opinion

الحوار من شأنه تخفيف التوتر

في العلاقات الإيرانية-السعودية

فبراير 2016
فراس مصري
باحث مساعد بمركز بروكنجز الدوحة
7 فبراير، 2016

أثارت خطة العمل الشاملة المشتركة حول البرنامج النووي الإيراني الكثير من الجدل وقسمت المحللين والمسؤولين إلى فريقين: فريق يؤيدها وفريق يشعر أنها ستحل كارثة على رأس الغرب ودول الخليج وإسرائيل. غطت التوترات المتزايدة بين إيران والمملكة العربية السعودية، التي ترافقت مع تركيز العالم على انتشار الدولة الإسلامية وغيرها من المجموعات الإرهابية، على أية فرصة لتحسين العلاقات بين الخصمين.

وقد غاب عن هذا الجدال صوت المواطن العادي من كلا الطرفين.

لسوء الحظ، أحبط التصعيد الأخير الذي شهده الخطاب القاسي بين المملكة العربية السعودية وإيران الفرصة الضئيلة للانخراط في حل هذه المسائل.

لما بدا المسؤولون الحكوميون من كلتا الدولتين عاجزين عن تهدئة التوتر، حان الوقت لتؤدي “الأغلبية الصامتة” المتمثلة بالمجتمعات المدنية في كلا البلدين دوراً استباقياً أكثر لطرح حوار يتخطى الخطابات السياسية الراهنة.

من شأن إطلاق هذا النوع من الحوارات أن يشكل نقطة انطلاق لكسر الحواجز. ويتوقّف هدف هذه الخطة على أن يصل هذا الحوار إلى مستوى مهم يمكّنه من جذب اهتمام النخبة السياسية في نهاية المطاف، مما يدفعها بالتالي إلى التعاون.

لا يمكن لأحد أن ينكر ماضي إيران السيئ مع ما رافقه من تمويل للإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. لقد أطلقت العقود من العقوبات والعزلة الاقتصادية والمادية العنان لـ “الدولة العميقة” في إيران مما جعل الحرس الثوري والأجهزة الأخرى الغامضة غير المنتخبة تتولى زمام الأمور داخل الدولة وخارجها. إنّ التهميش الظاهر للمملكة العربية السعودية للأقلية الشيعية السعودية يزعج إيران التي نصّبت نفسها رائدة في المجتمع الشيعي العالمي.

للأسف، لن تختفي هذه الانتهاكات الماضية من التاريخ، ولكن يمكن للمجتمع المدني بدلاً من ذلك أن يتعاون ليضمن أن لا يكون المستقبل امتداداً للأعمال التحريضية ذاتها التي سادت في الماضي وأوصلت الدولتين إلى الطريق المسدودة هذه.

في الحقيقة، يمكن أن يصبح التعاون أمراً واقعاً من خلال الإضاءة على المصالح المشتركة بين الدولتين.

حققت إيران مستوى عالياً من النمو، يُعزى جزئياً إلى قوى عاملة مثقفة وماهرة. حتى في ظلّ العقوبات الاقتصادية، أظهرت إيران قدرة على دعم المشاريع المنتجة في مجالات الزراعة والكيمياء والأقمشة.

تعتمد المملكة العربية السعودية بشكلً كبير على صادرات النفط لدعم اقتصادها، رغم أنّ شعبها يُعد من بين المتعلّمين جداً. مع وصول أسعار النفط الخام إلى مستوى متدنٍ، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، وزيادة مخزون النفط الخام في السوق العالمية، يتعين على المملكة العربية السعودية أن تنمي مجالات أخرى لضمان بقاء اقتصادها قوياً.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه المملكة العربية السعودية وإيران التهديدات عينها. يمكن لكلتا الدولتين الآن أن تستخدما نفوذهما لمحاربة الأفكار المتطرفة التي تنشرها داعش والقاعدة. إن مناقشة الاستراتيجيات المحتملة لإضعاف هذه الحركات المتطرفة من قبل المجتمعات المدنية في إيران والمملكة العربية السعودية من شأنها إعادة الحوار إلى القنوات الرسمية الحكومية.

إن نقل مناقشة المشاكل التي تؤثر على العلاقات الإيرانية–السعودية إلى القطاع المدني من شأنه أن يسمح بإجراء حوار صادق لا تشوبه عدائيات الخطاب الرسمي. وقد يساعد ذلك على تقوية السلطة الحاكمة الشرعية وتقويض مكانة “الدولة العميقة”.

وطبعاً، لا بدّ من عقد هذه الحوارات في مكانِ حيادي.

يمكن أن تشكل الاتفاقية الأمنية التي وقعتها الدولتان في العام 2001 كأساسِ لأي شراكة أمنية مستقبلية. بالتالي، يمكن لشخصيات معتدلة من المجتمع المدني الإيراني والسعودي أن تتكلّم بحرّية في ما بينها بشأن المسائل الأساسية من دون أن تخشى أي تداعيات من الحكومتين.

إن المسؤولية الأخلاقية تحتّم التحرك للتخفيف من حدة التوتر القائم. ومن شأن تحسّن العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية أن ينشر شعوراً بالتفاؤل في المنطقة، شعورٌ يمكن استخدامه لمعالجة صراعات أخرى أيضاً.