انتخابات تركيا المصيرية والتغطية الإعلاميّة الغربيّة

موجز قضية، ديسمبر 2023
زميلة أولى غير مقيمة

النقاط الرئيسيّة 

انتخابات تركيا للعام 2023 كانت مصيرية على الصعيدين المحلي والدولي: اكتسبت الانتخاباتُ الرئاسيّة والبرلمانيّة التركيّة للعام 2023 أهميّةً خاصة بالنسبة إلى تركيا والدول الغربية، ما يفسّر الاهتمام المتزايد الذي حظيت به في الكثير من وسائل الإعلام الغربيّة.

 

مشاعر مناهضة لأردوغان في الإعلام الغربي: كشفت التغطيةُ الإعلاميّة الغربيّة لانتخابات تركيا للعام 2023، لا سيما تأطيرها لصورة الرئيس رجب طيب أردوغان، عدداً من الأفكار النمطيّة المتجذّرة بعمق والتحيّزات الكامنة. وكانت اللهجة العامة معادية لأردوغان بشكلٍ واضح وفضّلت مرشّح المعارضة الأساسي، كمال كليجدار أوغلو.

 

التناقضات بين التغطية الإعلامية الأوروبية والأمريكية: على الرغم من أنّ الإعلام الأوروبي والإعلام الأمريكي اتّخذا بشكلٍ عام موقفاً معادياً لأردوغان في تغطيتهما، إلّا أنّ الإعلام الأمريكي بدا نسبياً أكثر توازناً وتركيزاً على القضايا في حين أنّ الإعلام الأوروبي بدا أكثر عداءً وتركيزاً على الشخصيّة بشكلٍ نسبي في انتقاداته.

 

التغيير في لهجة الإعلام الغربي ما بعد الانتخابات: بعد أن فاز أردوغان، استبدلت وسائل إعلاميّة غربيّة متعدّدة لهجتها المعادية له سابقاً بمقاربةٍ أكثر براغماتية قائمة على المصالح المشتركة والتعاون الإستراتيجي بين إدارته والدول الغربيّة.

 

 

المقدّمة

لا شكّ في أنّ تركيا الحديثة وقيادتها الحاليّة تطرحان معضلةً جدّية بالنسبة إلى عدد من البلدان الغربية. فمن جهة، تُعتبر تركيا نجماً صاعداً على الساحة الدولية، بفضل نفوذها الجيوستراتيجي المتزايد بسبب عضويتها في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وموقعها الجغرافي الفريد من نوعه الذي يربط بين آسيا وأوروبا واقتصادها النامي وثقلها الدبلوماسي المطّرد. لكن من جهةٍ ثانية، يعتري الغرب قلقٌ مستمرّ حيال سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان وأسلوب قيادة الرجل القوي الذي ترى أنّ الرئيس الحالي يعتمده.

 

من هذا المنطلق، تستحق التغطية الإعلاميّة الأوروبيّة والأمريكيّة للانتخابات الرئاسيّة التركيّة للعام 2023 اهتماماً خاصاً، كونها تعكس الكثير من هذه التوتّرات والادّعاءات. يضع موجز القضية هذا سياقاً للفروقات الدقيقة والتشعّبات في تأطير الإعلام الغربي للانتخابات المصيرية للعام 2023 ضمن السياقين السياسي والجيوستراتيجي ذات الصلة. ويفسر كيف ولماذا تطوّرت هذه السرديّات والإطارات الإعلامية في خلال الانتخابات وبعدها. بالإضافة إلى ذلك، يسلّط الموجز الضوء على السرديّات الكامنة المتعلّقة بديناميّات الانتخابات وينظر في العوامل التفسيريّة التي تقف وراء مختلف أنواع التغطية في وسائل الإعلام الأوروبيّة والأمريكيّة.

