نظّم مركز بروكنجز الدوحة بالتعاون مع الباروميتر العربي ندوة مشتركة عبر الإنترنت في 2 نوفمبر 2020 حول الطريقة التي سترسم فيها الانتخابات الرئاسية الأمريكية معالم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتمحوَر النقاش حول الرأي العام في أرجاء المنطقة والأثر في دول محدَّدة، من ضمنها الدول الخليجية، والوضع الداخليّ في الولايات المتّحدة. وشارك في الندوة، التي أدارها عادل عبد الغفار، زميل في مركز بروكنجز الدوحة، مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، من بينهم مايكل روبنز، مدير الباروميتر العربي؛ ومها يحيَ، مديرة مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط؛ وسامر شحاتة، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما؛ وتمارا كوفمان ويتس، زميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنجز.
استهلّ مايكل روبنز النقاش عبر طرح النتائج المستخلَصة من استطلاعات الرأي العام التي أجراها مؤخراً الباروميتر العربي. وطرحت مجموعةُ الاستطلاعات الجديدة هذه أسئلةً حول مدى تفضيل الولايات المتّحدة، وتبيّن أنّ المستوى منخفض عموماً في أرجاء المنطقة مع متوسّط يبلغ 25 في المئة تقريباً في معظم البلدان. واللافت أنّ الشباب عموماً يفضّل الولايات المتّحدة أكثر من المواطنين الأكبر سنّاً. وفي ما يخصّ المرشّحين الرئاسيين، أجاب شخص من أصل عشرة، كمعدّل متوسّط، أنّه يفضّل الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات، فيما قال ثُلث المستطلَعين أنّ جو بايدن سيحظى بسياسة خارجية أفضل. لكنّ روبنز لفت الانتباه أيضاً إلى أنّ الاستطلاع يُظهر عدم اكتراثٍ حيال الانتخابات. مثلاً، قال 40 في المئة من المستطلَعين في لبنان إنّه لا يهمّ مَن الفائز. أخيراً، قال روبنز إنّ ترامب غير محبوب أبداً في العالم العربي وأنّ رئاسته ولّدت تراجعاً في المودّة إزاء الولايات المتحدة. وقال نصف المستطلَعين تقريباً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنّ بايدن سيكون أفضل للشرق الأوسط أو إنّ الأمر غير واضح. بالتالي، قد تُغيّر رئاسة بايدن مواقف المواطنين العاديين.
ولفتت مهى يحيَ أنّ الولايات المتحدة فقدت مصالحها ومكانتها الأخلاقيةفي الشرق الأوسط، وركّزت عوضاً عن ذلك على بعض الخطوط الحمر التي لا ينبغي تخطّيها، من بينها الأمن الإسرائيلي وعرقلة تدفّق النفط. بعد ذلك، عرضت بعض أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تراجع الولايات المتّحدة في المنطقة. فذكرت أولاً طبيعة ترامب المتقلّبة كقائد، وقد برهنت على ذلك تغريداته الانفعالية وتخلّيه عن حلفائه المهمّين. ثانياً، سلّطت الضوء على الاتّفاقات المُبرمة مؤخراً بين إسرائيل والإمارات العربية المتّحدة والبحرين على التوالي، قائلة إنّها اتفاقات تعاملية ولن تمهّد الطريق لسلام دائم أكثر. وناقشت يحيَ التداعيات على بعض الدول في حال انتخاب بايدن. فركّزت مثلاً على موقفه ضدّ الضمّ في فلسطين، لكنّها لفتت إلى أنّه سيكون من الصعب التراجع عن التطوّرات التي أفضت إليها إدارة ترامب. وفي سوريا، ترى يحيَ أيضاً موقفاً صعباً لبايدن، لكنّها لفتت إلى أنّه قد يستعين بالجنود المتبقّين للحثّ على عملية انتقالية سياسية. وسلطّت الضوء على عدم تحسّن الوضع السياسي في لبنان على الرغم من الاحتجاجات الضخمة وعلى أنّ المستقبل سيعتمد إلى حدّ كبير على المفاوضات بين الولايات المتّحدة وإيران. وختمت بالقول إنّه بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات، لن ترى المنطقة أي تغيّرات ملموسة في السياسات قبل مرور أشهر.
