هل من أزمة وشيكة؟

تباطؤ الاقتصاد العالمي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

سبتمبر 5، 2023

الثلاثاء، سبتمبر 5، 2023
4:00 م GMT - 5:15 م GMT
Zoom Platform

ملخص

نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ندوةً عبر الإنترنت في 5 سبتمبر 2023 للبحث في تداعيات تباطؤ الاقتصاد العالمي المتوقّع على المنطقة والسياسات المعتمدة التي يمكن تطبيقها للحدّ من هذه التداعيات. وضمّت الجلسة التي أدراها الزميل الأول ومدير المجلس طارق يوسف كل من علياء المبيّض، المديرة التنفيذية لبرنامج Economics & Strategy في الجمعيّة الأورومتوسطيّة لخبراء الاقتصاد في جيفريز إنترناشيونال؛ وإبراهيم سيف، المدير التنفيذي لمنتدى الاستراتيجيات الأردني ووزير أردني سابق؛ بالإضافة إلى ناصر السعيدي، رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه ونائب سابق لحاكم مصرف لبنان المركزي.

 

افتتح يوسف النقاش بتوجيه سؤال إلى المبيّض حول عوامل الاتجاه الهبوطي في التوقعات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمخاطر المتوقّعة في الربع الأخير من العام 2023. فأشارت المبيّض إلى خمسة عوامل ستغيّر شكل اقتصاد المنطقة في المستقبل. ويتمثّل الأول في تباطؤ اقتصاد الصين الذي سيؤثر في طبيعة الطلب على النفط. أما الثاني، فيرتبط بالدول التي تواصل اتخاذ إجراءات قاسية بدون أي رادع، ولا سيما الولايات المتحدة، حيث سيستمر ارتفاع معدلات التضخّم والفائدة وستصعب عملية الاقتراض نتيجة الظروف النقدية المتشددة. ويكمن العامل الثالث في تراجع رغبة تنفيذ إصلاحات هيكلية، مما يشكّل عقبة كبيرة أمام تحسين النتائج الاقتصادية. ورابعاً، يشكّل تعطّل سلاسل التوريد العالمية تهديداً لإمدادات الحبوب وضغطاً على السلع الأساسية في سوق النفط. ويرتبط العامل الأخير بالسياسات التي تنتهجها الدول الغنية والمنتجة للنفط في دعم المنطقة وإقراضها. وقالت المبيّض في نهاية مداخلتها إنّ مجموع هذه العوامل خلق بيئة اقتصادية عدائية في المنطقة مع ارتفاع تكاليف الاقتراض التي سبّبت بروز تحديات متعلّقة بالاستدامة، وتزايد عدم الاستقرار الوظيفي، وانتشار البطالة، ومعارضة الإصلاحات التي تعزّز النمو.

 

ثمّ سأل يوسف السعيدي عن كيفية وضع الآفاق الاقتصادية الإقليمية الحالية من ارتفاع التضخّم وانخفاض النمو وعدم الاستقرار في سياق تاريخي أكبر، وعن المخاطر الأساسية التي يمكن أن تواجهها المؤسسات المالية، ولا سيما المناطق المثقلة بالديون، في العام 2024. فأشار السعيدي إلى أنّ أنظمة أسعار الصرف تتشابه أيضاً، إذ ترتبط عملات الكثير من دول المنطقة بالدولار الأمريكي مما يخلق أعباء ديون مرتفعة نسبياً. وعلّق السعيدي كذلك على ضرورة معالجة تفكّك الاقتصاد العالمي الذي تفاقم نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فقد أسفرت الحرب عن رفع البنك المركزي الأوروبي لمعدلات الفائدة، وعن تداعيات طالت العلاقات التجارية والاستثمارية بين دول شمال أفريقيا وأوروبا. ولحلّ هذه المسائل، اقترح السعيدي أن تتّجه الدول نحو اعتماد معدلات فائدة مرنة، وتعيد النظر في حجم قطاعها العام، وتزيد فعالية أصولها التجارية. وسلّط السعيدي الضوء في نهاية مداخلته على مشكلة تغيّر المناخ التي تُعدّ الأهمّ في المنطقة، خصوصاً أنّها تضاعف من أزمات التصحّر والإجهاد المائي والهجرة. وشددّ على أنّ الانتقال إلى اعتماد الطاقة المتجدّدة سيترك تداعيات طويلة الأمد على أسعار النفط، كما وحثّ على تغيير مسار العلاقات التجارية من أوروبا وغيرها من القوى الاستعمارية السابقة باتجاه الدول الآسيوية ولا سيما الصين.