 

 

أهميّة الانتخابات التركيّة للعام 2023

حملت الانتخاباتُ التركيّة للعام 2023، التي جرت بعد 100 عام على تأسيس الدولة العلمانية، ثقلاً تاريخياً وجيوسياسياً هائلاً. خشيت الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، أن يُمهّد انتصار الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الطريق أمام حقبةٍ من المواجهة الإقليميّة المحتملة. وقلق آخرون من أن يُعزّز فوز أردوغان صلاحيات الرئيس السياسية وسلطته المعنوية وتياره الديني المحافظ.1 وحملت نتائج الانتخابات في طيّاتها تداعيات بارزة على الأمن في أوروبا والشرق الأوسط، كونها قد تحدّد مقاربة تركيا المتعلّقة بالسياسة الخارجيّة إزاء مجموعةٍ واسعة من المسائل، تتراوح من العلاقات المتغيّرة مع الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، إلى دورٍ مختلف في حرب أوكرانيا.2

 

كانت وحدةُ المعارضة قد بلغت مستوياً لم يسبق له مثيل، ما شكّل أول تحدٍ بارز في وجه أردوغان منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. احتشدت مجموعاتٌ متعدّدة من المعارضة حول هدفٍ مشترك متمثّل بإلحاق الهزيمة بأردوغان، الذي اعتبرته “أضعف من أي وقتٍ مضى”.3 ولاقت هذه النظرة صدى في التغطية الدوليّة للانتخابات، بحيث توقّع المعلّقون انتقالاً سياسياً محتملاً. ضمّ تحالف المعارضة هذا، الذي أصبح يُعرف بتحالف الأمة أو بالطاولة السداسية، ستة أحزاب سياسيّة من مختلف الأطياف السياسيّة اتّحدت تحت قيادة كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري.4 وقدّم التحالف نفسه كالأمل الجديد بالليبراليّة والعلمانيّة والديمقراطيّة وحرية الصحافة وعدم تسييس القضاء -وهي إصلاحات كان بإمكانها تقريب تركيا من الغرب. علاوةً على ذلك، وعد التحالف بإطلاق سراح السجناء السياسيين وبتسهيل سعي تركيا وراء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو هدفٌ أعاقه حتى الآن سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، من بين أسباب أخرى.5

 

في ظلّ وصول تركيا إلى مفترق طرق، كان أمام ناخبيها أن يختاروا إما الاستمرار في سياسات أردوغان الاقتصاديّة والسياسيّة والجيوستراتيجيّة مع ما يرافقها من إيجابيات وسلبيات، وإما الذهاب في اتّجاهٍ آخر. وقد وعد تحالف المعارضة بمكافحة سياسات الهوية ووضع حدّ للاستقطاب والقضاء على الفساد وتعزيز الديمقراطيّة.6 غير أنّه لم يتمكّن من عرض خططه بوضوح كافٍ وافتقر إلى التماسك في صفوفه. وفي نهاية المطاف، ساد الخيارُ الأول في الانتخابات.

 

 

أُطر معادية لأردوغان في التغطية الإعلاميّة الغربيّة

عندما أظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التركية فارقاً ضئيلاً بين أردوغان وكمال كليجدار أوغلو، بادر بعض وسائل الإعلام الأوروبيّة والأمريكيّة إلى توقّع فوز كليجدار أوغلو. واستندت توقّعاتها إلى قيام المواطنين الأتراك بمحاسبة أردوغان على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد في الآونة الأخيرة.7 وذكر معلّقون آخرون استياء الشعب التركي من استجابة الحكومة للزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير 8.2023

 

في تغطيتها للانتخابات، انتقدت وسائل إعلام غربية بارزة مثل “ذي إيكونومست” (The Economist) و”بي بي سي” (BBC)و”واشنطن بوست” (Washington Post)بشدّة سجل حكومة أردوغان في مجال حقوق الإنسان، مشدّدة على تقييدها للحريات العامة، بما فيها حرية الصحافة، واضطهادها لشخصيات المعارضة ولصحافيين.9 وانتقدت وسائل إعلام غربية أخرى بشكلٍ متواصل سياسات أردوغان الداخليّة والخارجيّة وتعاطيه مع مسألة الهجرة وأزمة اللاجئين.10 وحتى شكّكت مجلات فرنسية مثل “لوبوان” (Le Point) و”لكسبرس” (L’Express)  وأمريكية “فورين بوليسي” (Foreign Policy)في نزاهة الانتخابات.11

 

يُبيّن الرسم البياني 1 أدناه صورة غلاف عدد من مجلة “ذي إيكونومست” صادر في مايو 2023. يحمل العددُ عنوان “أهم انتخابات في العام 2023” وترافقه كلمات مفتاحية على غرار “أنقذوا الديمقراطية” و”إرحل أردوغان” و”صوّت”.12 وفي العدد نفسه، توقّعت المجلة التي اعتمدت سياسةً تحريرية عدائية تجاه أردوغان، فوز زعيم المعارضة كليجدار أوغلو الذي زعمت أنّه “سيُثبت للديمقراطيين أينما وُجدوا أنّه يمكن هزم الرجال الأقوياء”.13

