نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة متميّزة في 4 مارس 2020 ضمّ رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة والناشطة والصحافية في مجال حقوق الإنسان في تونس، سهام بن سدرين. وكانت بن سدرين من بين الأعضاء المؤسّسين للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي هي جزء من الرباعي التونسي للحوار الوطني الذي حاز جائزة نوبل للسلام في العام 2015. وقد حازت بن سدرين جائزة أليسون دي فورج من قِبَل منظّمة هيومن رايتس ووتش في العام 2011. وأدار المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي نديم حوري الندوة التي في خلالها ناقشت بن سدرين تقرير الهيئة النهائي وما إذا كانت العدالة ستتحقّق في تونس، مع التركيز على الأسئلة التالية: هل نجحت الهيئة؟ وهل أثّرت في الرأي العام؟ وكيف تعاملت مع مسألة الجندر؟ وما هي الدروس التي تستطيع الدول الأخرى استخلاصها من التجربة التونسية؟ وقد حضر الندوة لفيف من الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية في الدوحة.
أُطلقت هيئة الحقيقة والكرامة رسمياً في العام 2014 لتشكّل آليّة يمكن من خلالها كشف حقائق الماضي الصعبة وتوثيقها ومعالجتها. وغطّت هذه الهيئة جرائم ارتُكبَت منذ أواخر الاستعمار الفرنسي عام 1955 حتى العام 2013. وشرحت بن سدرين أنّ هذه الجرائم يمكن فصلها عموماً إلى فئتين: (1) انتهاكات حقوق الإنسان و(2) الاختلاس والفساد. وللتعامل مع هذه الجرائم، أنيطت هيئة الحقيقة والكرامة قانوناً بأربع مهمات: (1) الكشف عن الحقيقة و(2) تحميل المسؤولية و(3) توزيع التعويضات و(4) إصدار الإصلاحات. وفي ما يخص النقطة الثانية، شدّدت بن سدرين أنّ هيئة الحقيقة والكرامة لم تحمّل مسؤولي الدولة فحسب المسؤوليةَ الجنائية بل فرنسا وصندوق النقد الدولي أيضاً. وشدّدت أيضاً أنّ النقطة الرابعة غاية في الأهمّية، لأنّ العدالة الانتقالية لا تقتصر على محاسبة الأفراد، بل على تصحيح المسائل على
مستوى منهجي لكيلا تتكرّر الجرائم.
ونشرت الهيئة تقريرها النهائي في مايو 2019 وركّز على ستّة مواضيع: (1) مهمّة الهيئة و(2) تفكيك النظام الذي يسمح بحصول انتهاكات لحقوق الإنسان و(3) تمكين النساء و(4) تفكيك شبكات الفساد و(5) التعويضات والإنصاف و(6) الحفاظ على الذاكرة الوطنية. وعند مناقشة الموضوع الأخير، شرحت بن سدرين أنّه موضوع مهمّ لأنه يُعنى بكيفية الحرص على تطبيق الدولة لتوصيات هيئة الحقيقة والكرامة. وقالت إنّ الهيئة أصدرت 430 إدانة في 18 قضية تعذيب و66 إدانة في ثلاث قضايا فساد تورّط فيها مسؤولون كبار في الجسم القضائي والحكومة، من بينهم الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.
وفسّرت بن سدرين أيضاً أنّ هيئة الحقيقة والكرامة حدّدت المحطّات المهمّة في تاريخ البلاد، وسمّت 18 حدثاً مهمّاً جرت فيها اشتباكات بين الدولة والمجموعات المعارضة. وأعطت مثلاً على ذلك أحداث الخبز التي اندلعت في الثمانينيات والتي تمّ ربطها بأكثر من 1400 ضحية معروفة الهوية. ولفتت الانتباه إلى أنّ محاسبة نظام بأسره أصعب بكثير من محاسبة شخص واحد. وفي تونس، هذا يعني أنّه لا ينبغي محاكمة الفرد الذي ارتكب الجرم فحسب، بل سلسلة القيادة التابعة له برمّتها وأيّ شخص آخر متواطئ معه.
وعندما سُئلت بن سدرين عن مدى نجاح الهيئة في تغيير ثقافة تونس، قالت إنّه على الناس التحلّي بالصبر، وإنّه على الرغم من استمرار حدوث الإساءات، بدأ الناس يُدركون أنّه ما عاد باستطاعتهم التهرّب بسهولة من المحاسبة لارتكاب الجرائم كما في السابق. وكان الشعب شاهداً على المحاكمات التي يتمّ إجراؤها وبات يُفهم أنّ بعض الخطوط لا يجوز تخطّيها. وأضافت بن سدرين أنّ نجاح النظام القديم في انتخابات العام 2014 يعرقل التغيير، قائلة إنّه ينبغي على الناس الصمود في وجه تحديات كهذه. ولفتت الانتباه أيضاً إلى أنّه ينبغي علينا التفريق بين الإعلام والرأي العام. فالشبكات الإعلامية محصّنة جداً وناقدة لعمل الهيئة، فيما يُبدي الرأي العام انفتاحاً أكبر لهيئة الحقيقة والكرامة لا بل يدافع عنها بنشاط. وقالت بن سدرين إنّ الشعب قد صُدم بالحقائق التي برزت في جلسات الاستماع، مُضيفةً أنّ هذه الصدمة هي في الواقع قوّة إيجابية لأنّها قادرة على إطلاق عملية التغيير. وصرّحت بن سدرين أنّه فيما تستطيع الدول الأخرى استخلاص الدروس من التجربة التونسية، عليها تطبيق آليات عدالة مختلفة تبعاً لسياقها المحدّد. وختمت بالقول إنّ الهيئة كانت ممتازة في عدّة نواحٍ، بما في ذلك من ناحية الطريقة التي تخطّت فيها الحصانة الدبلوماسية لتُسائل سياسيين كبار والطريقة التي أعادت فيها تحديد المناطق المهمّشة والطريقة التي عرضت فيها جلسات الاستماع للمرّة الأولى على التلفزيون.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة على التعويضات والمصالحة والمساءلة الدولية. فلفتت بن سدرين إلى أنّه من الصعب تقديم تعويضات كاملة للضحايا. فكيف يمكن التعويض لشخص تدمّرت حياته؟ وقالت إنّ الخطوة الأولى تتمحور حول جعل الرئيس يعتذر باسم الدولة، مُضيفةً أنّ العمل على هذا الأمر سارٍ. أما التعويض النقدي فأصعب لأنّ موارد الدولة محدودة، لكن يمكن تقديم خدمات عامّة مثل الرعاية الطبّية المجّانية. وتطرّقت بن سدرين أيضاً إلى مشكلة تعيين أعضاء سابقين من النظام في الحكومة الحالية. ولفتت الانتباه إلى هؤلاء الأشخاص يدّعون أنّهم ينشدون المصالحة، لكنّ المصالحة مستحيلة بدون عدالة. أخيراً، تحدّثت بن سدرين عن الانتهاكات التي ارتكبتها فرنسا، التي قالت إنّها مسؤولة عن موت مدنيين وعن تهميش الأجزاء المختلفة في البلاد.
مدير تنفيذي - مبادرة الإصلاح العربي