نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 17 أغسطس 2020 حول الوضعَين السياسي والاقتصادي في لبنان، وقد بحثت الندوة في الأثر على المدَيين القصير والمتوسّط الذي يخلّفه الانفجار في مرفأ بيروت وفي الإصلاحات اللازمة للتقدّم في البلاد. وشارك في الندوة، التي أدارها نادر قبّاني، مدير البحوث في مركز بروكنجز الدوحة، مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، من بينهم جوزيف باحوط، باحث زائر في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي؛ وناصر سعيدي، وزير اقتصاد سابق في لبنان؛ ورامي خوري، أستاذ الصحافة في الجامعة الأمريكية في بيروت.
افتتح جوزيف باحوط النقاش قائلاً إنّ انفجار بيروت دمّر المدينة معنوياً ونفسياً. ويشعر المدنيّون كأنّ حكومتهم قد تخلّت عنهم وولّد هذا الأمر شعوراً بالتضامن في ما بينهم. علاوة على ذلك، قال باحوط إنّ هذه الكارثة وقعت في ثلاثة سياقات مختلفة. أولاً، جرت على خلفية انتفاضة شعبية مستمرّة ضدّ النخبة السياسية، وما كان من الالتباس حيال مصدر الانفجار إلّا أن وسّع الفجوة بين الدولة والمجتمع. والسياق الثاني هو الأزمة الاقتصادية الخطيرة في البلاد. وفي هذا الخصوص، لفت باحوط إلى أنّ الانهيار الاقتصادي بدأ في يناير وأنّ الانفجار فاقم الوضع. أخيراً، وقع الانفجار في زمن ما زالت فيه الحكومة عاجزة وفاقدة للشرعية. لكن لسوء الحظ، لا يبدو أنّ المجتمع المدني قادرٌ على ملء الفراغ لأنّ حركة الاحتجاج غير منظّمة ولم تقترح حلولاً لمشاكل لبنان الملحّة. ومستقبَلاً، قال باحوط إنّ تأليف حكومة انتحارية لن يكون حلاً واقعياً لأنّ ميزان القوى في البلاد ما زال على حاله والنخبة لا تشعر بضغط لتغيير أساليبها. ختاماً، قال إنّ للمبادرة الفرنسية في لبنان ثلاثةَ مستويات منفصلة تتطلّب بداية مساعدات إنسانية غير مشروطة، إلى جانب الحاجة إلى تحقيق جدّي في أسباب الانفجار وإصلاحات بنيوية في الاقتصاد الكلّي.
وتابع ناصر سعيدي النقاش قائلاً إنّ الانفجار يشكّل لحظة مفصلية في تاريخ لبنان. وقال إنّ الانفجار لم يدمّر مرفأ بيروت، المسؤول عن 80 في المئة من واردات البلاد، فحسب، بل دمّر أيضاً مركز لبنان الثقافي وسلّط الضوء على عدم كفاءة الحكومة. وانعكس ذلك في الاحتجاجات التي اندلعت بعد وقوع الكارثة والتي واجهتها الدولة بالقمع. علاوة على ذلك، قال إنّ لبنان عانى أزمات إنسانية واقتصادية ومالية قبل الانفجار وإنّ هذه الفاجعة زادت الأمور سوءاً. وتعليقاً على مستقبل البلاد، قال الوزير السابق إنّ أمام النخبة السياسية خيارَين ممكنَين في المستقبل: يمكنها الاستمرار برفض تطبيق الإصلاحات فتطيح بذلك بإمكانية الوصول إلى اتّفاقية مع صندوق النقد الدولي لتلقّي المساعدات، ممّا يؤدّي إلى المزيد من الخراب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أو يمكنها المساعدة على تأليف حكومة طوارئ انتحارية. فإن انتهج مَن هم في السلطة هذا المسار، يمكنهم طلب المساعدة من الجهات الفاعلة الدولية واللجوء إلى السلطة التشريعية لفرض إصلاحات اقتصادية واجتماعية وإنسانية.
وردّاً على السؤال ما إذا كان لبنان في طريقه ليصبح دولة فاشلة، قال رامي خوري إنّه من الصعب التأكيد على ذلك، لكن ما هو أكيد أنّ المواطنين أبدَوا حيوية بشرية مذهلة على مدى السنوات وما زالوا يبدونها الآن. وقال خوري إنّه لا يمكن تصنيف لبنان دولة فريدة بعد الآن، وقد تحوّل إلى دولة عربية نموذجية تعاني انتفاضات شعبية وصعوبات اجتماعية اقتصادية واسعة النطاق ودولة مُعسكَرة. وبالفعل، في هذه المرحلة، الحكومة عاجزة ويفتقر المواطنون إلى الحقوق وتعرّضت السيادة للانتهاك من قوى متعدّدة. زدْ على ذلك أنّ وجود حزب الله يعقّد الأمور أكثر. لكن على الرغم من ذلك، أشار خوري إلى أنّ الشعب اللبناني ما يزال يحتجّ في الشارع على أمل إحداث تغيير. وفي ما يخصّ التداعيات السياسية للانفجار، شدّد على أنّه ينبغي على الحكومة الإقلاع عن الاعتماد على آلياتها القديمة لحلّ المشاكل وعلى الاتّكال على الجهات الفاعلة الأجنبية. وبالفعل لن يكون هذا الأمر كافياً لإنقاذ البلاد لأنّ مستوى الحاجات الاقتصادية عالٍ جداً شأنه شأن انعدام الثقة بين الشعب والحكومة.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة على الخطوات اللازمة لإحلال الاستقرار في لبنان وعلى المحفّزات السياسية التي ستحثّ الجهات المختلفة على اتّخاذها. فشدّد سعيدي على أنّ الوضع الاقتصادي عسير جداً لدرجة أنّه سيؤّثر في كلّ الأحزاب السياسية ويفقرها إن لم تُجرِ الإصلاحات اللازمة. وتخسر المصارف معظم أموالها، ممّا يعني أنها غير قادرة على توليد الدخل، وسرعان ما ستدرك الحكومة أنّ الحلّ الوحيد هو إبرام اتّفاق مع صندوق النقد الدولي وتنشيط الاقتصاد. وأيّد خوري ذلك بالقول إنّ على مَن في السلطة التعلّم من أخطاء نظرائهم في الصومال. وشرح قائلاً إنّ للبنان، على غرار الصومال، الإمكانية بأن يصبح دولة يمكن الاستغناء عنها تنساها القوى الأجنبية. أخيراً، اقترح بأن يعمل لبنان على التشبّه بالنموذج الذي اعتُمد في السودان الذي له حكومة انتقالية مؤلّفة من أعضاء من الجيش ومن المدنيين على حدّ سواء.