 

الرسم البياني 1: صورة غلاف عدد مجلة “ذي إيكونومست” الذي يحمل عنوان “أهم انتخابات في العام 2023”14 والصادر في مايو 2023، وصورة غلاف عدد مجلة “ذي إيكونومست” الصادر في يونيو 2013 بعنوان “ديمقراطي أم سلطان؟”15

 

 

 

بدورها، وصفت المجلة الفرنسية “لوبوان” أردوغان على غلافها بـ”بوتين آخر” في حين ربطته المجلة الفرنسية “لكسبرس” بخطر الفوضى.16 في المقابل، صوّر وسائل إعلام غربية كليجدار أوغلو على أنّه نصير الديمقراطية والليبرالية والتقدمية. في الواقع، قبل الجولة الأولى من الانتخابات، أطلق الإعلام الغربي حملةً دعائية لصالح زعيم المعارضة، متوقّعاً فوزه في هذه الجولة. على سبيل المثال، أشارت مقالةٌ صادرة في مجلة “تايم” إليه كـ”الرجل الذي يمكنه هزيمة أردوغان”.17 لكن تبيّن أنّه مجرد تمنّي قائم على افتراضات لا أساس لها من الصحة.

 

دفع التأطيرُ السلبي لأردوغان، مقابل تأطيرٍ أكثر إيجاباً لصالح منافسه العلماني بصفته مرشّحاً أكثر ليبرالية وموالياً للغرب ذات “لمسة أجنبية ألطف”،18 بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى اتّهام الإعلام الغربي بإعداد تقارير متحيّزة وبالتدخّل في شؤون بلاده الداخليّة.19

 

التناقضات بين التغطية الإعلاميّة الأوروبيّة والأمريكيّة

على الرغم من أوجه تشابه جامعة، كانت لجهةُ وسائل الإعلام الأوروبيّة بشكلٍ عام أكثر عداءً وسلبيةً تجاه أردوغان من وسائل الإعلام الأمريكيّة بشكلٍ عام، واستمرّ هذا النمط في تغطيتها للانتخابات الأخيرة. وهيمن تأطير أردوغان كزعيمٍ مستبد وديكتاتوري يصبو إلى عودة الإمبراطورية العثمانية20 على التغطية الإعلامية الأوروبية بمعظمها قبل انتخابات 2023 وفي خلالها. على سبيل المثال، أنتجت محطة الـ”بي بي سي” سلسلةً وثائقية في مايو 2023 بعنوان “تركيا: إمبراطورية أردوغان”،21 صوّرت أردوغان كزعيمٍ سياسي متعطّش لقوةٍ إقليميّة أكبر ونفوذٍ دولي وسلطة مطلقة بلا منازع.

 

هذه التغطية هي استمرارٌ وتوسّعٌ للتغطية السلبيّة المزمنة لأردوغان في الصحافة الأوروبيّة، على غرار صورة غلاف عدد مجلة “ذي إيكونومست” للعام 2013 بعنوان “ديمقراطي أم سلطان؟” الذي انتقد تعامل أردوغان مع الاحتجاجات ضده في خلال ذلك العام (راجع الرسم البياني 1). وقد هيمن تصوير أردوغان على أنّه “سلطان” أو “إمبراطور” أو خليفة طموح للعالم الإسلامي بأسره عوضاً عن قائدٍ منتخَب ديمقراطياً، على التغطية الإعلامية الأوروبيّة لانتخابات العام 2023.

 

من جهتها، وصفت صحيفة “ذا غارديان” أردوغان كـ”سلطان تركيا ذي وجهين” الذي “ليس صديقاً للغرب”.22 وعلى الرغم من أنّ المقالة ناقشت النظرة إلى تركيا كحليفٍ مهم للغرب بسبب موقعها الجغرافي الهام وعوامل أخرى، أكّد كاتب المقالة على أنّ أردوغان لا يساهم في هذا التحالف وينبغي عليه مواجهة تداعيات أعماله المناهضة للغرب.23 وأشارت المقالة إلى أحداث معيّنة وقرارات لأردوغان متعلّقة بالسياسات، إلّا أنّ حجتها الرئيسية توقّفت على تصويره كديكتاتور لا يمكن الوثوق به من خلال استخدام صفات مثل “عثماني جديد” و”خبيث”.24