 

وتمحور النقاش بعدها حول أوضاع خطط التنمية في المنطقة. وشرح سيف بأنّ الدول لا تتخذ إجراءات لمواجهة التحديات التي تنعكس على الطبقتَين الدنيا والمتوسطة بشكل متفاوت. فقد كانت استجابات حكومات المنطقة لهذه الأزمة الوشيكة محدودة للغاية لأنها تعطي الأولوية لاستقرار النظام، وما من حيّز مالي كافٍ لتعزيز فعالية إدارة الثروات التي يحصّلها القطاع العام والنفقات العامة في دول عديدة. وتتمثّل المشكلة الأساسية الأخرى في غياب الثقة بين المواطنين والمؤسسات السياسية، مما يقوّض فعالية الجهود المبذولة في السياسات والإصلاحات. وأشار سيف إلى ضرورة إصلاح القطاع الخاص أيضاً، إذ أظهرت تحليلات لخمس دول مختلفة في المنطقة أنّ الأسواق تتركّز حول اتجاه شبه احتكاري بحيث يشكّل القليل من متلاعبي الأسواق أكثر من 80 في المئة من الإنتاج.

 

وسأل يوسف المبيّض عن مؤشرات أخرى لا بدّ من مراقبتها والتي قد تنذر بظروف اقتصادية سلبية وطويلة الأمد. فأكّدت المبيّض على أهمية التمييز بين القيود المفروضة على موارد دول المنطقة وبين قدراتها. ففي حين تتمتع المصارف في دول مجلس التعاون الخليجي بوضع ملائم، لوحظ تباطؤ في الائتمان المقدّم للقطاع الخاص في عدد من هذه الاقتصادات لأنّ جزءاً كبيراً من مجموعة أصول القطاع المصرفي يميل لصالح تمويل الرهن العقاري، مما يحدّ من قدرة المواطنين على تسديد القروض في بيئة ترتفع فيها معدلات الفائدة. وفي هذه البيئة تحديداً، تزداد أهمية دور السياسات المالية لتبديد التداعيات الانكماشية للعرض الائتماني للقطاع الخاص، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي.

 

وبعدها طرح يوسف مسألة التفكك الحالي في النظام الدولي. والجدير بالذكر أنّ بعض دول المنطقة دُعي مؤخّراً للانضمام إلى مجموعة بريكس، وتعهّدت بزيادة تجارتها المتكاملة خارج المنطقة. فكيف يمكن التوفيق بين الدعوات للتكامل الإقليمي وهذا التفكك الحالي؟ وقال السعيدي إنّه بالرغم من وجود تكامل أكبر في المنطقة، فإنّ دولاً كثيرة لا تتوسّع على المستوى العالمي. وفي شمال أفريقيا مثلاً، تتعاون الدول أكثر مع مجلس التعاون الخليجي لكنها لم تُدمج بعد في سلاسل التوريد العالمية. وفي المقابل، بذلت دول هذا المجلس جهوداً أكثر فعالية لإدماج نفسها في الأسواق العالمية مشجّعةً بذلك الدول العربية الأخرى على التعامل التجاري معها كجسر عبور لسائر دول العالم. ثمّ انتقل سيف في حديثه إلى التأكيد على وجود مقاومة كبيرة من طرف المستفيدين من الوضع الراهن. لكنه يرى أنّ القطاع الخاص لا يقدر أن يكون أكثر تكاملاً وتنافسيةً. ففي ظل عدم رغبة الشركات القديمة على إحداث تغيير غالباً، من الأرجح أن تتأقلم الشركات الجديدة.

 

وفي جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت النقاش، أشارت المبيّض إلى عدم وجود شرق أوسط متجانس ولا سيما أمام تراجع دول مجلس التعاون الخليجي عن مساعدة اقتصادات متعثّرة أخرى في المنطقة الأوسع نطاقاً. وأضاف السعيدي أنّ أدوات السياسات التي تسمح للدول العربية بأن تكون أكثر تكاملاً مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي مع سائر دول العالم، ضرورية ومهمة. وأنهى سيف النقاش بالإشارة إلى أنّ دول متعدّدة تعتزم زيادة تجارتها، مثل الأردن الذي يسعى لتحقيق تعاون في مجال الكهرباء مع لبنان والعراق، لكنّ مشكلات هيكلية ومالية تحول دون تنفيذ ذلك في الكثير من الأحيان.

مدير الجلسة

مدير وزميل أوّل

المتحدثون

إبراهيم سيف
زميل أول في منتدى الاستراتيجيات الأردني
ناصر السعيدي
رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه
علياء المبيّض
مديرة تنفيذية، برنامج Economics & Strategy في الجمعيّة الأورومتوسطيّة لخبراء الاقتصاد، جيفريز إنترناشيونال، المملكة المتحدة