نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 13 يوليو 2020 حول سياسة تركيا الخارجية الطموحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى العوامل التي تحفّز مقاربتها هذه وتداعياتها على المنطقة. وقد شارك في الندوة، التي أدارها الزميل غير المقيم في مركز بروكنجز الدوحة غالب دالاي، مجموعةٌ من الباحثين والخبراء بمن فيهم: طارق المجريسي، زميل السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية؛ وعبدالله الشايجي، أستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت؛ وطه أوزهان، زميل أكاديمي في جامعة أكسفورد؛ وفؤاد كيمان، مدير مركز اسطنبول للسياسات.
افتتح طارق المجريسي النقاش واصفاً تأثير التدخل التركي على الصراع الليبي، وأشار إلى أنّ تركيا تدخّلت رسمياً في ديسمبر 2019 حين كانت قوات تابعة للجنرال خليفة حفتر تتقدّم نحو وسط طرابلس. من خلال هذا التدخل، أعادت الدولة ترتيب ديناميكية الصراع بشكلٍ كامل. وقال المجريسي إنّ التدخل التركي قد أدّى إلى تغيير في قيادة قوات المعارضة، وانقسام القوات الشرقية، وتعزيز حكومة الوفاق الوطني. ومع ذلك، فإنّ التحدي الذي ستواجهه تركيا هو ما إذا كانت تستطيع الحفاظ على السلام في غرب ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ معركة سرت وقاعدة الجفرة الجوية تلوح في الأفق، وحتى في حال تمّ التوصّل إلى اتفاق، فمن المرجّح أنّ تزداد حدّة التوترات. حالياً، تسيطر القوات المتمركزة في الشرق على المنشآت النفطية ويمكنها استخدام قاعدة الجفرة لشنّ هجمات في أي لحظة. وقال المجريسي إنّه على المدى الطويل، ستتطلّع تركيا وحكومة الوفاق الوطني إلى تطوير قوتهما وتحسين قدرتهما على التفاوض مع الفصائل الشرقية ودول مثل مصر.
وأخذ مروان قبلان الكلام متناولاً دور تركيا في الصراع السوري. فأشار في البداية أنّه يصعب مناقشة سياسة تركية واحدة في سوريا لأن الاستراتيجية تغيّرت مع الوقت. في أيام الصراع الأولى، أحجمت أنقرة عن التدخل قبل أن ّتقرر التدخل عسكرياً في العام 2016. وفي خلال الفترة الممتدة بين الموقفين، أدّت تركيا أدوراً متنوعة، فحاولت إقناع الرئيس بشار الأسد بقبول اتفاقية مشاركة السلطة في الأشهر الأولى، لتقدّم في ما بعد الدعم العسكري للمعارضة. بينما تنوع التأثير التركي على مرّ السنوات، حققت الدولة هدفاً عسكرياً ألا وهو منع إنشاء ممرٍ كردي على طول الحدود. وقال قبلان إنه في الأشهر المقبلة ستواجه تركيا تحديات كثيرة في سوريا. ولا يبدو واضحاً ما إذا كانت محادثات آستانة ستستمر أم لا. بالإضافة إلى ذلك، قد يهدد تغيير الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة الموقف الذي يجمع بين تركيا والولايات المتحدة في ما يتعلق بمسألة إدلب. أخيراً، تتصارع تركيا لتطهير هيئة تحرير الشام من التطرف ودمجها في العملية السياسية.
من جهته، شددّ عبدالله الشايجي أنّ لا طموحات كبيرة لتركيا في منطقة الخليج، غير أنّها على نطاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحاول تأمين توازنٍ في وجه القوى الغربية في سوريا وليبيا والعراق. وقال إنّه مع انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، تحاول تركيا فرض نفسها كقوة مهيمنة وإفساد دور المملكة العربية السعودية والإمارات العريبة المتحدة كجهات مسيطرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان ذلك واضحاً بشكلٍ خاصٍ حين أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في العاصمة القطرية الدوحة بعد الأزمة الخليجية. وشدّد الشايجي على أنّ العلاقات التركية مع دول الخليج، لا سيما سلطنة عُمان والكويت وقطر تشمل بيع الأسلحة وأنّ تركيا تتحوّل إلى مُنتِجٍ كبير للأسلحة. أخيراً، أشار البروفيسور إلى أنّ الانتخابات الأمريكية المقبلة لن تؤثّر في دور تركيا في الخليج، فانخراط الولايات المتحدة عسكرياً في الشرق الأوسط سيستمر في التراجع بغضّ النظر عن إعادة انتخاب الرئيس ترامب أو عدمه.
