عقد من الاحتجاجات: لماذا يعد إصلاح

الحكم أمرًا بالغ الأهمية في العالم العربي

فبراير 10، 2021

الأربعاء، فبراير 10، 2021
5:00 م AST - 6:15 م AST
Online

ملخص

نظّم مركز بروكنجز الدوحة ومعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت ندوةً عبر الإنترنت في 11 فبراير 2021 حول إصلاحات الحوكومة في العالم العربي. قيّم المشاركون الإصلاحات الإدارية والهيكلية في المنطقة على مدى العقد الماضي وقدموا توصيات لإصلاحات الحوكومة في المستقبل. وشارك في هذه الندوة كلّ من: هالة بسيسو لطوف، وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة في الأردن؛ رامي خوري، مدير قسم الارتباط العالمي في الجامعة الأمريكية في بيروت؛ روبير ب. بيشيل جونيور، زميل أول غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة؛ وطارق م. يوسف، مدير مركز بروكنجز الدوحة وزميل أول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكنجز. أدار الجلسة جوزيف باحوط، مدير معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية.

في بداية الجلسة، أشار رامي خوري إلى أنّ سكان المنطقة العربية يعبّرون عن عدم رضاهم وعن مطالبهم بمواطنية حقّة. استناداً إلى استطلاع رأي أجراه مؤخراً المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، يؤيّد 60 إلى 80 بالمئة من السكان في المنطقة الاحتجاجات والانتفاضات والثورات. وشدّد خوري على أن الاحتجاجات المستمرة في الجزائر والسودان ولبنان والعراق تتشارك في المطالبة بالتغيير الكامل للنظام الحكومي وبإنشاء علاقة مرضية أكثر بين المواطنين والدولة، وأضاف أن تاريخ المنطقة العربية يحفل بتجارب الحوكمة الناجحة والسيئة على حدّ سواء. فعلى سبيل المثال، بين عشرينيات وسبعينيات القرن الماضي، أي في الفترة التي سبقت الفورة النفطية، شهدت المنطقة توسعاً كبيراً وتطوراً على صعيد الخدمات العامة والإنتاجية، ونوعية الحياة. إلا أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي، عانت المنطقة ركوداً وكساداً وحروباً وتفتتاً وتفككاً، بالإضافة إلى الطائفية والإرهاب وهجرة الشباب. وهذه المشاكل إن دلّت على شيء، فهي تدل على علاقة إشكالية بين المواطنين والدولة، مما أدى إلى احتجاجات لم تستكن طوال الأعوام الأربعين الماضية من دون أن تلقى أي آذانٍ صاغية. وغالباُ ما يطالب المحتجّون بحكوماتٍ أفضل، وتمثيل أفضل، ونوعية خدمات أفضل، وحياة كريمة. أشار خوري إلى أنّ نحو 75 بالمئة من سكان العالم العربي يعجزون عن تغطية مصاريفهم الشهرية وأنّ نحو 80 إلى 85 بالمئة من سكان الدول غير النفطية هم من الفقراء ويعانون الضعف والتهميش والعجز على الصعيد السياسي. لذلك، يُعد الإصلاح الحكومي أساسياً وضرورياً في المنطقة، إلا أنّ المفرح هو أن بعض الدول على غرار الأردن ولبنان وفلسطين نجحت فعلاً في ذلك إلى حدٍ ما. وختم خوري مداخلته قائلاً إنّ الحركة الاحتجاجية في السنوات الأربعين الماضية شكّلت صرخةً تطالب بالمواطنية وحرية تقرير المصري على الصعيد الوطني أكثر مما طالبت بالإصلاحات التقنية.

من جهتها، ناقشت هالة لطوف أهمية الإصلاحات الحكومية وديناميكياتها استناداً إلى التجربة الأردنية؛ قائلة إنّ المنطقة ستتراجع في حال لم تشهد إصلاحات ضرورية. وأشارت إلى نوعين من الإصلاحات: الإصلاحات الإدارية المرئية التي تطال في أغلبيتها فعالية الإجراءات؛ والإصلاحات على صعيد القيم التي لا تُرى بالقدر نفسه والتي تطال المبادئ الأساسية التي توجّه مقاربة إصلاحيّة معينة. وأضافت أنّ معظم الدراسات والبحوث يركّز على النوع الأول من الإصلاحات، وهي فعلاً إصلاحات مهمة جداً، في حين أنّ النوع الثاني غالباً ما يكون صعب التنفيذ. وأضافت لطّوف أنّ توقيت الإصلاحات ومداها كلاهما غاية في الأهمية. فعلى سبيل المثال، قد يكون إجراء إصلاحات سياسية وقضائية ودارية في الوقت مهمّة صعبة قد تبوء بالفشل. وأوضحت بعد ذلك أهمية القيادة القوية والجذابة لنجاح الإصلاح الهيكلي. فمن شأن قيادة مماثلة أن تضع هذه الإصلاحات على رأس الأولويات الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، قالت إنّ هذا الأمر يتحقّق عندما يشعر العاملون في القطاع العام بالتقدير. وختمت قائلةً إنه من الضروري أن فهم المشاكل الهيكلية التي تشوب النظام بشكلٍ تام، والتعامل بشفافية مع أصحاب المصلحة كافةً، وعدم الاستخفاف بالمشاكل أو المساومة واعتماد معايير مزدوجة عند تنفيذ هذه التغييرات.

