عشرون عاماً من إصلاحات الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:

تحليلٌ استرجاعي وانعكاسات مرتقبة

يونيو 30، 2022

الخميس، يونيو 30، 2022
3:00 م - 5:00 م

ملخص

نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ورشة عمل عن بعد في 30 يونيو 2022 للنظر في ديناميّكيات الحوكمة المتغيّرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ إصدار تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002. وشارك في رشة العمل صانعو سياسات سابقون وباحثون وخبراء بارزون قاموا بتقييم التحديات التي شهدها العقدان المنصرمان، واقترحوا سبلاً للمضي قدماً. افتتح الورشة طارق يوسف، زميل أوّل ومدير مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، مشيراً في ملاحظاته إلى أنّ برامج الحوكمة هي حالياً عند مفترق طرق، بحيث تبدّد الشعور بالحماس وحلّ مكانه إحساس بعدم اليقين. وأعقب ذلك عرضٌ للزميل الأول غير المقيم روبيرت بيشيل حول موضوع “عشرين عاماً من إصلاحات الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. وأدار نادر القباني، وهو زميل أول ومدير البحوث في المجلس، المناقشة اللاحقة التي سلّطت الضوء على المساءلة الإدارية والسياسية وقدّم في خلالها المشاركون إسهامات قيّمة.

وقام بيشيل في عرضه بتتبّع مراحل تقدّم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استناداً إلى المؤشرات العالمية للحوكمة، إذ تحققت خطوات ملحوظة في مجال الحوكمة الإلكترونية وجوانب تقديم الخدمات على مدى العقدَين المنصرمَين. ويمكن تقسيم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ثلاث مناطق يزداد التباين بينها، بحسب عدد من المؤشرات. فبعض الدول، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، حسّنت أداءها الإداري في الوقت الذي بقيت على حالها في المجالات السياسية للحوكمة (تحقيق الديمقراطية وحرية الصحافة وحكم القانون). وفي ما يخصّ بلدان المغرب والمشرق العربيَين ذات الدخل المتوسط، فيمكن مقارنتها بغيرها من البلدان التي تتميّز بمستويات مماثلة من الدخل. أما البلدان الهشّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتحتلّ مرتبة متدنية بحسب مؤشرات الفساد وحق الوصول إلى المعلومات وحالة الصراع وعدم الاستقرار. وتجدر الإشارة إلى أنّه غالباً ما تمخّضت نتائج عكسية عن محاولات إحداث تغيير جذري في الأنظمة داخل المنطقة، لكنّ إحراز تقدّم تدريجي مطّرد قد يحقّق نتائج أفضل في المستقبل.

ثمّ انتقل بيشيل إلى تحديد مجالات التركيز في دعم الإصلاحات لتحسين المساءلة الإدارية والسياسية. وتشمل الأولى إصلاحات حكومية مرتبطة بمجالات تنسيق السياسات وإدارة الأداء وإدارة الموارد البشرية والسياسات التنظيمية، فضلاً عن مجالَي الفساد والشفافية. ولا بدّ من أن تشتمل أولويات المساءلة السياسية على تعزيز قدرة السلطات التشريعية واستقلاليّتها، وتطوير الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وبناء عناصر حماية للخطاب السياسي، بالإضافة إلى إنتاج بحوث تتعمّق في توقّعات المواطنين العرب إزاء حكوماتهم.

بدأ النقاش حول المساءلة الإدارية بالإشارة إلى أنّ الاقتصاد السياسي للعديد من الدول العربية، والذي يشمل هياكل الدولة الأبوية والشبه الريعية، يشكّل عقبة كبيرة أمام تطبيق الإصلاحات العامّة. كما يمكن أن يمنع الجمود المجتمعي والتوقعات بشأن الدولة حدوث هذه الإصلاحات. على سبيل المثال، عبّرت بعض الشعارات التي رفعها الشباب الأردني في خلال الربيع العربي عن توقهم إلى برامج الوظائف الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تفتقر صناديق الثروات السيادية إلى الشفافية، وبالتالي لا بدّ من إعادة النظر في قواعد إدارتها. وتشكّل أعباء الديون والثروة العامّة بين الأجيال قضية رئيسية أخرى. وجاءت إحدى التوصيات أنه لا بدّ من استبدال تدابير توليد الإيرادات التنازلية، على غرار الضريبة على المبيعات، بنظام ضريبي أكثر إنصافاً. في النهاية، لن تدوم أي إصلاحات من دون إحراز تقدّم على صعيد حرية التعبير والمساءلة والشفافية.