تابع طه أوزهان المناقشة وأشار إلى أنّ سياسة تركيا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ستبقى على حالها حتى وأنّ حلّ رئيسٌ آخرٌ محل الرئيس أردوغان. إلّا أنّ رئيساً مختلفاً قد يسمح بتحوّل في العلاقات التركية – الروسية، والعلاقات مع الولايات المتحدة كنتيجةٍ لذلك. أشار أوزهان إلى صعوبة التمييز بين السياسة التركية المحلية والخارجية، وقال إنّ الدولة تهتم أولاً بسياستها الخارجية على الصعيد الداخلي قبل أنّ تتوسع بها خارجياً. وقد بدأت تركيا حسب أوزهان بتطوير سياسةٍ خارجيةٍ شاملةٍ منذ أوائل القرن الواحد والعشرين. إلّا أنّ هذه المقاربة بدأت تنهار في العام 2011 مع التحديات التي واجهتها الدولة في المجال السياسي المحلي. بالإضافة إلى ذلك، عانت السياسة الخارجية التركية أيضاً بسبب تطورات عالمية، بما في ذلك تردد الرئيس السابق باراك أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وذكر أوزهان أنّه منذ العام 2014، لا تعمل تركيا إلا بشكلٍ استباقي على الساحة الإقليمية إذا كان بإمكانها المشاركة عسكرياً. وأخيراً، أشار إلى أنّ العلاقات التركية الروسية هي تكتيكية فقط ولا يمكن أنّ تدوم على المدى الطويل.
اختصر فؤاد كيمان أربعة تحولات رئيسية مرّت بها السياسة الخارجية التركية منذ العام 2002. أولاً، انتقلت أنقرة من إظهار مقاربة مؤيّدة للعمل الناشطي القائم على القوة الناعمة إلى مقاربة القوة الصلبة المتميّزة بالعمل الناشطي الانتقائي. بنت تركيا مقاربتها للقوة الناعمة على دور الدولة كدولةٍ تجاريةٍ ونموذجٍ لكيفية التعايش بين الإسلام والديمقراطية والحداثة. ومع ذلك، على مدى السنوات الخمسة الماضية، أظهر الرئيس أردوغان القوة الصلبة من خلال الهجمات العسكرية وإنشاء قواعد في أرجاء دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ثانياً، انتقلت تركيا من العمل ضمن الترتيبات المؤسسية مثل الاتحاد الأوروبي، إلى العمل حالياً من خلال تحالفات مرنة. ثالثاً بينما بدأت تركيا القرن الواحد والعشرين بالسعي إلى إقامة توازنِ بين المحافظة على الأمن والدمقراطية، تراها مذّاك تعطي الأولوية للأولى على حساب الثانية. أخيراً، فيما أظهرت تركيا مع بداية القرن الواحد والعشرين ارتباطاً بالغرب والاتحاد الأوروبي، أصبحت تمارس اليوم سياسةً خارجيةً قائمةً على “الاستقلالية الاستراتجية”. وأكّد كيمان أنّ هذه التحولات أعاقت قدرة تركيا على المساهمة في الاستقرار الإقليمي. وقد أصبحت تركيا أكثر طموحاً على مرّ السنين ونتيجة لذلك عانت تحالفاتها مع الدول الغربية ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ركزت جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت الندوة على المسألة الكردية وعلاقات تركيا بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودور فرنسا في ليبيا. أكّد كيمان أنّ المسألة الكردية تسبّبت جزئياً في أمننة سياسة تركيا الخارجية وأنّ سياسة أنقرة تجاه الأكراد في المنطقة قد أضرّت بسوريا والعراق. وأشار أوزهان إلى أنّ العلاقات التركية المصرية لا يمكن أنّ تتقدم في المستقبل طالما أنّ مصر اختارت محوراً وضع نفسه بمواجهة أنقرة يشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وأشار الشايجي إلى أنّ أزمة الخليج عزّزت التحالف التركي القطري، لكن دول الخليج الأخرى لا تزال تنظر إلى تركيا باستخفاف. وذكر قبلان أنّ موقف إيران أضعف بكثير مما كان عليه قبل عامين في الديناميكية بين تركيا وروسيا في سوريا. وأشار الميجريسي إلى أن المواجهة التركية الفرنسية ستحدد الصراع خلال الأشهر المقبلة وتُعقّد دور أوروبا الأكبر.