 

وحذّرت مقالةٌ أخرى نُشرت في مجلة “ذي إيكونومست” من أنّ “تركيا على حافة الديكتاتورية”.25 وناقشت التأثيرَ المحتمل لأعمال أردوغان السياسيّة المعادية للغرب في تركيا بحد ذاتها، وليس فقط في البلدان الغربية. وفيما حلّلت هذه المقالة كيف ينبغي على قادة الغرب الانخراط مع أردوغان، وصفت هذا الأخير بالديكتاتور. فإذ بأردوغان يُنعت مجدداً بـ”الاستبدادي” وبشخصٍ في صدد الانضمام إلى “نادي الطغاة.”26 وفي حين لم تَبدُ هذه المقالة اتّهاميّة بقدر مقالة “ذا غارديان”، إلا أنّ الإثنتين ركّزتا على تصوير أردوغان كـ”ديكتاتور” و”طاغٍ” لا يمكن الغرب الوثوق به، وبالتالي ينبغي تحدّيه.

 

من ناحيتها، أعطت مقالةٌ في “فرانس 24” لمحةً عامة عن سيرة أردوغان السياسيّة وأهم محطاته السياسية، ووصفته بالقائد “المتقلّب”.27 وتقدّم هذه المقالة لمحةً عن نظرة منتقدي أردوغان إليه، وتذكر اللغة التي تستخدمها وسائل إعلاميّة أوروبيّة أخرى لوصفه، بما فيها المصطلحات الأكثر استخداماً مثل “سلطوي” و”سلطان”.28 وعلى الرغم من أنّ المقالة تستكشف آراءاً متعدّدة حول أردوغان، إلّا أنّ لغتها ولهجتها العامتين تصفانه بـ”الديكتاتور” الذي يحنّ إلى ماضي تركيا العثماني.29

في المقابل، اعتمدت وسائل الإعلام الأمريكية بمعظمها موقفاً أكثر توازناً وارتكازاً على القضايا مقارنةً مع نظيراتها الأوروبية في انتقاد أردوغان وفي التعليق على الانتخابات. على سبيل المثال، تطرّقت مقالةٌ في صحيفة “ذي واشنطن بوست” إلى موضوع نزاهة العمليّة الانتخابية وشفافيتها.30 وركّزت على الانتخابات التركيّة كدراسة حالة في حين شكّكت في نزاهة العمليّة الانتخابيّة وفي موضوعيّة الحكومة والإعلام التركي، كون أحد المرشّحين هو رئيس الدولة.31 وخلافاً للأمثلة عن وسائل الإعلام الأوروبيّة التي نوقشت سابقاً، سلّطت هذه المقالة الضوء على ديناميّات العمليّة الانتخابيّة بحد ذاتها، بما في ذلك آليّات التصويت والتغطية الإعلامية بدلاً من التركيز على شخصيّة أردوغان وأسلوبه في القيادة.

 

ومن الأمثلة الأخرى مقالة في “فوربس”، المجلة الاقتصادية الرائدة في الولايات المتحدة، التي أجرت تحليلاً اقتصادياً وسياسياً معمّقاً للسياق المرافق لانتخابات تركيا للعام 32.2023 وبينما تُشير المقالة إلى أردوغان وتأثير حزبه في البلاد، لا تلجأ إلى مهاجمة شخصيته. عوضاً عن ذلك، تُحلّل المقالة السياقَ السياسي والاقتصادي العام في البلاد في ما يتعلق بالانتخابات. ويناقش صاحبها عدداً من المجادلات، بما فيها إثر الزلزالين الكارثيين اللذين ضربا تركيا وتداعياتهما الإنسانيّة والاقتصاديّة الوخيمة. وتؤطّر المقالة سوء الإدارة غداة هاتين الكارثتين الطبيعيتين كمسؤولية الحكومة التركيّة وفروعها المختلفة.33

 

في المقابل، حمّلت وسائل إعلام أوروبية على غرار “بي بي سي” أردوغان وحده مسؤولية سوء إدارة الأزمة.34 ويعكس ذلك مجدداً ميلَ الإعلام الأوروبي التقليدي إلى التركيز بشكلٍ محدّد وضيّق في غالب الأحيان على أردوغان نفسه- شخصيّته وأسلوبه في القيادة- ما يأتي أحياناً على حساب السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الأوسع والأكثر دقة الذي يُحيط بالانتخابات الهامة.

