بعد مرور عامٍ على الفيضانات التي اجتاحت مدينة درنة الليبية والزلزال الذي ضرب إقليم الحوز في المغرب، لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتخبّط في مواجهة التحديات البيئية والسياسية المتنامية. وتستمر جهود إعادة الإعمار في تركيا وسوريا اللتين تعرّضتا أيضاً لزلزال بقوة 7,8 درجات في فبراير 2023، ما أدّى إلى مصرع 60 ألف شخصٍ وخلّف أضراراً بقيمة 150 مليار دولار. وفي الوقت الذي ترزح فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت تحديات بيئية متنامية، تزداد أهمية فهم تداعيات هذه الكوارث أكثر من أي وقت مضى.
ينظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوةً عبر الإنترنت للبحث في أسباب الكوارث الطبيعية وتداعياتها وعواقبها الطويلة الأمد. وسيناقش الخبراء المشاركون كيف تتفاقم هذه الكوارث بسبب تغيّر المناخ وهشاشة الاقتصاد والاضطرابات السياسية. وسيجيبون عن أسئلة ذات الصلة منها: كيف أدّت هذه الكوارث الطبيعية في المنطقة إلى توعية الرأي العام وتشكيل استجابات السياسات؟ وكيف عرقلت الاضطرابات السياسية الاستجابة لهذه الكوارث والتعافي منها؟ كيف تعمل حكومات المنطقة على تعزيز استعدادها لمواجهة الكوارث من أجل الاستجابة بشكل أفضل للكوارث الطبيعية الأخيرة والتعافي منها؟ وما التدابير التي يمكن اتّخاذها لتعزيز القدرة على التكيف مع تغيّر المناخ والتخفيف من معاناة المجتمعات المحلية؟
مديرة الجلسة: ياسمينة أبو الزهور
سلمى الشامي، مديرة قسم الأبحاث، الباروميتر العربي
- عرضت الشامي استنتاجات ثاقبة من الباروميتر العربي، الذي أجرى استطلاعات واسعة النطاق لقياس الرأي العام حول منطقة الشرق الأوسط والشؤون الدوليّة في ما يتعلّق بتغيّر المناخ واستجابة الحكومة.
- كشفت الاستطلاعات أنّ ثقة الشعوب في المؤسّسات الحكوميّة قيد التطوّر، لا سيّما عقب الكوارث الطبيعية الأخيرة. فعلى سبيل المثال، في المغرب، شعر 43 في المئة من المشاركين أنّ الحكومة أدارت الاستجابة للزلزال الأخير بفعاليّة، بينما شعر 31 في المئة أنّ الحكومة قد فاقت التوقّعات. وتوضّح هذه الإحصاءات الثقة المتزايدة في منظّمات المجتمع المدني والدور الذي تؤدّيه في الاستجابة للكوارث والتعافي منها.
- ناقشت الشامي كيف يُشكّل التصوّر العام مساءلة الحكومة واستجابة السياسات. وهناك اعتراف متزايد بأنّ المواطنين يتوقّعون من حكوماتهم منح الأولويّة للعمل المناخي والتأهّب للكوارث.
- ومع ذلك، أشارت نتائج الاستطلاع أيضاً إلى أنّ تغيّر المناخ غالباً ما يحتلّ مرتبة أدنى في جدول الأعمال العام مقارنةً بالمخاوف العاجلة مثل الاستقرار الاقتصادي والحوكمة. ويُمثّل تحديد الأولويّات تحدّي لصنّاع السياسات الذين يتعيّن عليهم التعامل مع مشاعر العامّة بينما يعالجون قضايا المناخ المُلحّة.
أحمد أيسان، زميل أوّل غير مقيم
- ناقش أيسان الآثار الاقتصاديّة للكوارث الطبيعيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وناقش دور البنوك المركزيّة والمؤسسات الماليّة في الحدّ من المخاطر المرتبطة بتغيّر المناخ. قدّم أيسان مفهوم مؤشر عدم اليقين المناخي، الذي يقيّم التقلّبات وعدم القدرة على التنبؤ المحيطين بسياسات المناخ، لا سيّما في الجنوب العالمي، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
- أضاف أيسان أنّه ينبغي على المؤسسات الماليّة أن تتخذ موقفاً استباقيّاً في المفاوضات الدوليّة وجهود التعافي من الكوارث. من شأن إنشاء صندوق عالمي لمواجهة الكوارث أونظام تأمين أن يوفّر موارد بالغة الأهميّة للدول المتأثّرة بالكوارث الناجمة عن المناخ، ما يتيح لها الفرصة للتعافي وإعادة البناء بفعاليّة أكبر.
