استضاف مركز بروكنجز الدوحة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2010 مناقشة سياسية في النادي الدبلوماسي مع الدكتور محمد اشتية، أحد أعضاء الوفد الفلسطيني لمحادثات الوضع النهائي مع اسرائيل، والوزير السابق للأشغال العامة والإسكان، والوزير الحالي للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار. تناول الحوار الوضع الحالي والماضي والمستقبل المتوقع لعملية السلام الفلسطنية الإسرائلية. أدار هذا الحدث سلمان الشيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة، وحضره أعضاء من مؤسسات قطرية إعلامية ودبلوماسية وتجارية وأكاديمية.
استهل اشتية المناقشة بتوضيح لعملية السلام من 19 عام، والتي وصفها بأنها أصبحت “صناعة للسلام”. بصفته أول فلسطيني يتم إرساله إلى مدريد في المفاوضات الفلسطينة الإسرائلية في 1991، كان اشتية حاضراً من أجل بدء عملية السلام. ومنذ ذلك الحين، قال إنه شهد محاولات فاشلة لاختتام المفاوضات في كامب ديفيد، أنابوليس، ومؤخراً في العاصمة الأمريكية واشنطن. “إن مشكلة محادثات السلام” كما أوضح، “تتلخص في عدم وجود اختصاصات”. وأوضح اشتية أن محادثات مدريد كانت ممكنة فقط نظراً لأن وزير الخارجية الأمريكية جميس بيكر اشترط اختصاصات واضحة لمناقشة “الأرض مقابل السلام”. وصف اشتية اتفاقية كامب ديفيد بالفشل، مشيراً إلى عدم إلتزام الجانب الاسرائيلي بالعملية، ومع رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك مقابلة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على انفراد. في أنابوليس، بالرغم من أنه كانت هناك مناقشة قيّمة، عبّر اشتية عن أسفه لأن المحادثات لم تكلل بالنجاح في نهاية المطاف بسبب عدم وجود اختصاصات واضحة.
انتقل اشتية بعد ذلك إلى جهود السلام الأخيرة، والتي بدأت هذا العام عندما اقترحت الولايات المتحدة محادثات تقاربية بين الطرفين. وخلال هذه المناقشات، أكد أن اسرائيل كانت تريد مناقشة قضايا الأمن والحدود فقط، بدلاً من الانخراط في حوار جاد حول قضايا الوضع النهائي. وبعد سبعة أشهر وست جولات من المحادثات غير المباشرة، سهّلت الولايات المتحدة المفاوضات المباشرة، ودعت الطرفين إلى العاصمة واشنطن. في ذلك الوقت، كان المجتمع الدولي وإدارة أوباما، بحسب قول اشتية، مشددين على نقطة واحدة: لا ينبغي أن تستمر اسرائيل في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطنية خلال محادثات السلام. نتيجة لذلك، قررت اسرائيل إيقاف بناء المستوطنات لمدة 10 أشهر.
وقال اشتية بأن فريق التفاوض الفلسطيني كان يعلق آمالاً كبيرة على المحادثات، لأنه اتفق مع الأمريكيين على اثنتين من النقاط الحرجة. أولاهما، أن المستوطنات غير شرعية ويجب تجميدها. الثانية، أن يدعم الطرفان إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً. “المشكلة” بعبارة اشتية “هي أن واشنطن لم تضغط بما فيه الكفاية على اسرائيل للوصول بها إلى طاولة المفاوضات”. وعندما رفضت اسرائيل تمديد وقف بناء المستوطنات في 27 سبتمبر/أيلول، توقفت محادثات السلام.
من الجانب الفلسطيني، قال اشتية، أنه كان من الواضح أن المحادثات لا يمكن أن تستمر في الوقت الذي يتم فيه بناء المستوطنات. ووصف المستوطنات “بأنها ضربة حقيقية للمجتمع الدولي وتآكل خطير من الرقعة الجغرافية للدولة الفلسطينية”. لم يكن هناك أي مستوطن يهودي على الأرض الفلسطينية في 1976، أصبح اليوم هناك 431 ألف مستوطن يهودي في 185 مستوطنة على التربة الفلسطينية.
أكد اشتية أن الإسرائيليين مهتمون فقط بأمنهم، كما أنهم رفضوا عرضاً من الرئيس عباس تكون فيه فلسطين منزوعة السلاح مع وجود قوات خارجية تقوم بحراسة المنطقة الحاجزة. يرى اشتية أن اسرائيل لا تريد سوى الوضع الراهن، الذي يصفه بأنه “استمرار لبرنامج الاستعمار والإبقاء على الائتلاف [الحاكم]”. وأضاف بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لا ينظر للقضية الفلسطينية على أنها ذات أولوية لأن اسرائيل قادرة على الإبقاء على الوضع الراهن دون أي تكلفة، بل وتستفيد من الأقاليم الفلسطينية، فهي تربح 4 مليار دولار سنوياً من البضائع التي تصدرها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. بدلاً من التركيز على فلسطين، كذلك، تُستهلك الإدارة الإسرائيلية الحالية من جانب إيران. وبالرغم من هذه العقبات، إلا أن اشتيه عبر عن استعداده للتفاوض مع حكومة اسرائيلية تكون القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها. “إذا كان لديك شريك في عملية السلام، فيجب أن تتأكد من استعداده لعملية السلام. إذا كان لدى اسرائيل ائتلاف للسلام، فسوف نتحدث معهم”.