 

لكن ثمّة استثناءات لهذا النمط العام، على غرار بعض الأوصاف لأردوغان كطاغية يتوق إلى حكم مطلق.35 وتتوافق هذه المصطلحات مع اللهجة العامة التي تستخدمها وسائل إعلام أوروبيّة عديدة أكثر من الإعلام الأمريكي التقليدي في التعليق على الانتخابات التركية. فقد اعتمدت وسائل إعلام أمريكيّة محافظة وميالة نحو اليمين، على غرار “فوكس نيوز”، سياسة تحريرية معادية ليس إزاء أردوغان فحسب، بل تجاه تركيا ككل، فأطّرت البلاد كـ”سلاح روسيا السري داخل الناتو” واتّهمتها باتخاذ مواقف داخل الناتو نابعة من مصلحتها الخاصة وروابطها مع روسيا فحسب.36

 

الإعلام الغربي يعيد ضبط لهجته بعد فوز أردوغان

لم تؤدِ نتائج الانتخابات إلى إعادة ضبط علاقات تركيا الدوليّة فحسب، بل غيّرت أيضاً لهجة الإعلام الغربي إزاء البلاد ورئيسها المُعاد انتخابه وعلاقاتها مع الغرب. وفي أعقاب الانتخابات، تبدّلت اللهجة لتشدّد على أهميّة التعاون مع تركيا من أجل ضمان المصالح الإستراتيجيّة المتبادلة. وفي بعض الحالات، كانت تركيا موضع ثناءٍ وتقدير لموافقتها على انضمام السويد إلى الناتو.

 

على سبيل المثال، تطرّقت مقالةٌ نُشرت في “يو إس نيوز آند ورلد ريبورت” (US News and World Report) إلى الاجتماع بين أردوغان والرئيس الأمريكي جوزف بايدن على هامش قمة الناتو في ليتوانيا؛ وأبدت تفاؤلاً حيال تحسّن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.37 وذكرت أيضاً أنّه “بعد أن منح جو بايدن نصراً دبلوماسياً من خلال تسهيل طريق السويد إلى الناتو، تمنّى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الأمريكي حظاً سعيداً في حملة إعادة انتخابه عام 2024”.38 وسلّطت الضوء على تركيز بايدن على بناء تحالفات دولية كجزءٍ أساسي من برنامج حملته الرئاسيّة للعام 39.2024

 

ومن المثير للاهتمام أنّ وسائل إعلام معروفة بخطابها المعادي للمسلمين ولتركيا، على غرار “فوكس نيوز”،40 غيّرت لهجتها عندما وافقت تركيا أخيراً على عضوية السويد في الناتو -وقد أثارت هذه الخطوة غضب روسيا فيما لاقت ترحيباً من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من خلال السماح للناتو بتوسيع تحصينه ضد روسيا في خضم الحرب في أوكرانيا.41 وشكّل ذلك تحوّلاً مهماً من النمط السابق لتغيطة “فوكس نيوز”. في الواقع، حظيت خطوةُ تركيا الإستراتيجيّة الداعمة لانضمام السويد إلى عضوية الناتو بتغطيةٍ إيجابيّة في عدد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية. ويُشير ذلك إلى أنّه على الرغم من مخاوف الغرب من ولايةٍ ثالثة لأردوغان، بإمكان تركيا الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ولو أثارت بذلك استياء موسكو، ما دامت تخدم مصالح أنقرة التي تمثّلت في هذه الحالة بالحصول على الموافقة على صفقة F-16 التي طال انتظارها.42

 

بيد أنّ أحد تطلّعات تركيا الطويلة الأمد لا يزال يتمثّل بالانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو هدف عملت من أجله بلا كلل طوال سنوات. ومن الممكن أن تجعل خطوات تركيا التكتيكية الأخيرة هذا الهدف أقرب منالاً في المستقبل. لقد عكست التغطية لتركيا بعد موافقتها على عضوية السويد وفنلندا في الناتو انفتاحاً جديداً على التعاون ليس مع الولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً مع أوروبا والدول الإسكندنافية.43

 

الخاتمة

بينما من المتوقّع أن يستمرّ قلق الإعلام الغربي تجاه تركيا في عهد أردوغان –وتجاهه شخصياً، سيكون من شأن المصالح الإستراتيجيّة لهذه الدول الغربية، مقرونةً بالسياسات التحريرية المحدّدة لوسائل إعلامها، أن تحدّد لهجةَ تغطيتها وكثافتها ومثابرتها.

