نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوةً عبر الإنترنت في 28 فبراير 2023 بحثت في مدى قدرة الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير على تغيير معالم الأنظمة السياسية المحلية والإقليمية في المرحلة المقبلة. وتطرّقت الندوة التي أدارها الزميل في المجلس رانج علاءالدين إلى قضايا أساسية شملت انعكاسات الأزمة على الأمن الإقليمي وكيفية تسريع المجتمع الدولي لعملية إعادة الإعمار. شارك في الندوة خبراءٌ في السياسات الخارجية والمحلية التركية والسورية هم سارة الكيّالي، محامية ومحللة في مجال حقوق الإنسان؛ وبيوتر زالوسكي، مراسل مجلة ذي إكونوميست في تركيا؛ وأسلي أيدنتاسباس، زميلة زائرة في معهد بروكنجز.
افتتح علاء الدين الندوة مسلّطاً الضوء على الانعكاسات السياسية والاقتصادية للزلزال وتداعياته على الاستقرار والأمن الإقليميَين. وأشار إلى أنّ هذه الكارثة أودت بحياة حوالى 51,000 تركيّ و7,000 سوريّ، وأكّد على أنّ الصراع في سوريا يفاقم الأضرار وسيعيق جهود إعادة الإعمار، مما سيؤدي إلى عواقب طويلة الأمد. وقد أسهم تسييس نظام الأسد للمساعدات الإنسانية في تأخير جهود الإنقاذ الفعالة ووصول المساعدات إلى أكثر المناطق تضرّراً في سوريا. وطرح علاء الدين عقبها السؤال الأول على المشاركين حول الخطوات المقبلة لتركيا التي تبذل جهوداً طويلة الأمد في إعادة الإعمار.
وردّ زالوسكي بالقول إنّ الفترة المضطربة التي شهدتها تركيا في السنوات القليلة الماضية استدعت اعتمادها نهجاً قصير الأمد في التفكير وإدارة الأزمات على حساب وضع استراتيجيات طويلة الأمد. فقد شاركت تركيا في حروب في سوريا واليمن، وتعرّضت لمحاولة انقلاب مع أزمتَين مرتبطتَين بالعملة وأزمة لاجئين وموجة غير مسبوقة من الهجمات الإرهابية، فضلاً عن جائحة عالمية. وفي هذا السياق، أشار زالوسكي إلى أنّ الاستراتيجيات طويلة الأمد ليست الأولوية الأهمّ وتُبدّدها المخاوف على المدى القصير. فأنقرة تعطي الأولوية اليوم، إلى جانب تسهيل الاستجابات لحالة الطوارئ، للانتخابات المقبلة. وأكّد على أنّ الانعكاسات السياسية للانتخابات ستكون مهمّة لأنّ الكثير من المواطنين الأتراك يشعرون بأنّ إستجابة الحكومة لحالة الطوارئ كانت غير كافية، وبأنّ الفساد قد جعل عواقب الزلزال أكثر فتكاً. وذكر زالوسكي أنّ موجات الغضب تتزايد بشكل حادّ تجاه الحكومة التي كانت تمتلك 20 عاماً من الوقت لتتهيّأ للزلزال لكنها فشلت في ذلك. ولم تستجب فِرق الطوارئ في عدد من المدن بشكل سريع، ممّا أدّى إلى تفاقم الأضرار اللاحقة بالبلاد من جرّاء الكارثة. وبالإضافة إلى الخسائر البشرية الهائلة، يُقدَّر الضرر اللاحق باقتصاد تركيا بنحو 34 مليار دولار أو بحوالى 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2021.
