مع ظهور روبوتات المحادثة مثل “شات جي بي تي” (ChatGPT) من “أوبن إيه آي” (OpenAI) و”بارد” (Bard) من “غوغل” (Google)، بات الحديث العالمي عن الذكاء الاصطناعي مهماً جداً لتحديد مصير مجالات كثيرة، بما فيها المجالات المرتبطة بالسياسات الدولية. نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، بالشراكة مع مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، ندوةً عبر الإنترنت بعنوان: “الذكاء الاصطناعي وصناعة السياسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الإيجابيات والمخاطر” في 5 يونيو 2023. وضمّت الندوة التي أدارها أحمد أيسان، زميل أول غير مقيم في المجلس، كلّ من أيمن إربد، أستاذ مشارك ورئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة في جامعة حمد بن خليفة؛ ومحجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر؛ ونور نعيم، مؤسّسة ومديرة تنفيذية في AI Minds Academy في تركيا. وسلّط الخبراء الضوء على تداعيات استخدام الذكاء الاصطناعي ومخاطره المحتملة في مجال صناعة السياسات، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وافتتح أيسان النقاش بالإشارة إلى الأهمية المتزايدة لبرامج الذكاء الاصطناعي في مجال البحوث السياسية وعمليات صنع القرار. وحدّد بعض النقاط المهمة التي يجدر بالباحثين وصُنّاع السياسات مراعاتها عند استخدام هذه التقنيات في أعمالهم، مثل تحيّزات برامج الذكاء الاصطناعي، وطريقة استعمالها، ومدى ضرورة استخدامها في مجال معيّن، بالإضافة إلى تداعياتها العامة على صناعة السياسات.
ثمّ توسّع إربد في الحديث عن المخاطر المرتبطة ببرامج الذكاء الاصطناعي والواجب على صُنّاع السياسات والباحثين مراعاتها في أعمالهم، إذ أشار إلى أنّ عدداً من الشكوك لا يزال وارداً عند استخدام المعلومات الصادرة عن برامج الذكاء الاصطناعي. وتنطوي هذه الشكوك على المسائل المرتبطة بحقوق الطبع والنشر وحق الوصول إلى المعلومات، ومحدوديّة تطوير برامج الذكاء الاصطناعي القائمة قادرة على استيعاب العمل باللغة العربية، فضلاً عن خطر نشر المعلومات الخاطئة.
ونظر الزويري عملياً في إمكانيات استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في مجال استشارات الشؤون السياسية في الشرق الأوسط، مع الأخذ بالاعتبار المخاطر التي ذكرها إربد وتجربته الشخصية باعتباره خبير شؤون إقليمية. وأشار إلى أنّ العمل الأساسي لصناعة السياسات يتمثّل في عملية القراءة المكثّفة، وتحديد الأنماط، ولاحقاً عرض الحلول الممكنة للمشكلات القائمة. وسيتعيّن على برامج الذكاء الاصطناعي كأداة فعّالة من شأنها أن تحسّن سير هذه العملية التعامل مع القيود التي تخصّ منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، قد تعتمد البيانات التي تتلقّاها برامج الذكاء الاصطناعي عن المنطقة على مصادر لا تشمل وجهات نظر من بلدان الجنوب العالمي.
وتابعت نعيم النقاش حول الجوانب الرئيسية لعملها على أخلاقيات برامج الذكاء الاصطناعي وإمكانية الحصول عليها. فتحدّثت أولاً عن كيفية تفاعل المجموعات المهمّشة مع هذه البرامج، مشيرةً إلى عملها في إدارة برامج تدريبية لمحو الأمية في مخيّمات اللاجئين في تركيا. ثمّ شرحت عن غياب المحتوى العربي والتمثيل العربي في برامج الذكاء الاصطناعي، وكيفية انعكاسه على ممارسات صناعة السياسات. وتحدّثت ثالثاً عن تطوّر القواعد والأنظمة المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في العالم، إذ أنّ الاتحاد الأوروبي مثلاً يعمل على وضع قوانين لحماية الخصوصية ومنع التحيّز والعنصرية والعنف. لكنها أشارت إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير مشمولة في الجهود المبذولة لوضع هذه القوانين بصرف النظر عن النفوذ العالمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وشرحت نعيم أخيراً عن السُبل التي يمكن أن تعتمدها دول المنطقة لسدّ الفجوتَين المعرفية واللغوية في استخدام برامج الذكاء الاصطناعي وتطويرها. وأشارت إلى أنّه من الضروري اعتماد اللغة العربية بالكامل في القمة العالمية التي ستُعقد في قطر العام المقبل، مما سيسلّط الضوء على النقص في المحتوى العربي ويعزز دعم المنشورات البحثية الصادرة باللغة العربية. وشددّت أيضاً على أنّ التدريب على استخدام برامج الذكاء الاصطناعي يوسّع الخبرات بين الثقافات واللغات أكثر مما يفعل حالياً.
ثمّ سأل أيسان إربد عن الخطوات التي يجدر بصُنّاع السياسات اتخاذها للحفاظ على قوة عاملة فعالة في عالم يشهد تطورات تكنولوجية مستمرة. فردّ بأنه استفسر عن الأُطر الممكنة للشراكات بين المؤسسات التعليمية وصُنّاع السياسات بهدف سدّ الفجوات المعرفية القائمة. وأشار إلى أنّه بدأ إدراج التوعية عن الأمن السيبراني في المناهج الدراسية في الجامعات وحتى مستويات تعليم K-12 بعدما أصبحت مسألة عالمية معترف بها منذ عشرة أعوام. والأمر سيّان بالنسبة لمسألة الذكاء الاصطناعي اليوم، إذ بات محتّماً أن تدرج الحكومات والمؤسسات التعليمية التوعية عن هذه التقنية وبرامج التدريب ذات الصلة في جميع المجالات بهدف نشر الوعي حول التداعيات الاجتماعية للذكاء الاصطناعي والأخلاقيات المرتبطة به. وسلّم إربد أيضاً بمجموعة الفرص الممكنة التي تتيحها برامج الذكاء الاصطناعي المتطوّرة لحلّ المشكلات الإقليمية في قطاع التعليم.
وقدّم الزويري في نهاية مداخلته مجموعة من التوصيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي لمراكز البحوث وصُنّاع السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأشار إلى ضرورة التكيّف مع تقلبات سوق العمل من خلال تغيير سياسات التعليم بما يتماشى مع التطورات العلمية، مما يسهّل الانتقال من الوظائف التي ستصبح غير لازمة إلى عدد وافر من الوظائف الجديدة الناشئة عن انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتطلّع إربد إلى مستقبل يكون فيه الذكاء الاصطناعي أداةً تعزز إسهامات الإنسان في التطور والابتكار، لا تحلّ مكانها.