نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 14 أبريل 2020 حول التحديات الاقتصادية التي تشكّلها جائحة فيروس كورونا المستجدّ على دول مجلس التعاون الخليجي. وقيّم المشاركون التداعيات الاقتصادية القصيرة الأمد والطويل الأمد للجائحة والهبوط الحادّ في أسعار النفط العالمية. وأدار نادر قبّاني، مدير البحوث في مركز بروكنجز الدوحة، الجلسة التي ضمّت مجموعة من المفكّرين والخبراء المرموقين، من بينهم حاتم الشنفري، أستاذ في كلّية الاقتصاد والمالية في جامعة السلطان قابوس، وسامانثا جروس، زميلة في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز، وناصر السعيدي، وزير الاقتصاد اللبناني السابق.
افتتح ناصر السعيدي النقاش عبر وصف التداعيات التي يولّدها الاتفاق الأخير الذي أبرمته “أوبك بلس” (OPEC+) والذي يدعو إلى تخفيف كبير في الإنتاج. ولفت السعيدي الانتباه إلى أنّه على الرغم من أنّ تخفيض الإنتاج مفيد فقد أتى “على مستوى أقلّ من اللازم ومتأخراً” ولن يعوّض عن المخزون الفائض. وفي هذه المرحلة، يقبع مجلس التعاون الخليجي في مرحلة غامضة، لأنّه يواجه أزمات متزامنة في قطاعات الصحّة والتجارة والنفط. وقد هزّ امتزاج هذه الأزمات الثلاثة كيان العالم العربي، والدول الخليجية على وجه الخصوص، بشكل لا سابق له على مرّ التاريخ. وستؤدّي هذه الصدمة إلى عجوزات كبيرة في الموازنات والحسابات الجارية سيكون من الصعب التخفيف من حدّتها عبر قوانين تحفيز، لأنّ اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تفتقر إلى العوامل المثبّتة التلقائية. أخيراً، أضاف أنّنا وسْط أزمة مالية
وأنّ ذلك سيفاقم الوضع، لأنّ صناديق الثروات السيادية الوطنية ستتأثّر. وفيما اقترح البعض اللجوء إلى التنويع الاقتصادي كوسيلة للتخفيف من الصدمات الراهنة، سيواجه القطاع غير النفطي تحدياته الخاصة، نظراً إلى التخفيضات المالية الكبيرة.
وتابعت سامانثا جروس النقاش، فتحدّثت عن المسار المستقبلي لسوق النفط. فوصفت بدايةً الطريقة التي أثّرت فيها الأزمة الراهنة في أمريكا الشمالية، لافتة الانتباه إلى أنّ الطلب على الوقود في الولايات المتحدة انخفض بنسبة 50 في المئة مقارنة بالوقت عينه في العام المنصرم، وهذا تراجع غير معهود. ثمّ علّقت جروس على اتفاقية “أوبك بلس”، مؤكّدة مرّة أخرى على عدم التفاؤل الذي أبداه السعيدي عندما اعتبر أنّ هذا التدخّل لن يُحدث فرقاً في أسواق النفط. بيد أنّها أوضحت أنّ الاتفاقية قادرة على كسب الوقت على الأقلّ في ما يخصّ تخزين النفط الخام، ممّا يسمح للقطاع بتسهيل اللجوء إلى عملية توقيف منظّمة. وأضافت جروس أنّ الفترة الزمنية التي سيبقى فيها الطلب منخفضاً سيعتمد على الفترة اللازمة للسيطرة على تفشّي الفيروس، معربة عن قلقها أنّ هذا الأمر قد يستلزم بعض الوقت. وقالت
أيضاً إنّه على الرغم من أنّ تكاليف الإنتاج هي بين الأدنى في العالم للدول الخليجية المُنتِجة، تعتمد الموازنات المالية لهذه الدول على أسعار أعلى بكثير.
وعرض حاتم الشنفري الطريقة التي تستطيع فيها دول مجلس التعاون الخليجي التخفيف من أثر الانخفاض الراهن في أسعار النفط، مع التقليل من مخاطر انخفاضات مستقبلية في الأسعار. وبشكل محدّد، ناقش عملية التحوّط، التي تعتمد على التعاقد على مبيعات نفط بأسعار محدّدة. فقد اعتمدت المكسيك التحوّط لسنوات وسنوات وتبيّن أنّ هذه الاستراتيجية فعّالة جداً في مساعدة البلاد على تخطّي الاضطرابات في السوق. ولأنّه لم تعتمد أي دولة خليجية التحوّط، باستثناء محاولات اختبارية طفيفة أجرتها قطر، أدّى انخفاض سعر النفط إلى صدمة مالية ضخمة في دول مجلس التعاون الخليجي. ونصح الشنفري بأن تعتمد الدول الخليجية التحوّط من الآن فصاعداً، مفسراً أنّ هذه الاستراتيجية، على الرغم من كلفتها، تبقى استراتيجية فعالة تسمح للدول بالتخطيط للمستقبل. وتطرّق أيضاً إلى مسألة التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، قائلاً إنّه على المدى القصير، سيواجه القطاع الخاص صعوبة في العمل بسبب التأخّر في مدفوعات الحكومة. أما على المدى الطويل، فقد دعا الشنفري إلى إعادة تصوّرٍ لجهود التنويع، إذ اعتبر أنّ الجهود الحالية مرتبطة بشكل وثيق بالقطاع النفطي، واختار إمارة دبي كمثل عن اقتصاد شديد التنوّع تأثّر بدوره إلى حدّ كبير بالأزمة.
وفي جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة، ركّز المشاركون على البيئة والإنفاق الحكومي وصناديق الثروات السيادية. وفسّرت جروس أنّه على عكس الفكر السائد، قد تُعرقِل أزمة النفط الحالية الانتقال إلى مصادر طاقة بديلة. فتكنولوجياتُ الطاقة المتجدّدة الجديدةُ تحتاج إلى استثمار، وهذا الاستثمار في حالة جمود الآن. وشدّد الشنفري على أنّه ينبغي على الحكومات منح الأولوية في الإنفاق لقطاعات الصحّة والتعليم والأغذية. وأضاف السعيدي أنّ قطاع الاتصالات والقطاع الرقمي سيتعزّزان على الأرجح بسبب الوضع السائد، وختم بالقول إنّه ينبغي على صناديق الثروات السيادية التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي أن تغيّر وجهة الاستثمارات الخارجية بغية إنعاش الأسواق المحلّية.