وتابع سامر شحاتة النقاش مركّزاً على أربع نقاط أساسية. فشدّد أولاً على جدّية الوضع الداخلي الراهن في الولايات المتّحدة والمستوى غير المسبوق من الاستقطاب السياسي. ثانياً قال شحاتة إنّ الفرق الكبير بين ترامب وبايدن هو أنّ الأخير سيحظى بسياسة خارجية متماسكة ترتكز على الدبلوماسية والانخراط عوضاً عن الابتزاز والرشوة. ثالثاً، ناقش تداعيات رئاسة بايدن على شمال أفريقيا، ومصر بالتحديد. ففيما اعتبر الرئيس ترامب الرئيسَ عبد الفتّاح السيسي “دكتاتوره المفضّل”، أعرب بايدن عن دعمه للمتظاهرين في البلاد وسيضع ضغطاً علنياً على الحكومة للحؤول دون ارتكاب المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان. أخيراً تمحورت نقطة شحاتة الرابعة حول وضع الولايات المتّحدة المتغيّر. فلفت أنّه إذا تبوّأ بايدن سدّة الرئاسة سيرث بلداً أنهكه تأثير فيروس كورونا المستجدّ ويكافح لمعالجة العنصرية المتأصّلة في نظامه. بالتالي، يُرجَّح أنّ يركّز نائب الرئيس السابق جهوده على المسائل المحلّية. علاوة على ذلك، قال شحاتة إنّه ما زال في وسع بايدن التعاون مع مصر والعمل على مجالات المصالح المشتركة. أخيراً، سيأخذ بايدن موقفاً أكثر حزماً حيال المملكة العربية السعودية وانتهاكاتها للسيادة الأمريكية، فضلاً عن سياسات المملكة التدخّلية الكارثية في اليمن.
وركّزت تمارا كوفمان ويتس على الخليج، فوصفته بأنّه المنطقة التي يصل فيها القلق والتوتّر إزاء السياسات الأمريكية إلى أوجّه. وقالت إنّ هذا القلق ينبع بشكل أساسي من مصدرَين. أوّلاً، الدول الخليجية غير راضية عن طريقة استجابة الولايات المتّحدة للانتفاضات العربية. وولّد هذا شكوكاً حيال التزام واشنطن بالأمن الإقليمي واستطراداً بأمن الأنظمة. ثانياً، ازداد القلق بسبب منافسة القوى ضمن المنطقة. فقد طالبت عدّة جهات فاعلة بدور أكبر في الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وإيران وتركيا وروسيا. وتفاقمت بفعل دور الولايات المتّحدة المتقلّب والمزاجي. وقد ضعضع غياب الاستراتيجية في المنطقة ثقة الدول الخليجية بشدّة. وطرحت ويتس بعض التحديات الأساسية للرئيس المقبل، ألا وهي كيفية الاستمرار بحماية المصالح الأمريكية في المنطقة مع معالجة المخاوف المحلّية في الوقت عينه. وختمت بمناقشة العلاقات مع المملكة العربية السعودية والطريقة التي سيباشر فيها بايدن على الأرجح بحوارات حول حقوق الإنسان. وبرزت مخاوف أيضاً في واشنطن حيال انتهاك المملكة للسيادة الأمريكية، الذي ينبغي على الرئيس الجديد التعامل معه.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة على مسألة فلسطين وإسرائيل وحضور واشنطن المتراجع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولفتت يحيَ أنّ حلّ الدولتين لم يعد خياراً ممكناً لكنّ بايدن سيتابع بهذا المسار على الأرجح. وأضافت ويتس أنّ التحدّي للولايات المتّحدة سيكون بناء أساس جديد للجهتَين لكي تتواصلا. وقال شحاتة إنّه في حال انتخاب بايدن قد يتابع في مسار تسهيل اتفاقات التطبيع مع دول عربية أخرى. وقالت يحيَ إنه بسبب حضور الولايات المتّحدة المتراجع في المنطقة، دخلت دول أخرى في الصورة، على غرار روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وتركيا. في هذ الخصوص، قالت ويتس إنّ الشرق الأوسط ما زال مهمّاً للولايات المتّحدة، لكنّ مناطق أخرى تحظى بأهمّية أكبر. علاوة على ذلك، قالت إنّه ينبغي على الولايات المتّحدة إعادة التوازن إلى انخراطها في المنطقة مع التركيز أكثر على الدبلوماسية. أخيراً لفت روبنز أنّ البيانات تبيّن أنّ المواطنين في أرجاء العالم العربي ما عادوا يشعرون بأنّ الولايات المتّحدة تشكّل التحدّي الأكبر للأمن الإقليمي.