نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية بالتعاون مع منتدى دراسات الشرق الأوسط (MESF) في جامعة ديكين ندوةً عبر الإنترنت ضمّت مجموعة من الخبراء ناقشوا “دور إيران في الشرق الأوسط: بناء الجسور أو توسيع النفوذ؟”. وأطلقت الندوة ملفّاً جديداً من إصدار مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية يشمل الموضوع عينه، وأشرف على تحريره شهرام أكبر زاده، زميل أول غير مقيم؛ وحميد رضا عزيزي، زميل غير مقيم. وأدار شهرام أكبر زاده الجلسة مشدّداً على أهميّتها في ظل تصاعد التوترات الإقليمية مع استمرار الحرب في غزة. وبالإضافة إلى حميد رضا عزيزي، شارك في الندوة مهران كامرافا، أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر ؛ وآزادي زاميريراد، نائبة المدير في قسم أفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP).
افتتحت زاميريراد الجلسة بتسليط الضوء على التطوّر المحوري الذي شهدته سياسة إيران الخارجية، بحيث تحوّلت من سياسة إستراتيجية صبورة إلى سياسةٍ أكثر حزماً تجلّت في مواجهاتها الأخيرة مع إسرائيل. وشرحت زاميريراد كيف أثّرت الضغوطات الخارجية مثل العقوبات، والعوامل الداخلية مثل الخلافة السياسية والاحتجاجات الشعبية في سياسة إيران الخارجية. وأشارت إلى أنّ هذه الديناميات دفعت إيران نحو تعديل نهجها المتّبع في محاولة لتغيير النظام العالمي، وسرّعت انتقالها نحو التحالف مع قوى دول الشرق من خلال سياستها القائمة على “التوجّه شرقاً”.
ثم توسّع كامرافا في مناقشة تطلّعات إيران الإقليمية من منظور سياسة “حسن الجوار” التي تتبنّاها، مشدّداً على إعادة تعاونها الإستراتيجي مع دول الجوار مثل السعودية والإمارات. وأشار إلى أنّ دبلوماسية إيران تشهد تحوّلات عملية، ولا سيما في ظل تقليص الولايات المتحدة دعمها العسكري للدول الخليجية. وتطرّق أيضاً إلى علاقات إيران المعقّدة مع تركيا وباكستان، ما يشير إلى احتمال عملية إعادة ضبط على نطاق أوسع.
وركّز عزيزي بعدها على الجوانب التكتيكية للصراع بين إيران وإسرائيل، وتحديداً تداعيات أحداث 7 أكتوبر وما تبعها من ممارسات إسرائيلية. فأشار إلى أنّ دور روسيا في المساعدة على التهدئة قد تقلّص منذ نشوب الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي زاد من تعقيد الديناميات في الشرق الأوسط. وشدّد عزيزي على أنّ غياب آليات الردع عند الطرفَين يضع قواعد اشتباك جديدة يمكنها أن تؤدّي إلى مزيدٍ من التقلّبات في المناخ الأمني الإقليمي.
وفي جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت النقاش، أجاب كامرافا عن السؤال الأول بتسليط الضوء على علاقات قطر العميقة مع القوى الإقليمية. ففي حين تحافظ قطر على علاقات ودّية مع إيران، إلّا أنّها سطحيّة بشكل أساسي نظراً لحاجة قطر إلى تحقيق التوازن في تحالفاتها الأمنية القوية مع الولايات المتحدة ضدّ علاقاتها مع دول المنطقة. ويتجلّى هذا التوازن من خلال جهود الوساطة التي تبذلها قطر بين إسرائيل وحماس، بحيث تمارس الولايات المتحدة ضغوطات كبيرة على قطر للتأثير في النتائج المرتبطة خصوصاً بإطلاق سراح الرهائن. وما يزيد من تعقيد عملية التوازن هذه هو تهديد إيران المباشر لدول المنطقة في احتمال استهداف القواعد العسكرية الأمريكية على أرضها في حال استُخدمت ضدّ إيران. ويشكّل هذه التهديد خروجاً ملحوظاً عن مسار الحذر الدبلوماسي السابق، ما يدلّ على اتّخاذ إيران موقفاً أكثر حزماً في تعاونها مع دول المنطقة.
وتابع عزيزي النقاش مشيراً إلى أنّ دعم إيران للوكلاء، ولا سيما العراق واليمن، يتخطّى حدود علاقات الجوار البحتة ليشمل الجوانب الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية. فالعلاقات المركّبة التي تجمع إيران بعددٍ من المجموعات العراقية والحوثيين في اليمن تُبرز نفوذ إيران الإقليمي الكبير، وهو ما يشكّل نقطة الخلاف في العلاقات بين السعودية وإيران. لكنّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي حصل مؤخّراً بين الحوثيين والسعودية شكّل حلّاً إيجابياً لبعض هذه التوترات، وفسح المجال أمام فرصة تحقيق استقرار إقليمي إضافي. ومع ذلك، يطرح النفوذ الواسع للمجموعات المدعومة من إيران صعوبات بشأن فهم النطاق الكامل والتداعيات الطويل الأمد لنفوذ إيران الإقليمي.
من جهتها، شكّكت زاميريراد في إمكانية نشوء كتلة موحّدة عقب اتفاقات إبراهيم. فقالت إنّه فيما تتّجه الأحوال نحو التهدئة وإدارة الصراعات بين الدول العربية وإيران، لا ترقى هذه الجهود إلى مستوى تشكيل تحالفٍ متماسك تتشارك فيه المعايير والمصالح. فدول المنطقة تنظر إلى بعضها عموماً على أنّها متنافسة وليست متحالفة. وشدّدت زاميريراد على أنّ اتفاقات التطبيع تتمحور أساساً حول إدارة الصراعات بشكل عمليّ عوضاً عن عقد أيّ تحالفات قويّة. وأشارت إلى أنّ تركيز إيران الإستراتيجي يبقى متماشياً مع القوى العالمية مثل روسيا والصين، وهو ما تعتبره إيران قادراً على التأثير في النظام العالمي عوضاً عن تشكيل كتلة جيوسياسية جديدة.
وتسلّط هذه النقاشات الضوء على مزيج المصالح الإستراتيجية، والدبلوماسية، والطبيعة المتغيّرة للتحالفات في الشرق الأوسط. وتشير الإستراتيجية الإقليمية التي تتّبعها إيران بما فيها من صدامات وسُبل تعاون دبلوماسي ناشئ إلى مرحلة انتقالية في سياستها الخارجية. وسيترتّب عن هذه الإستراتيجيات تداعيات وخيمة قد تغيّر المشهد الأمني في المنطقة، وتؤثّر في التحالفات الجيوسياسية المقبلة. وفي خلال الجلسة، اتّفق المشاركون على أنّ مناورات إيران الإقليمية تشير إلى انتهاجها إستراتيجية ذات نطاق أوسع من شأنها تحقيق مكاسب فورية وتغيير مناخها الإستراتيجي الطويل الأمد عبر تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع القوى الشرقية، وتحسين قدراتها العسكرية، والاستفادة من علاقاتها مع الجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة.