أزمة العراق:

هل يمكن تجنّب إعادة التصعيد؟

سبتمبر 28، 2022

الأربعاء، سبتمبر 28، 2022
4:00 م - 5:15 م
عبر الانترنت
Zoom

ملخص

نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية في 28 سبتمبر 2022 ندوةً عبر الإنترنت لمناقشة إمكانية تجنيب العراق إعادة تصعيد الصراع العنيف. وشارك في الندوة خبراء وباحثون بارزون في الشأن العراقي للبحث في الجهود المبذولة لتشكيل حكومة، وتطوّر النظام السياسي بعد عام 2003، والدور الذي يمكن أن تؤدّيه جهات خارجية لتهدئة التوترات. وضمّت الندوة كلّ من محمد الشمري، رئيس مؤسسة سومر للشؤون الدولية؛ وماثيو زايس، زميل أول غير مقيم في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي؛ وحفصة حلاوة، باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط. وأدار الزميل في المجلس رانج علاء الدين حلقة النقاش.

افتتح علاء الدين الندوة عبر إبراز أهمية العراق على مستويات عدة في تحقيق السلام والأمن الإقليميَين على نطاق أوسع. ففي خلال السنوات العشرين الماضية، كابدت البلاد حربَين أهليتَين أقلّه ومناوشات ومواجهات عسكرية وحركة نزوح، فضلاً عن تعطّل عجلة الاقتصاد. ومنذ شهر تقريباً، كان العراق على شفا حرب أهلية نتيجة صراع داخلي ينذر بالعنف بين الفصائل السياسية المتناحرة والميليشيات المسلّحة لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات. أما الآن، فيبدو أنّ قوتَين موازيتَين تؤثّران في الساحة السياسية العراقية: حركة احتجاج فعّالة حقّقت إنجازات ملحوظة بالنظر إلى الظروف السائدة، وطبقة سياسية تعتزم منع تحقيق إصلاحات واسعة النطاق.

وقام الشمري بتحليل المشهد العراقي في أعقاب الانتخابات والاحتجاجات الأخيرة، وتوقّع الوصول إلى نتائج مبهمة، مشدّداً على أنّ الديناميات عينها تحرّك الساحة العراقية بعد تشكيل كلّ حكومة جديدة، ما تنتج عنه أزمة سياسية متكرّرة. والأمر المعقّد حالياً هو عملية اختيار مرشّح جديد لمنصب رئيس الوزراء. لكن إذا توصّلت الأطراف المتعارضة إلى الاتفاق على مرشّح معيّن، فسيمنع ذلك حتماً من زيادة التصعيد، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا الاتفاق. وأعرب الشمري عن قلقه إزاء حدوث مزيد من العنف في العراق، لكنه إذا حصل لن يكون مواجهة واسعة النطاق كما حدث في شهر أغسطس. ورأى الشمري أنّ صعوبة الوضع تعود إلى غياب الرؤية للمرحلة المقبلة من حيث الأولويات والبرامج التي تخدم الشعب العراقي، مما يوسّع الهوة بين النخبة السياسية والمواطنين. ومع ذلك، ستبذل جميع الأحزاب قصارى جهدها لمنع تكرار العنف الذي شهده العراق في شهر أغسطس.

ثمّ تطرّق زايس إلى دور المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية في العراق، مستبعداً إمكانية أن تعمل الحكومة العراقية التي تتشكّل في الوضع الراهن مع الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي. فقد أرسلت الولايات المتحدة إشارات واضحة من خلال الخطوات التي اتّخذتها حتى الآن بأنّها تنوي عدم التدخل في السياسة العراقية، أقله بشكل علني، وتجنّب أي دور علني في عملية تشكيل الحكومة. لكنّ الأمر لا ينطبق على الدول المجاورة للعراق التي تتدخل فعلياً في مستقبل البلاد. بالتالي، لا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي، وتبرز إشارات من الكونغرس إلى أنّها غير مستعدّة للبقاء على هامش ما يحدث في العراق. وقال زايس إنّ الولايات المتحدة تريد حكومة عراقية سيادية في مأمن من تأثيرات الدول المجاورة ووكلائها. لكن بعد انقضاء عقدَين من التدخل الأمريكي، تبيّن أنّ القوات الأمنية غير الخاضعة للدولة العراقية تفوق تلك الخاضعة لها، ولا بدّ من أن يتغيّر ذلك. وأضاف زايس أنّ الاقتصاد العراقي ما زال معتمداً بالكامل على الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، مما يحافظ على النفوذ الاقتصادي الأمريكي في البلاد. أمّا على مستوى الطاقة، فتستمرّ الولايات المتحدة في تقديم إعفاءات للعراق من أجل استيراد الغاز والكهرباء من إيران، لكن يمكن للولايات المتحدة إلغاء هذه الإعفاءات إذا لم يرضِها تقدّم الأوضاع في العراق. وخلُص زايس إلى أنّ العراق يحتاج استثمارات دولية كبيرة لحلّ أزماته، مما يتطلب تحسيناً في أحواله الراهنة.

وتناولت حلاوة أحداث العنف الأخيرة في العراق، مشيرةً إلى أنّها بدأت مع استقالة وزير المالية علي علاوي من منصبه الذي دان في خطاب استقالته تفشّي الفساد في مؤسسات الدولة وأنظمتها وعملياتها، داعياً إلى اعتماد أعلى المستويات في القيادة والسلوك الأخلاقي، وإلى الالتزام باستقرار الترتيبات السياسية وترابطها واستمراريتها. لكنّ حلاوة رأت أنّ النظام يشوبه الفساد إلى حدّ لا يمكن تغييره، فيما يكمن التغيير الوحيد في تحوّل الساحة السياسية إلى باحة تتساوى فيها الجهات الفاسدة، ولا تستطيع بالتالي أي جهة ممارسة نفوذها. ومع استقالة الوزير علاوي الذي يُعدّ حارس أموال العراق، ما من أحد يحرص على أنّ جزءاً من عائدات الحكومة يعود بالفعل إلى الشعب و لا أحد يضمن شبه استمرار الحوكمة في مرحلة تصريف الأعمال. وأشارت حلاوة إلى أنه بالرغم من أنّ موجات العنف متفرّقة، لطالما شهد النظام السياسي صراعاً دائماً قوّض الدولة بالكامل. وقد تفاقمت الأحوال نتيجة الأرباح الضخمة من الإيرادات النفطية التي كُشف النقاب عنها. وشكّلت حركة الاحتجاج ردّاً على معايير الصراع هذه، بالرغم من استمرار النخبة السياسية في محاولة نزع مصداقيتها تماماً كحركة طبيعية سلمية غير طائفية. وفي غضون ذلك، تُظهر الأحداث الحاصلة في إيران وشمال شرق سوريا إلى طريقة ردّ فعل الميليشيات المسلّحة والجهات الفاعلة غير الحكومية والوكلاء في العراق عندما تطاله التداعيات. وخلصت حلاوة مشيرةً إلى أنّ علاوي قد أقرّ في ملاحظاته الجهات الفاعلة المسلّحة غير الحكومية كجزء من هيكل الحكم التابع لنظام الدولة.

وفي جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت النقاش، واصل الخبراء حديثهم عن المشهد السياسي الحالي في العراق. وكرّر الشمري المخاوف التي عبّرت عنها حلاوة إزاء الفساد المتفشّي، وأشار إلى أنّ زيادة حجم الموارد أدّت إلى تفاقم الصراع بين زعماء السلطة الذين اعتزموا جميعهم على نهبها. بالإضافة إلى ذلك، لا تبرز مشاريع جدّية لإعادة بناء الدولة أو تحقيق التماسك الاجتماعي أو تأمين الخدمات العامة الأساسية، ولا يمكن للعون الدولي أن يسدّ هذه الثغرة بحسب الشمري. ومع غياب الحكومة وخطّة للميزانية، سيصبح من المحتّم حصول أعمال عنف بين فئات المجتمع المختلفة أو نشوب صراع أهلي شامل في نهاية المطاف. ثمّ أشار زايس إلى أنّ الطبقة السياسية العراقية سلبت العراق وحرمت شعبه حقّه في الحصول على مستوى معيشي أساسي، تتناسب فيه السلع والخدمات مع المفهوم العصري للعيش الكريم. ووفقاً للظروف الحالية، من المرجّح عدم حصول أي تغييرات في العراق إنما يمكن بروز مجرّد ترتيبات للإبقاء على الوضع الراهن. وأضاف زايس أنّ مستقبل العراق قائم على حدوث إمّا صدمة داخلية أو خارجية. وإذا لم تتجلَّ هذه الصدمة بشكل احتجاجات، فستنطوي على أعمال ميليشيوية عنيفة كما هو مُلاحَظ. ثمّ تطرّقت حلاوة إلى الروابط الإقليمية مع العراق، وأشارت إلى أنّ الجهود الإقليمية منحت الحكومة السابقة فرصة حماية نفسها على الصعيد المحلّي. والتحالف العربي خير نموذج، كونه يشكّل استعادة ملموسة للالتزام بالعلاقات العربية وكيفية المضي قدماً في الاستثمارات وغيرها من المسائل، مثل الكهرباء والطاقة.

مدير الجلسة

المتحدثون

ماثيو زايس
زميل أول غير مقيم، مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي
محمد الشمري
رئيس مؤسسة سومر للشؤون الدولية، العراق
حفصة حلاوة
باحثة غير مقيمة، معهد الشرق الأوسط