وشارك روبير ب. بيشيل جونيور أفكاره بشأن إصلاحات الحوكمة في العالم العربي الواردة في كتابه المنقح الذي شاركه فيه طارق م. يوسف وعنوانه: “Public Sector Reform in the Middle East and North Africa: Lessons of Experience for a Region in Transition”. اختار بيشيل الأردن ليروي قصة نجاح في إرساء إصلاحات الحوكمة من ضمن حالات الدراسة الواردة في الكتاب والتي تضمنت دبي والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس وغيرها من الدول. قامت التجربة الأردنية على جهدٍ محلي من دون أي صلات خارجية مع البنك الدولي أو أي وكالات استشارية أخرى. وقد طالت الإصلاحات مواضيع معقدة متعددة ومنها إعادة هندسة العملية التجارية، فصل أبعاد تقديم الخدمات، وإعادة الهيكلة التنظيمية. في غضون ذلك، قال بيشيل إنّ إصلاح الموارد البشرية في لبنان فشل فشلاً ذريعاً بالمقارنة مع التجارب التي شملها الكتاب، فرغم الجهود الجبّارة التي بُذِلت ليتم اعتماد الجدارة في القطاع العام اللبناني، فشلت المحاولات سريعاً، وقد أشار بيشيل إلى أنّ المنطقة بأكملها تعاني كثيراً في على مستوى إصلاحات الموارد البشرية.

بدوره، قال طارق يوسف إنّ الحافز وراء كتابه مع بيشيل هو تقرير التنمية البشرية في العالم العربي الصادر في العام 2002، والذي ركّز على الفجوة في الحوكمة في المنطقة. وفي حين لاقى التقرير انتباه الكثير من المفكّرين والممارسين، أشار إلى وجود نقصٍ في المعرفة الداخلية في ما يتعلق بطريقة تطبيق الإصلاحات في العالم العربي. وقد استند الكتاب على آراء ممارسين سياسيين ليجيب عن أسئلةٍ تتعلّق بكيفية تطبيق الإصلاحات في المنطقة والعوائق التي واجهتها، بالإضافة إلى الوقت اللازم لتظهر نتائج الإصلاحات. وأضاف أنّه رغم تنوّع الإصلاحات التي شملها الكتاب، ظهر عددٌ من نقاط الشبه بين تجارب الدول. وقال إنّ القطاعات العامة في العالم العربي لم تقاوم الإصلاحات بشكلٍ خاص رغم تعقيداتها وضخامة حجمها وتدخلها في المجتمعات والأنظمة السياسية والأنظمة الاقتصادية في المنطقة. وأشار أيضاً إلى ثلاثة استنتاجات رئيسية ذُكرت في الكتاب المنقح؛ أولها أنّ القيادة عامل أساسي لنجاح الإصلاحات، ثانيها أنّ طريقة تعاون المصلحين مع المعارضة ومصداقيتهم مهمة جداً، فعلى سبيل المثال ثبت أن التواصل الشفاف مهم وضروري جداً. أما ثالث الاستنتاجات، فهي أنّ المفهوم الغامض للإرادة السياسية الذي يقود الإصلاحات حيوي ويخضع لسيطرة معايير محددة. ختاماً، قدّم الكتاب المنقّح إرشادات لتحويل ما يبدو معقداً إلى أمرٍ عملي وبراغماتي.

في خلال جلسة الأسئلة التي تلت الندوة، تابع المشاركون مناقشة العوامل الرئيسة الكامنة وراء نجاح إصلاحات الحوكومة في العالم العربي. وشددت لطوف على أنّ نجاح الإصلاحات لا يعتمد على نهجٍ تنازلي، إنما يجب أن يشمل المواطنين ويحفّزهم. وأضاف خوري أنّ التواصل الواضح والشفاف بين الدولة والمواطنين مهم جداً حسب ما أثبتته التجارب الناجحة في دول آسيا الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، أشار بيشيل إلى أهمية الشباب كقادة تغيير وتحوّل، وأضاف أنّ التحول هذا بين الأجيال قد يعود بالفائدة على القطاعات العامة في المنطقة. تناول المشاركون أيضاً دور الدولة في الاستجابة لجائحة فيروس كورونا المستجدّ وتداعياتها الاقتصادية. وقال يوسف إنّ الوضع المستمر قد أعطى الحكومات فرصة لتؤكد على شرعيتها وأهميتها استناداً إلى طريقتها في الاستجابة للجائحة. وبحسب استطلاع قام به البارومتر العربي مؤخراً، بلغت الثقة بالحكومة أعلى مستوياتها بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام 2011. ويمكن تفسير ذلك بالإشارة إلى نشر الدول لعناصر الشرطة والجيش لاحتواء التفشي في البداية ولفرض القيود، وكلها إجراءات لاقت نجاحاً نسبياً.

مدير الجلسة

جوزيف باحوط
مدير، معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، الجامعة الأمريكية في بيروت 

المتحدثون

هاله بسيسو لطوف
وزير التنمية الاجتماعية الأردني السابق
رامي خوري
معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت
مدير وزميل أوّل
زميل أوّل غير مقيم