نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية بالشراكة مع مركز دراسات الخليج بجامعة قطر ندوة عامة حضورية في 31 يناير 2023 للنظر في الانعكاسات السياسية والتأثيرات المستقبلية لبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022. استقطبت دولة قطر الاهتمام العالمي لاستضافتها هذا الحدث الذي شكّل فرصة للتحرّك السياسي على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي ومنصّة للتعبير السياسي داخل الملعب وخارجه. إذ أظهر الكثيرون، بين مشجّعين ولاعبي كرة وعمّال، دعمهم ورفضهم لعدد من قضايا الساعة، وتضامنهم مع قضايا حقوقية على رأسها القضية الفلسطينية والاحتجاجات الشعبية في إيران وحقوق العمال الوافدين. أدار النقاش نادر القباني، الزميل الأوّل ومدير البحوث في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وشارك فيه كلّ من زرقاء بارفيز، الأستاذة المساعدة الملحقة في العلوم السياسية في جامعة جورجتاون في قطر؛ وتوني كارون، المدير في قسم التحرير في قناة AJ+؛ ومحجوب الزويري، مدير قسم دراسات الخليج في جامعة قطر؛ ومحفوظ عمارة، الأستاذ المشارك في السياسة والإدارة الرياضية في جامعة قطر.
استُهل النقاش بتسليط الضوء على التداخل ما بين بطولة العالم لكرة القدم 2022 والعلاقات الدبلوماسية الإقليمية، فتحدّث الزويري عن التحديات التنظيمية التي واجهتها قطر في خلال الفترة التي سبقت البطولة نظراً للتوترات السياسية الإقليمية التي أحاطت بها. كانت هذه البطولة الأولى لكأس العالم التي تستضيفها دولة عربية ومسلمة، بالتالي أكّد الزويري أنّ إرث هذا الحدث سيرتبط باستمرارية صورة الوحدة العربية التي تجلّت طوال فترة البطولة، أمّا ديمومة هذه الوحدة فهي رهن الديناميكيات السياسية الإقليمية الداخلية والصورة التي ستنقلها وسائل الإعلام الدولية. اتّفق عمارة مع الزويري، مشيراً إلى وحدة الموقف العربي قبيل انطلاق كأس العالم، مستشهداً بإعلان الجامعة العربية تضامنها مع قطر في وجه انتقادات وسائل الإعلام الغربية. وأكّد أن هذا التعبير عن الوحدة لم يقتصر على الحكومات والمؤسسات، بل جاء أيضاً على مستوى الأفراد كما ظهر من تشجيع الجزائريين للمنتخب المغربي على الرغم من الخصومة بين البلدين.
انتقل النقاش بعدها إلى مسألة حقوق الإنسان في قطر التي كانت محطّ جدل محموم دولياً وإقليمياً، حيث شدّدت بارفيز على أنّ كرة القدم سياسية بطبيعتها، وبدل التركيز على دولة مضيفة واحدة، دعت الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلى معالجة الإرث الاستعماري لكرة القدم والمشاكل المؤسساتية التي لا تزال قائمة في المنظمات المسؤولة عن اللعبة. واختتمت مداخلتها بالسؤال ما إذا يجوز النظر إلى الفعاليات الرياضية التي تحمل في طيّاتها إرثاً استعمارياً على أنّها محركات للتغيير الإيجابي. فبالنسبة لقضايا هامّة مثل حقوق العمالة الوافدة وحقوق المرأة، ربما تضيع الجهود وتعلَّق الآمال على المؤسسات الخاطئة.
وتحدّث كارون عن بطولات كأس العالم المقبلة، حيث يستسضيف الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بطولة كأس العالم 2026، مستبعداً أن يتم التشكيك في مشروعية الدول المضيفة الغربيّة بالقدر الذي تعرّضت له قطر، على الرغم من ارتفاع معدّلات العنف المسلّح في الولايات المتحدة ومشاكل العنصرية المتأصّلة في البلاد. إلى ذلك، نبّه كارون من الأثر البيئي المحتمل لكأس العالم 2026 بما أنّ بصمته الكربونية ستكون على الأرجح أكبر من بصمة كأس العالم 2022، حيث ستقام البطولة على امتداد منطقة جغرافية أوسع تشمل 13 مدينة في ثلاث دول، ما سيُضطر المشجّعين للسفر لمسافات أطول من أجل حضور المباريات. وأشار إلى أنّ الانتقادات التي أثيرت حول القيود المفروضة على المشروبات الكحولية شكّلت لحظة هامّة بالنسبة للعالم العربي، بعد أن تمكّنت دولة ذات غالبية مسلمة من تحديد شروط النقاش وتقرير أولويّات البطولة. وأكّد الزويري من ناحيته أنّ الإرث الأكبر للبطولة المقامة في قطر تمثّل في إضفاء الطابع الإنساني على الرياضة ومقاومة فرض المعايير الغربية، وهذا إرث سيبقى بغض النظر عن أي تطورات سياسية في المنطقة.
سأل القباني بارفيز بعدها ما إذا يمكن الانطلاق من كأس العالم من أجل طرح مبادرات إيجابية، فردّت بأنها غير متفائلة بقدرة الرياضة على تحقيق تغيير إيجابي على المدى البعيد. فمن وجهة نظرها، المواقف الاستشراقية والمعادية للإسلام متغلغلة مؤسساتياً وتشريعياً في المنظمات الدولية لكرة القدم وفي ممارساتها. واعتبرت أن الامتيازات الأوروبية تجعل بعض الأشخاص يعتقدون أنّ بإمكانهم تقرير سياسات الدول الأخرى على النحو الذي يرونه مناسباً.
تناولت جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت مسألة التعبير السياسي في خلال بطولة كأس العالم، بالأخص في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فرأى الزويري أنّ استضافة بطولة كأس العالم في المنطقة كانت علامة فارقة على صعيد التواصل الثقافي على الرغم من مساعي بعض النخب السياسية لإنكار أهمية ذلك في السياق السياسي الإقليمي والدولي. كذلك، اعتبرت بارفيز أنّ بطولة كأس العالم شجّعت على حرية التعبير وسهّلت الحوار ما بين الجماهير المحلية والإقليمية والدولية، داعية إلى ترجمة حرية التعبير هذه إلى تغيير على مستوى السياسات، وما الدوائر الأكاديمية إلّا نقطة البداية فحسب.
تناول سؤالٌ آخر مسألة الإصلاحات العمّالية في خلال بطولة كأس العالم، والمسائل العالقة على صعيد المراقبة والتطبيق. شدّدت بارفيز على أهمية هذه الإصلاحات وضرورة ضمان ديمومتها من خلال بذل المزيد من الجهود الحثيثة في هذا الصدد. كما أضاءت على الجذور الاستعمارية لنظام الكفالة وضرورة وضع المسائل العمّالية في سياقها السياسي والتاريخي. توجّه كارون بعدها إلى الحاضرين وطلب منهم التفكير في السبب الذي يجعل الاقتصاد الدولي يدفع الناس نحو الهجرة بحثاً عن عمل. وشدّد على أن إصلاح الاقتصاد الدولي ضروري لمعالجة مسائل الهجرة والعمالة على المستويات الوطنية.