 

عند مناقشة أوجه التباين بين السرديّات التي اعتمدها الإعلام الأوروبي والأمريكي في تغطية الانتخابات التركيّة، من المهم أخذ التباينات داخل وسائل الإعلام تلك، وليس بينها فحسب، بعين الاعتبار. ومن الأساسي تفادي مقاربةٍ “واحدة تنطبق على الجميع” لدى تحليل تغطيتها للانتخابات التركية وللزعيم التركي، وينبغي أخذ العوامل المتشعّبة وراء تغطية كل منصة في الحسبان.

 

في الختام، وخلافاً للمخاوف من أنّ تغطية الإعلام الغربي قد أثّرت سلبية في فرص فوز أردوغان، يبدو أنّه كان لها أثر عسكي من خلال تعبئة قاعدته. وقد تكون التغطية الغربيّة السلبيّة زادت من شعبية أردوغان في صفوف الأتراك بصفته زعيماً قومياً مستهدفاً من قِبل الإعلام الغربي انتقاماً من وطنيّته. وقد حذّر البعض قبل الانتخابات من أن تؤدّي أي محاولة من قِبل الدول الغربية للتأثير في نتائج الانتخابات، مهما كانت خفيّة أو غير مباشرة، إلى نتائج عسكيّة.44 ولعلّ الحملات التي يغلب عليها الطابع المناهض لأردوغان فعلت ذلك بالضبط، إذ ظهر أردوغان كقائدٍ جريء وقادرٍ على هزم ليس خصومه في الداخل فحسب، بل أيضاً أعدائه ومنتقديه الدوليين.

 


