بعد أكثر من 300 يوم على اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تستمرّ التوترات الإقليمية في التصاعد. في 30 يوليو، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في طهران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني المنتخَب مسعود بازشكيان. وقد وقع الاغتيال بعد ساعات فقط على مقتل أحد كبار قادة حزب الله فؤاد شكر وآخرين في غارةٍ إسرائيلية. دفعت هذه الأعمال العدوانية المأساوية المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وزعيم حزب الله حسن نصر الله إلى التوعّد بالانتقام. ولم يتّضح بعد نوع الرد الانتقامي وتوقيته وحدّته، فيما دعا القادة الإقليميون إلى ضبط النفس.
في هذا المنعطف الحرج، نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوةً عبر الإنترنت لمناقشة هذا التصعيد الخطير وتداعياته على المنطقة. وشارك في الندوة خبراء في الشأن الإقليمي لتحليل تأثير الاغتيالات والردود الانتقامية الأخيرة في الحسابات الإستراتيجية لحزب الله وحماس وإسرائيل وإيران. وتطرّق المتحدّثون إلى الأسئلةالتالية: كيف انعكس اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر مؤخّراً على صناعة القرار والسياسة الداخلية في حماس وحزب الله؟ كيف تؤثّر هذه الأحداث في الديناميّات الإقليمية ومسار الحرب على غزة، بما في ذلك وقف إطلاق النار والمفاوضات للإفراج عن الرهائن؟ وما هي الخطوات التي يجب أن تنظر فيها القوى الإقليمية والعالمية بغية التخفيف من حدّة العنف ومعالجة المسائل الكامنة؟
مدير الجلسة: عمر حسن عبدالرحمن
المشاركون:
- لينا الخطيب، مديرة معهد SOAS للشرق الأوسط ، جامعة SOAS بلندن
- حسن أحمديان، أستاذ مساعد، دراسات غرب آسيا، جامعة طهران
- بيفرلي ميلتون-إدواردز، زميلة أولى غير مقيمة
بيفرلي ميلتون-إدواردز، زميلة أولى غير مقيمة
- ترتبط سياسات الشرق الأوسط واقتصاده ارتباطاً وثيقاً بالحرب المستمرّة في غزة، والتي اتّخذت بلا شكّ بعداً عالمياً نظراً لانخراط جهات فاعلة إقليمية ودوليّة بقدرات مختلفة.
- للأسف، فقد تضاءل التفاؤل الذي ساد عمليّة الوساطة في نوفمبر الماضي. إذ شهدت هذه الفترة إفراجاً متبادلاً عن الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيّين (عدد كبير منهم من النساء والأطفال). وتبقى عمليّة التفاوض الحالية بعيدة كل البعد عن ذلك، إذ فشلت في تأمين وقف إطلاق النار المنشود.
- وقد أثيرت الشّكوك حول الوسطاء أنفسهم، فيما تساءل الكثيرون عن مدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها مع إسرائيل، وناقش آخرون بأنّ الولايات المتحدة تتصرّف بسوء نية مع “اقتراح الجسر” الجديد الذي قدّمه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والذي يتحيّز للأولويات الإسرائيليّة.
- ومن المرجّح أن تستمرّ حماس في المستقبل، كونها منظمة تجسّد مفاهيم أوسع نطاقاً لحقوق الفلسطينيين والتفاوتات العميقة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي. وقد طرحت حماس مستقبل فلسطين كموضوع نقاش أساسيّ في الأجندة العالمية.
- ما لم تشهد المنطقة تحوّلاً نحو تقاسم حقيقي للسلطة يقوم على سياسات المساواة في الحقوق، ستبقى الهشاشة والإضطرابات تهيمنان على المنطقة. لذلك لا يمكن للعالم أن يغضّ النظر عن تبعات الحرب على غزة، كما يتّضح من خلال الخسائر الفادحة في الأرواح والنزوح الجماعي الذي يخلف آثاراً عالمية.
حسن أحمديان، أستاذ مساعد، دراسات غرب آسيا، جامعة طهران
- يستند المنطق الإسرائيلي في الهجمات على بيروت وطهران إلى استفزاز إيران للردّ، وإجبارها على الدخول في حرب إقليمية أوسع نطاقاً. ولذلك لا تريد إيران الانخراط بهذه الطريقة لكي لا تسمح لنتنياهو بتحقيق هدفه. وفي هذه المرحلة يبقى أمامه خياران: التنحّي جانباً، أو توسيع نطاق الحرب. وبالتالي، تقف إيران أمام خيار صعب، لأنّها لا تريد حرباً إقليمية أوسع نطاقاً، إلّا أنّه يتعيّن عليها الحفاظ على ردعها في مواجهة إسرائيل.
