نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 30 نوفمبر 2020 حول سياسة فرنسا المتغيّرة بشّأن تجلّيات الإسلام العامّة والسياسية. وتطرّق النقاش إلى دور الانتخابات المُقبلة والتعريف الدقيق لكلمة علمانية والحرّيات الدينية في فرنسا بشكل أوسع. وشارك في الندوة، التي أدارها غالب دالاي، زميل غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة، مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، من بينهم فرانسوا بورغات، زميل بحوث أوّل في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية؛ وجوسلين سيزاري، أستاذة زائرة متخصّصة في الديانات والعنف وبناء السلامفي كلّية هارفرد للّاهوت؛ وريم سارة علوان، باحثة وطالبة دكتوراه في القانون المُقارَن في جامعة تولوز كابيتول.
استهلّ فرانسوا بورغات النقاش عبر التركيز على ما أسماه الطبقة الأخيرة من المحفّزات التي تزيد من حدّة الأزمة في فرنسا، أي الانتخابات. وسلّط بورغات الضوء على أنّ إيمانويل ماكرون وصل إلى سُدّة الرئاسة بمساعدة من الناخبين في مجموعات اليسار والوسط، لكن بعد ثلاثة أعوام من السياسات الليبرالية، خسر كلّ هذا الدعم. بالتالي، سعياً لإعادة انتخابه، كان عليه التواصل مع ناخبي اليمين واليمين المتطرّف على حدّ سواء الذين همّهم الوحيد تفادي الإرهاب. وجعل هذا الأمر الرئيس أكثر تشدّداً في شيطنة المسلمين الفرنسيين وإلقاء اللوم للتهديدات الأمنية في البلاد على هذه المجموعة . وشدّد بورغات أيضاً على نقاش كراهية الإسلام وتداعياتها. وقال إنّه في البداية جرى النقاش ضمن بعض شرائح المجتمع الفرنسي لكنّه منذ تلك الآونة بات تحت سيطرة الدولة. أخيراً، سلّط الضوء على الفكرة بأنّ خطاب شيطنة الإسلام السياسي ليس منتجاً فرنسياً فحسب وتمّ نشره بالتعاون مع الأنظمة الأتوقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويُعزى ذلك إلى أنّ التيّارات السياسية الأساسية التي تُعبِّر عن المطالب الديمقراطية في مجتمعات كهذه مرتبطة بالإسلام السياسي.
وتابعت جوسلين سيزاري النقاش عبر الاستفاضة عن مبدأَي العلمانية. فالأوّل هو الحرص على أنّ الدولة تعامِل الديانات كافّة بالتساوي ولا تعرقل ممارستها ولا تكون خاضعة للدين في الوقت عينه. ويتعلّق المبدأ الثاني بشرعية الدين الاجتماعية في المساحات العامة. ففي فرنسا تاريخٌ طويل من الشكوك حيال الممارسة في المساحات العامة يعود إلى الحرب الدينية بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين. بالتالي، لكي يتمّ الاعتراف بمجموعة دينية ما، ينبغي عليها أن تمارس الديانة والعبادة في المنازل أو دور العبادة. ولفتت سيزاري أنّ جزءاً من المسألة هو أنّنا نعيش في بيئة دولية تستغلّ فيها المجموعات المتشدّدة لغة الإسلام لتنفيذ مآربها السياسية الخاصة. وقد حثّ هذا الأمر، مقروناً بالصدمة التي سبّبتها هجمات 11 سبتمبر، الكثير من الدول الأوروبية لتقييد النشاطات الدينية كافّة. في هذا السياق، كان المسلمون المجموعة الأكثر استهدافاً لأنّ أسلوب ممارستهم مرئي جدّاً. أخيراً، شدّدت على أنّنا لا نولي ما يكفي من الاهتمام لبروز الحرب الثقافية، وبالتحديد الشبّان البيض الذين ينشرون خطاب كراهية الإسلام ويدعمون المسيحية والشعبوية. ويرسّخ هؤلاء نفسهم جزءاً من الأمة المسيحية حتّى لو كانوا علمانيين يحاربون الإسلام.
وأكملت ريم سارة علوان النقاش بالتعليق على الاستجابة الفرنسية للهجمات الإرهابية. فقالت إنّه كلّما يحدث هجوم تحاول فرنسا تعديل إدارة الدِّين عوضاً عن التركيز على مسائل التشدّد والأمن القومي. علاوة على ذلك، وبحسب علوان، تخلّت البلاد عن حكم القانون لمعالجة المسائل الأمنية وتُسبِّب أعمالها انحساراً للحرّيات المدنية عموماً وليس لحريّة المعتقد فحسب. وتحدّثت أيضاً عن قانون حرّية التعبير عن الرأي في فرنسا. فمع أنّ في البلاد قانوناً لحرّية التعبير، لا قوانين ضدّ التجديف، وتقرّر المحاكم ما إذا كانت بعض الأقاويل خطابَ كراهية على أساس كلّ قضية. بيد أنّ فرنسا استغلّت مبدأ حرّية التعبير عن الرأي كأداة للادّعاء بأنّ المسلمين مجموعة ينبغي ضبطها. في الواقع، يريد المسلمون الفرنسيون تطبيق مبدأ العلمانية إلى جانب قانون العام 1905 الذي يعلن أنّ الدولة ينبغي أن تبقى محايدة دينياً للحرص على حرّية الأديان كافّة. بيد أنّ الدولة اليوم تستعمل هذَين الأمرين كأدوات لمحو الدين من المساحات العامّة بالكامل.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة على دور الإعلام الأنغلوسكسوني في هذا الحوار وتعامل فرنسا مع الممارسة الدينية لغير المسلمين والصوت المتعالي للمسلمين الفرنسيين في الخارج. فتحدّثت سيزاري أولاً عن الخلاف بين ماكرون والإعلام الناطق بالإنكليزية. وقالت إنّ المواطنين والأكاديميين الأنغلوسكسونيين لا يفهمون عدم اطمئنان فرنسا إزاء الدين الذي يشكّل حاجزا مرئياً وفريداً بين المساحات العامّة والخاصّة. علاوة على ذلك، لفتت سيزاري أنّ ماضي البلاد الاستعماري رسم معالم نظرتها إلى الإسلام. وقال بورغات إنّ الدولة تعتمد معياراً مزدوجاً في ما يخصّ رؤية الأديان، وأعطى مثلاً على ذلك النائب الفرنسي اليهودي الذي دعا مؤيّديه للتصويت لأجل التوراة ولم يتلقَّ أيّ ردود فعل مستهجنة. وشدّد أيضاً على فكرة أنّ الحركة العربية المناهضة للثورة تستغلّ كراهية الإسلام في أوروبا لإسكات الأصوات المعارضة في الداخل. أخيراً، قالت علوان إنّ الأجيال الجديدة من المسلمين الفرنسيين مثقّفة وغالباً ما تتكلّم الإنكليزية، وهي بالتالي قادرة على تشارُك تجاربها مع الإعلام الأنغلوسكسوني. بهذه الطريقة، لا تعود الدولة الفرنسية محتكرةً عملية سرد الأحداث على الأرض.