في ملاحظاته الختامية، أكد اشتية أنه لا ينبغي أن تضم عملية السلام الجانب الإسرائيلي والفلسطيني وفقط، بل يبنغي أيضاً أن يكون هناك لها إطار زمني محدد. ونظراً لأن اسرائيل وفلسطين لم يقدرا على التوصل إلى سلام دائم بعد 19 عام من المفاوضات، فقد يضطر الفريق الفلسطيني للنظر في طرق بديلة. وضع اشتية الخطة الفلسطينية لتحقيق الاستقلال. أولاً، ستلجأ فلسطين إلى المجتمع الدولي وتطلب منه الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة على حدود 1967، كما فعلت البرازيل والأرجنتين وأوروغواي. إذا لم يحقق ذلك أي جدوى، فسوف يلجأ الفلسطينيون إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة للاعتراف بدولتهم. وإذا ما اعتُرض على هذا الاقتراح، قال، فسوف يطالب الفلسطينيون بعقد جلسة طارئة للجمعية العمومية بالأمم المتحدة تحت عنوان “الوحدة من أجل السلام”، والتي تحمل قراراتها نفس الثقل السياسي لقرارات مجلس الأمن. إذا لم يفلح ذلك، فسوف يطلب الفلسطينيون وصاية الأمم المتحدة على الأراضي الفلسطينية. أخيراً، إذا فشلت كل هذه الخيارات المذكوره أعلاه، فسوف يُعيد الوفد الفلسطيني، في نهاية المطاف، إدارة جميع الشؤون المدنية إلى إسرائيل.
تلى مقدمة اشتية، جلسة السؤال والجواب التي غطّت مجموعة من القضايا، بما في ذلك وضع اللاجئين الفلسطينيين، ودور الأمم المتحدة، وإمكانية الوصول إلى خيار الدولة الواحدة. سأل سلمان الشيخ رئيس الجلسة عما إذا كان هناك بديل من المقاومة كوسيلة ممكنة لتصحيح الوضع الفلسطيني. أجاب اشتية بقوله إن الهدف الأكثر أهمية بالنسبة لاسرائيل هو الإبقاء على الوضع الراهن، وأكد على أن الفلسطينيين يمكنهم إفساد هذا الوضع من خلال المقاومة الشعبية. وبيّن اشتية، مع ذلك، أن أي اتجاه سيسلكه الفلسطينيون سوف ” يتم تنسيقه مع الدول العربية لأن القضية الفلسطينية قضية عربية”. واختتم الحديث بقوله “لا نستبعد أبداً أي خيار من شأنه أن يُكلف الاحتلال ما لا يطيق”.
سأل أحد الحاضرين عما إذا كان قد فكّر الوفد الفلسطيني في توجيح خطاب مباشر للشعب الأمريكي ليشرح لهم أنهم يدفعون ثمناً باهظاً في دعمهم لاسرائيل. رداً على ذلك، أجاب اشتية بأن على الأمريكيين أن يكونوا على علم بهذا المال المقتطف من الضرائب الأمريكية ويُحول إلى اسرائيل. كما يعتبرها مسؤولية عربية بأن يظهروا للعالم الواقع الأليم لمعظم الفلسطينيين، مستشهداً بقناة الجزيرة وما تبذله من جهد لتحقيق هذا الهدف. يرى اشتية أن واقع القضية الفلسطينية سوف يصل شيئاً فشيء إلى الولايات المتحدة والرأي العام الدولي، وهكذا سوف يرون النتائج المترتبة على دعمهم التام لاسرائيل.
سؤال آخر متعلق بما إذا كان توحد حركتي حماس وفتح سوف يساعد في دفع عملية السلام. بيّن اشتية، من وجهة نظره، أن المصالحة الفلسطينية ليس لها أي علاقة بالمفاوضات، نظراً لأنه توجد حاجة ماسة إليها خارج عملية السلام، بصرف النظر عن تقدم المحادثات من عدمه. وأكد أن على الفلسطينيين الاتفاق على هدف واحد وأفضل السبل لتحقيق هذا الهدف. يرى اشتيه من منظوره أن حركة فتح في طريقها إلى تحقيق هذا الهدف المتعلق بالوحدة بتوقيعها على اتفاقية الوساطة المصرية ويأمل أن تتخذ حماس نفس الموقف أيضاً.