- لم يكن الردّ الإيراني الأخير على إسرائيل في إبريل الماضي يهدف إلى إلحاق الأذى بإسرائيل، بل لتذكيرها بقدرة إيران على الوصول إليها فحسب. ويتمثّل الخطاب السائد داخل إيران والمنطقة في ضرورة أن يكون الردّ هذه المرة أكثر مباشرة وحدّة.
- في ظلّ محادثات وقف إطلاق النار الحالية، أرجأت إيران الردّ على إسرائيل على أمل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار. وفي حال عدم التوصّل إلى ذلك، فلا بدّ من أن تردّ إيران بشكل مباشر، مثلما كان اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران مباشراً وواضحاً.
- قد تشكّل القوّة النووية الردع النهائي، وبما أنّ كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل قوّة نوويّة، فسيتعيّن على إيران في نهاية المطاف أن تحقق ردعاً معادلاً. ورغم أنّ الحاجة إلى ذلك لم تطرأ بعد، فربّما تحتاج إيران إلى إعادة النظر في موقفها إذا ما أقدمت إسرائيل على التصعيد.
لينا الخطيب، مديرة معهد SOAS للشرق الأوسط في جامعة SOAS في لندن
- لا بدّ من أن يشارك حزب الله في حرب غزة، بسبب حساباته السياسيّة كحليف لحماس، وكونه عضواً في “محور المقاومة” المدعوم من إيران. وفي الوقت عينه، لا يتمتّع حزب الله بوضع اقتصاديّ يسمح له بمواجهة إسرائيل عسكرياً، كما حدث في حرب 2006. ويمكن القول بأنّه يستفيد بالفعل سياسياً من مشاركته من دون الحاجة إلى شنّ حرب شاملة، باعتباره المجموعة غير الحكوميّة الأكثر تسليحاً والجهة الفاعلة الأقوى في لبنان.
- لا تريد إسرائيل حرباً شاملة، إذ قد يخلّف ذلك عواقب مدمّرة على المنطقة بأكملها. وبالتالي، فقد أعاد الجانبان تعريف قواعد الاشتباك منذ أكتوبر 2023.
- سيظلّ حزب الله مشاركاً في الحرب حتّى يتمّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار. وحتّى ذلك الحين، سنظلّ نشهد على تبادل لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل من دون اندلاع حرب شاملة.
- من البديهي أنّ الحرب على غزة تحمل تداعيات كبيرة على الفلسطينيين كافة، وعلى شعوب المنطقة ككلّ. وإذا ما انخرط لبنان في حرب شاملة، فمن المرجّح أن ينهار بسبب هشاشته الاقتصادية والسياسية. ما من شأنه أن يخلّف عواقب أمنية هائلة على المنطقة، ويجرّ الدول المجاورة إلى صراع إقليميّ واسع.
واختتمت الندوة عبر الإنترنت بجلسة أسئلة وأجوبة، حيث أجاب المتحدثون على مجموعة من أسئلة الجمهور، وناقشوا دور الدول العربيّة في الحرب الحاليّة، ومسار العلاقات السعوديّة الإيرانيّة، وانعكاس الانتخابات الأمريكية المقبلة، وخطط التطبيع مع إسرائيل، وتداعياتها على اليمن. وشدّد المتحدّثون على الدور المتزايد الذي تؤدّيه الجهات الفاعلة العربيّة، والذي تقيّده إلى حدّ كبير الواقعية السياسية الأمريكيّة. لقد أدّى مسار الحرب على غزة إلى توطيد العلاقات بين المملكة العربية السعوديّة وإيران. وتمثّل الحرب على غزة تهديداً وجودياً للأردن، حيث تعمل إسرائيل على حثّ النزوح من غزة والضفة الغربية من خلال ارتكاب المجازر بحقّ المستوطنين حتّى قبل هجمات السابع من أكتوبر، الأمر الذي يفاقم الضغوط على الأردن كدولة مضيفة للاجئين والنازحين منذ العام 1948. وبصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية في نوفمبر، ستظلّ فلسطين قضية مهمة لا يمكن للإدارة الأمريكية التغاضي عنها. ففي حين هدّد الحوثيون إسرائيل وقطاعها الاقتصادي في البحر الأحمر، تبقى قدراتها متفوّقة بشكل غير متناسب، كما يتّضح من الهجوم الإسرائيليّ على ميناء الحديدة في اليمن، والذي ألحق به أضراراً كبيرة.