- كما أكّد أيسان على أهمية المشاركة العامّة في العمل المناخي. وأشار، بالإضافة إلى غيره من المشاركين، إلى أنّ الكوارث الطبيعيّة الأخيرة قد رفعت الوعي العام بشأن قضايا المناخ، ما يتيح فرصة للحكومات لتعزيز التزامها بالعمل المناخي. ومع هذا التحوّل في الوعي العام، يزداد الطلب على الشفافيّة والمساءلة في استجابات الحكومة، وخاصةً في ما يتعلّق بتخصيص الموارد للإغاثة من الكوارث وجهود التكيّف مع المناخ.
- يتعيّن على الحكومات أن تتواصل بفعاليّة مع ناخبيها بشأن الخطوات المُتّخذة للتصدّي تغيّر المناخ والتأهّب للكوارث. فبناء الثقة من خلال قنوات تواصل مفتوحة يمكن أن يعزّز الدعم الشعبي لسياسات المناخ ويشجّع ثقافة المرونة داخل المجتمعات.
ملك الطيب، مستشارة مستقلة في السياسة البيئية
- أشارت الطيب إلى زيادة الاعتراف بتغيّر المناخ باعتباره عاملاً مضاعفاً للمخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فتُعدّ الفيضانات الكارثيّة الأخيرة، تحديداً العاصفة دانيال، بمثابة مثال حي على كيفيّة تفاقم التغيّرات المناخيّة لمواطن الضعف الحاليّة.
- مع ارتفاع درجات الحرارة وأنماط الطقس المتقلّبة، يتعيّن على دول المنطقة مواجهة واقع الكوارث الطبيعيّة المتفاقمة، والتي تنعكس بشكل غير متناسب على الفئات السكانيّة الأكثر ضعفاً.
- في ما يتعلّق بجهود إعادة الإعمار بعد الكوارث، أكدّت الطيب على أهمية دمج المرونة المناخيّة في إستراتيجيّات إعادة البناء. وتُعدّ الفيضانات الكارثيّة في ليبيا بمثابة تذكير لاذع بالحاجة إلى تطوير بنية تحتيّة مستدامة تأخذ في عين الاعتبار المخاطر المناخيّة المستقبليّة. ولا بدّ أن تعطي جهود إعادة الإعمار الأولويّة للبنية التحتيّة المقاومة للمناخ للحدّ من آثار الكوارث المستقبليّة.
- ينطوي أحد الجوانب الحاسمة لإعادة الإعمار الفعّال على التعلّم من التجارب السابقة وتكييف الإستراتيجيّات على أساس نقاط الضعف المحلّية. وحثّت على ضرورة دمج المرونة المناخيّة في خطط إعادة الإعمار لضمان الاستدامة طويلة المدى للمجتمعات المتضرّرة من الكوارث الطبيعيّة.
- كما ناقشت الطيب الآثار الأوسع لتغيّر المناخ والكوارث الطبيعيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويتطلّب تواتر هذه الأحداث تعزيز التعاون الإقليمي والاستجابات التعاونيّة للتحدّيات المشتركة. وأُكّد أيضاً على أهمية الوحدة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن التعاون بين الشركاء الدوليين، باعتبارها أمر حيوي لإدارة الكوارث بفعاليّة والتكيّف مع المناخ.
اختُتمت الندوة بجلسة أسئلة وأجوبة أكدّ فيها المشاركون على الحاجة إلى بنية تحتيّة قويّة وقادرة على التكيّف مع المناخ وسياسات تعكس الاحتياجات والحقائق الإقليميّة. وبينما يتزايد الوعي العام والمطالبة باتخاذ إجراءات حكوميّة، ستتطلّب معالجة التأثيرات الأوسع نطاقاً لتغيّر المناخ جهداً منسَّقاً من الحكومات والمجتمع المدني والمجتمع الدولي. ودعا المشاركون إلى عمليّة متكاملة لصياغة السياسات تُشرِك المجتمعات المحلّية في عمليّة صنع القرار. يضمن إشراك المواطنين وأصحاب المصلحة على المستوى المجتمعي تشكيل إستراتيجيات التأهّب للكوارث والاستجابة لها بالمعرفة والخبرات المحلّية. علاوة على ذلك، اُعتبِرَ تكامل أنظمة الإنذار المبكّر وبرامج التأهّب الشامل للكوارث أمرين ضروريين لتطوير قدرة المنطقة على التصدّي للكوارث الطبيعيّة. وشددّت الفعاليّة على الحاجة المُلحّة لاتخاذ تدابير وقائيّة وتكيفيّة لحماية مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من العواقب المتصاعدة لتغيّر المناخ.