- وحذّرت خير من أنّ الصراع قد يمتدّ إقليمياً إلى الدول المجاورة، وخاصة تشاد، حيث تتجاوز الروابط والولاءات العرقيّة الحدود الجغرافيّة. واستعانت بمثال المجموعات العرقيّة في دارفور التي تربطها علاقات قويّة بمجموعات في تشاد، ما يزيد من التوتّرات وخطر أعمال العنف عبر الحدود.
- تواجه جهود السلام تعقيدات بسبب التدخّلات الخارجيّة التي تعرقل مفاوضات السلام، فكلّ دولة داعمة لها مصالح خاصة تتقاطع مع الصراع الداخلي في السودان. وأشارت خير إلى أنّ جهود السلام قد تبوء بالفشل ما لم تُعالَج مسألة نفوذ هذه الجهات الفاعلة الخارجيّة.
- وأعربت خير عن مخاوفها بشأن إمكانيّة تحوّل السودان إلى دولة مجزّأة تخضع كل منطقة لسيطرة جهة مختلفة، على غرار ليبيا واليمن، وحذّرت من أنّ ذلك قد يؤدّي إلى زعزعة استقرار السودان على المدى الطويل، ما يزيد من تفاقم انعدام الأمن الإقليمي.
واختُتمت الندوة بفقرة أسئلة وأجوبة حول مجموعة من المواضيع، من بينها دور وسائل الإعلام في تصوير الصراع في السودان، وانخراط القوى الإقليميّة والدوليّة، والاستجابة الإنسانيّة. وسلّط المتحدّثون الضوء على التغطية الإعلاميّة المحدودة، مشيرين إلى التحيّزات العنصريّة و”مستوى المعاناة” الذي يؤثّر في تحديد أولويّات الأزمات العالميّة. وتطرّقوا إلى عدم كفاية عمليّات الاستجابة الدوليّة، مؤكّدين على الدور الحاسم الذي تؤدّيه الصحافة المحلّية والجهود الإنسانيّة الشعبيّة على الرغم من التحدّيات الكبيرة. كما ناقش الخبراء دور الجهات الفاعلة الإقليميّة، مثل الإمارات العربيّة المتّحدة والاتّحاد الأفريقي، مشيرين إلى مشاركتها المختلطة وتأثيرها المحتمل. وأجمع المشاركون على أنّه سيصعب تحقيق السلام بسبب طبيعة الصراع المفكّكة والتي تفاقمها الديناميّات العرقيّة والسياسيّة المتجذّرة.