وتابعت أيدنتاسباس بعدها النقاش مشيرةً إلى حشد الدول المجاورة السريع لتقديم الدعم، بما فيها اليونان، في أعقاب الكارثة. وأكّدت على أنّ البلاد تعاني مشاكل منهجية أظهرها الزلزال إلى حدّ كبير. وذكرت، بشكل أساسي، أنّ هذا الحدث طعن بالصورة التي كانت ترسمها تركيا كقوة صاعدة على مدى العقود المنصرمة. وأيّدت أيدنتاسباس زالوسكي في أنّ الانعكاسات السياسية للانتخابات ستكون كبيرة وأنّ الاستقطاب يزداد في البلاد، كما وأنّ أردوغان يواجه غالبية معارِضة متنامية. لكنها شدّدت على أنّ الغضب الذي يُبديه المواطنون لحكومتهم لن يؤدي بالضرورة إلى انتصار المعارضة. أمّا في ما يخصّ الاستجابتَين الإقليمية والدولية، فأشارت أيدنتاسباس إلى أنّ تركيا تتنافس أيضاً مع أوكرانيا وسوريا من أجل تأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار. ومن المرجّح أن يؤثّر ذلك بشكل ملحوظ في أجندة السياسة الخارجية للبلاد في الفترة التي تسبق الانتخابات. وقد حظِيت سياسة “صفر مشاكل مع دول الجوار” التي أطلقها حزب العدالة والتنمية بدعم شعبي هائل. وبالتالي، ترى أيدنتاسباس أنّه بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، تدعم المعارضة والحكومة الحالية على حدّ سواء اعتماد أجندة تنطوي على تحسينات مطّردة في العلاقات مع الدول المجاورة وجهود تطبيع إقليمية. وتبرز أيضاً أولويات مشتركة من حيث إدارة الاختلافات مع الدول الغربية وغيرها من الدول للتخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية في تركيا.
ثمّ انتقلت الكيّالي إلى الحديث عن الاستجابات للمساعدات الإنسانية في سوريا، مشيرة إلى أنّ العمليات عبر الحدود في شمال سوريا يحبطها الفيتو الروسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما يحول دون إمكانية الوصول إلى تلك المنطقة من البلاد. وفضلاً عن ذلك، أشارت إلى تفاوت المعاملة بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والأخرى الخاضعة للمعارضة. وقالت إنّ تسييس المساعدات أفضى إلى بروز دعوات لإصدار قرار طويل الأمد عبر الحدود، لكن من غير المرجّح حصول ذلك بدون إصلاح مجلس الأمن أو حدوث تحوّلات مهمّة أخرى في النظام الدولي. وأشارت إلى النقص في أعداد الناس على الأرض في شمال غرب البلاد للاستجابة للكوارث مثل الزلزال، مؤكّدة على أنّ القضايا المحلية في تركيا جعلت سوريا شاغلاً ثانوياً بالرغم من دور تركيا المهمّ ومصالحها الخاصة في تأمين استقرار الشمال الشرقي والشمال الغربي لجارتها.
ووجّه علاءالدين النقاش نحو انعكاسات الكارثة على السياسات الخارجية والأمن. وأضاف زالوسكي أنّ حالة فراغ قد تنشأ في مناطق سورية خاضعة لسيطرة تركيا بسبب تحوّل تركيزها إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية. وأشار إلى افتقار تركيا للموارد الكافية من أجل إجراء عملية إعادة إعمار واسعة النطاق في شمال سوريا نتيجة أزمة اللاجئين. ثمّ أعربت أيدنتاسباس عن قلقها حيال التوترات بين المجموعات العرقية والسياسية المختلفة في تركيا بشأن اللاجئين، وأشارت إلى أنه سيتعيّن على السياسيين الأتراك اتخاذ قرارات سياسية غير مريحة للحدّ من هذه التوترات. وقالت الكيّالي بعدها إنّ المضي قدماً بدون معالجة الأسباب الجذرية للصراع في سوريا لن يدوم طويلاً.
واختتم علاءالدين النقاش بالطلب من المشاركين الحديث عن دور المنظمات غير الحكومية في تركيا وسوريا التي تقوم بعمليات إنقاذ ما بعد الزلزال. وسلّطت الكيّالي الضوء على دور منظمة الخُوذ البيضاء التي اضطلعت بدور أساسي في جهود الاستجابة في سوريا بعد الكارثة الأخيرة، وفي خلال العقد المنصرم من الحرب الأهلية. وعلى الرغم من الدور الدؤوب للفِرق المحلية الصغيرة، لا يمكنها ببساطة توسيع نطاقها لتعالج كافة تداعيات هذه الأزمة. ونتيجة لذلك، طلبت من الأمم المتحدة توفير الدعم والتعاون والمستلزمات. وأكّدت الكيّالي أيضاً على أنّ الدول الخليجية اضطلعت بدور مهمّ في تأمين المساعدات الإنسانية لسوريا، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة التي ضغطت من أجل فتح المعابر الحدودية، في حين كان الهلال الأحمر القطري من بين المنظمات القليلة التي سُمح لها بالوصول إلى شمال غرب سوريا لتقديم المساعدة الطبية. وستظلّ هذه الإسهامات أساسية لضمان نجاح جهود الإغاثة في المنطقة.