الهوامش

1 Nektaria Stamouli, “2023’s most important election: Turkey,” Politico, April 17, 2023, https://www.politico.eu/article/turkey-2023-election-erdogan-kilicdaroglu/.
2 Ibid.
3 Cyrielle Cabot, “Turkish Opposition Unites Against ‘Weaker than Ever’ Erdogan Ahead of Elections,” France 24, March 3, 2023, https://www.france24.com/en/middle-east/20230310-turkish-opposition-unites-against-weaker-than-ever-erdogan-ahead-of-elections.
4 Susan Fraser, “Alliance Picks Main Opposition Leader to Run Against Erdogan,” AP, March 6, 2023, https://apnews.com/article/turkey-elections-erdogan-opposition-split-2d52c9df538ea6f1b6f915b781ef2742.
5 Ibid.
6 Salim Cevik, Turkey’s Upcoming Elections: A Country at a Crossroads, Policy Analysis, (Washington D.C.: Arab Center Washington D.C., May 10, 2023), https://arabcenterdc.org/resource/turkeys-upcoming-elections-a-country-at-a-crossroads/.
7 Nailul Fathul Wafiq, “Turkey’s 2023 presidential election and Western Media anti-Erdogan Sentiment,” Modern Diplomacy, May 20, 2023, https://moderndiplomacy.eu/2023/05/20/turkeys-2023-presidential-election-and-western-media-anti-erdogan-sentiment/.
8 E. Irem Az, “Our dead are looking at us —The February 6 Twin Earthquakes and the Disaster of Erdogan’s ‘New Turkey,’” Jadaliyya, June 29, 2023, https://www.jadaliyya.com/Details/45167/Our-dead-are-looking-at-us-%E2%80%93-The-February-6-twin-earthquakes-and-the-disaster-of-Erdo%C4%9Fan%E2%80%99s-New-Turkey.
9 Wafiq, “Turkey’s 2023 presidential election.”
10 Ibid.
11 Ibid.
12 “Western Media Under Fire for Biased Rhetoric on Erdogan,” Middle East Monitor, May 10, 2023, https://www.middleeastmonitor.com/20230510-western-media-under-fire-for-biased-rhetoric-on-erdogan/.
13 “If Turkey sacks its strongman, democrats everywhere should take heart,” The Economist, May 4, 2023,  https://www.economist.com/leaders/2023/05/04/if-turkey-sacks-its-strongman-democrats-everywhere-should-take-heart.
14 Middle East Monitor, “Western Media Under Fire.”
15 “On Turkey, immigration, Sweden, the UN, Colombia, LED lighting, tasty chicken,” The Economist, June 24, 2013, https://www.economist.com/letters/2013/06/22/on-turkey-immigration-sweden-the-un-colombia-led-lighting-tasty-chicken.
16 Ibid.
17Alec Luhn, “Exclusive: The Man Who Could Beat Erdogan,” TIME, April 27, 2023, https://time.com/6274645/exclusive-kemal-kilicdaroglu-turkey-election/.
18 “Erdogan’s Rival Kilicdaroglu to Seek Softer Foreign Touch,” Euractiv.Com with Reuters, May 11, 2023, https://www.euractiv.com/section/global-europe/news/erdogans-rival-kilicdaroglu-to-seek-softer-foreign-touch/.
19 Middle East Monitor, “Western Media Under Fire.”
20 Alan Mikhail, “Why Recep Tayyip Erdogan’s Love Affair with the Ottoman Empire Should Worry the World,” Time, September 3, 2020, https://time.com/5885650/erdogans-ottoman-worry-world/.
21 BBC Select, “Turkey: Empire of Erdogan” | BBC Select,” YouTube,  May 9, 2023, 9 p.m. GMT,  https://www.bbc.co.uk/iplayer/episodes/p0d9cf3b/turkey-empire-of-erdogan.
22 Simon Tisdall, “Turkey’s two-faced ‘sultan’ is no friend of the West. It’s time to play hardball,” The Guardian, February 5, 2023, https://www.theguardian.com/commentisfree/2023/feb/05/turkeys-two-faced-sultan-is-no-friend-of-the-west-its-time-to-play-hardball.
23 Ibid.
24 Ibid.
25 “Turkey could be on the brink of dictatorship,” The Economist, January 19, 2023, https://www.economist.com/leaders/2023/01/19/turkey-could-be-on-the-brink-of-dictatorship.
26 Ibid.
27 “Erdogan: Turkey’s mercurial ‘chief’ in fight of political life,” France 24, March 10, 2023, https://www.france24.com/en/live-news/20230310-erdogan-turkey-s-mercurial-chief-in-fight-of-political-life.
28 Ibid.
29 Ibid.
30 Miriam Berger and Claire Parker, “Are Turkey’s elections free and fair? Here’s what to know,” Washington Post, May 28, 2023, https://www.washingtonpost.com/world/2023/05/12/turkey-election-free-fair-vote-erdogan/.
31 Ibid.
32 Guney Yildiz, “It’s Not The Economy, Stupid: Why Turkish Elections Are About More Than Money,” Forbes, March 31, 2023, https://www.forbes.com/sites/guneyyildiz/2023/03/31/its-not-the-economy-stupid-why-turkish-elections-are-about-more-than-money/?sh=5d9b9a73ae2a.
33 Ibid.
34 “Turkey Quake: President Erdogan Accepts Some Problems with Response,” BBC, February 8, 2023, https://www.bbc.com/news/world-europe-64577371.
35 Middle East Monitor, “Western Media Under Fire.”
36 Benjamin Weinthal, “Is Turkey Russia’s Secret Weapon Inside NATO?,” Fox News, May 20, 2022, https://www.foxnews.com/politics/turkey-russias-secret-weapon-inside-nato.
37 Steve Holland, “Turkey’s Erdogan Wishes Biden Best of Luck in his 2024 Re-Election Bid,” US News and World Report, July 11, 2023, https://www.usnews.com/news/world/articles/2023-07-11/turkeys-erdogan-wishes-biden-best-of-luck-in-2024-re-election-bid.
38 Ibid.
39 Ibid.
40 Caitlin McFall, “Turkey to Advance Sweden NATO Bid Says Stoltenberg,” Fox News, July 10, 2023, https://www.foxnews.com/world/turkey-to-advance-sweden-nato-bid-says-stoltenberg.
41 Zeena Saifi, “Turkey eyes recalibration with the West as Russia’s isolation grows,” CNN, July 13, 2023, https://edition.cnn.com/2023/07/12/middleeast/turkey-west-nato-recalibrate-mime-intl/index.html.
42 Ibid.
43 McFall, “Turkey to Advance Sweden NATO Bid.”
44 Asli Ayadintasbas and Jeremy Shapiro, How the West should prepare for the Turkish elections, Commentary, (Berlin, Germany: European Council on Foreign Relations, April 25, 2023), https://ecfr.eu/article/how-the-west-should-prepare-for-the-turkish-elections/.