تتشاطر اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي تاريخاً قديماً من العلاقات المتينة تقوم على التعاون في مجالات متعدّدة، مثل الطاقة والتكنولوجيا. وللبحث في تطوّر هذه العلاقات اليوم، نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوةً عامة ضمّت مجموعة من الخبراء الذين تطرّقوا إلى الأسس التاريخية للعلاقات بين اليابان والدول الخليجية، والاعتماد المتبادل بين الطرفَين، بالإضافة إلى الاعتبارات الإستراتيجية والجيوسياسية المتغيّرة التي تؤثّر في هذه الشراكة المهمة. وشدّد المشاركون على أهمية هذه الشراكة واعتماد اليابان على الدول الخليجية لتعزيز أمن الطاقة فيها من جهة، وتطلّعات هذه الدول إلى الاعتماد على النجاحات التي تحققها اليابان في جهود التنويع الاقتصادي من جهة أخرى.
افتتح كانا ساتو، باحث أول في مركز المعهد الياباني لاقتصاديات الشرق الأوسط، النقاش بتسليط الضوء على تاريخ العلاقات بين اليابان والدول الخليجية. وقال إنّ هذه العلاقات اقتصرت بدايةً على مجال أمن الطاقة، إذ لجأت اليابان إلى إمدادات الطاقة من الدول الخليجية لتعزيز تعافيها الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية. لكنّ الحظر النفطي الذي حصل في العام 1973 كشف عن ضعف اليابان، ودفعها إلى مراجعة سياسات الطاقة التي تنتهجها وتحسين علاقاتها مع الدول العربية. وقد شكّلت اليابان بالنسبة إلى الخليجية شريكاً موثوقاً في الطاقة والاستثمارات.
ومع الوقت، توسّع نطاق هذه الشراكة ليشمل مجالات متعدّدة، مثل البنى التحتية وتكنولوجيا السيارات. فقد أسهمت خبرة اليابان في تطوير البنى التحتية في تسهيل تحديث البنى التحتية للدول الخليجية، وخلقت فرصاً مربحة للشركات اليابانية بتوسيع نطاق عملها إلى المنطقة. فقد قادت هذه الشركات عملية تطوير بعض أهم البنى التحتية في المنطقة، مثل أنظمة النقل العام، ومحطات تحلية المياه، ومنشآت توليد الطاقة. وأضاف ساتو أنّ التحوّل العالمي نحو الطاقة المتجدّدة سيشكّل محرّكاً مهمّاً للعلاقات بين اليابان والدول الخليجية. ويمكن للطرفَين الاستفادة من التعاون في الهيدروجين والأمونيا والوقود المنخفض الكربون، والعمل على بلورة إستراتيجيات قابلة للتطبيق في مجال تحوّل الطاقة لتجاوز مشهد معقّد في الطاقة.
وبعدها تطرّق كيني كيتامورا، الممثل الرئيسي لمكتب مصرف اليابان للتعاون الدولي في الشرق الأوسط، إلى دور اليابان في تمويل مشاريع متعدّدة في الدول الخليجية وتسهيل تنفيذها. فأشار إلى أنّ الشركات اليابانية تولّد أكثر 50 في المئة من الطاقة الكهربائية في قطر، وقد استثمرت هذه الشركات نفسها في عدد من مزارع الطاقة الشمسية في السعودية والإمارات والأردن. وشدّد كيتامورا على أهمية فرص التعاون بين اليابان والدول الخليجية في إزالة الكربون وبذل جهود أوسع في مجال تحوّل الطاقة، بحيث تستطيع اليابان أن تسفيد من مصادر قوّتها التكنولوجية. ومن الملحوظ أيضاً الدعم الإنساني الذي تقدّمه اليابان في المنطقة، ولا سيّما إرسالها المساعدات الإنسانية إلى غزة مؤخراً.
ثمّ بحث عبدالله باعبود، أستاذ كرسي دولة قطر لدراسات المنطقة الإسلامية في جامعة واسيدا في اليابان، في تداعيات الديناميّات الجيوسياسية الأوسع على العلاقات بين الدول الخليجية واليابان، وتحدّث عن البعدَين السياسي والأمني للعلاقات بينهما. فأشار إلى أنّه فيما شكّلت العوامل الاقتصادية حجر الأساس لهذه العلاقات، يسهم توجّه الدول الخليجية نحو الشرق في توسيع العلاقات السياسية بين الطرفَين. فعلى مرّ التاريخ، مارست اليابان الدبلوماسية الهادئة في الشرق الأوسط، وأعطت الأولوية لأمن الطاقة مع البقاء على الحياد في الصراعات. لكن تجلّى موقفها من خلال الحرب الدائرة في غزة عندما أظهرت بدايةً بعض الانحياز نحو الولايات المتحدة وحلفائها، مما أثار انتقادات الشعوب العربية. واتخذت بعدها موقفاً محايداً نسبياً، وضمّت صوتها إلى الدعوات المطالِبة بوقف إطلاق النار. وقد تحتاج اليابان في المستقبل إلى انتهاج سياسة خارجية مستقلّة لتتجاوز المشهد الجيوسياسي الذي يزداد تعقيده في المنطقة. وشدّد باعبود على أنّ موقف اليابان المحايد يشكّل فرصة لتعزيز الحوار الإقليمي وجهود السلام، مؤكّداً على الأهمية الإستراتيجية لعلاقات اليابان مع دول المنطقة.
وفي جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت النقاش، توسّع المشاركون في مناقشة التحديات التي قد تواجهها العلاقات بين اليابان والدول الخليجية. فذكر المشاركون عدداً منها، مثل التحوّلات التي تشهدها الأجيال وتداعياتها على تغيير أولويات السياسة الخارجية لليابان، وأهمية تعزيز قوة اليابان الناعمة ونفوذها الثقافي، بالإضافة إلى التوترات المتصاعدة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. وطرح الجمهور أيضاً أسئلة بشأن دور اليابان في تسهيل الجهود التي تبذلها الدول الخليجية في مجال تحوّل الطاقة. فأشار المشاركون إلى أنّه يمكن لليابان أن تسهّل جهود الدول الخليجية الرامية إلى التنويع، لكنّها تواجه المنافسة في المقابل. فسيطرة الصين على المعادن الأساسية مثلاً تجعلها شريكاً مهماً للدول الخليجية في مجال تحوّل الطاقة.