ثم اقترح المشاركون سبلاً لتعزيز أداء القطاع العام. فمن أجل سنّ إصلاحات مؤثّرة، يجب على الحكومات استخدام مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) وتقييمات الأثر التنظيمي (RIAs)، بالإضافة إلى مؤشرات الأداء الرئيسية التنفيذية والتشغيلية الشائعة. وسيكون من شأن تنظيم قوانين الشركات المملوكة للدولة بشكل مستقل وتطبيقها بشكلٍ منصف أن تعزّز الشفافية، كما أنّ زيادة الرقابة على عوائد الاستثمارات العامّة من شأنها أن تجعل الإنفاق الرأسمالي أكثر إنتاجية. وأخيراً، يشكّل الحق في الوصول إلى المعلومات أمراً حاسماً في هذا السبيل.

وحثّ أحد المشاركين على زيادة التعاون بين مكاتب الإحصاء والوكالات الحكومية الأخرى، إذ من الصعب على الوزارات تجميع بياناتها في شكل يسهل الوصول إليه، كما هو الحال في تونس. ويمكن للشركات والهيئات التشريعية المحلية المساعدة في إعداد التقارير ومشاركة البيانات. ونظراً لضغوط تغيّر المناخ التي ستواجهها المنطقة، لا بدّ أيضاً من التركيز على وزارات المياه. وشدّدت تعليقات أخرى على ضرورة إجراء محادثات أكثر صرامة حول هياكل الملكية الخاصّة بالوزارات والشركات المملوكة للدولة والهيئات شبه الحكومية. ولا يفيد الفصل بين المساءلة السياسية والإدارية، إذ غالباً ما تنتج الإخفاقات الإدارية عن فشل سياسي ويمكن أن تخلق المخاوفُ من القيادة السياسية جموداً إدارياً. تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى سياسات تنافسية أكثر قوة تُضاف إلى قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار. زد على ذلك أنّ غياب التقارب في الإصلاحات قد يتفاقم بسبب غياب قنوات التشاورات، على غرار مراكز البحوث والمجالس.

وأشار مشاركٌ آخر إلى أنّ الحكومات مليئة بالسياسيين من الأجيال الأكبر سناً الذين يقاومون التغيير. بيد أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على وشك أن تشهد تحوّلاً بين الأجيال يبشّر بالخير للمستقبل، إذ إنّ الجيل القادم أفضل تدريباً وأكثر إلماماً بالتكنولوجيا. وأحد التحديات التي تعانيها المنطقة باستمرار هو العجلة في رؤية الإصلاحات تتبلور، الأمر الذي يقوّض هذه الإصلاحات قبل أن تتحقّق نتائجها ويتم تقييمها بفعالية.

ثم تطرّق المشاركون إلى توافق الإصلاحات مع الحوافز كمحدّد رئيسي للنتائج. يجب النظر في مجال الإصلاحات وإطارها وسرعتها انطلاقاً من تماشيها مع هدف النخب السياسية المتمثّل باستدامة النظام. لذا، ليس من المستغرب أن تتكلّل بالنجاح الإصلاحاتُ في مجال التكنولوجيا أو تطوير القطاع الخاص على سبيل المثال، أم أن تعمل قطاعات مثل السياحة والأمن بفعالية. في المقابل، لا تحرز الإصلاحات التي من شأنها أن تُعرّض استقرار النُخب للخطر، على غرار إصلاح الخدمة المدنية أو تعزيز الوصول إلى المعلومات، أي تقدّم يُذكر. وقال أحد المشاركين إنّه ما من مسارٍ بسيط لتجارب الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعيداً عن المؤشرات، تُعتبَر تأثيرات الأفراد والحركات الاجتماعية حاسمة. قد يرغب مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية في النظر في معالجة مواضيع التفاوت بين الثروات، واختيار القادة، وعمليات صنع السياسات، وثورة ريادة الأعمال، وتطوير نظام لإعطاء الأولوية للإصلاحات.

ثم انتقل النقاش إلى موضوع المساءلة السياسية. يمكن تحليل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بفعاليةٍ أكبر من الناحية الديموغرافية أو الاجتماعية الاقتصادية أكثر منه من الناحية الوطنية. علاوة على ذلك، تواجه المنطقة قوى إقليمية تزداد حزماً، بما فيها إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى تحديات مستمرّة محدقة بالسيادة. فما من بلدٍ عربي قادر على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مسائل مثل شراء الأسلحة، والمياه، أو الطاقة من دون الحصول على موافقة القوى الأجنبية والإقليمية. أخيراً، سيُشكّل الضغط البيئي تحدياً رئيسياً.

استناداً إلى هذه التعليقات، شدّد مشاركون آخرون على الغياب النسبي للدول القوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما تجلّى في الربيع العربي، غالباً ما تعاني مفاهيم المواطنة نقصاً في التطوّر. فالتوقعات المجتمعية الشائعة تضع الدولة في موقع المانح. إنّ إصلاحات الدولة ضرورية ولكن ينبغي أيضاً معالجة السلطات والمؤسسات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر الإصلاحات التي تتضمّن إعادة توزيع السلطة أصعب من المعالجات التكنوقراطية، لذا على الإصلاحات أن تتماشى مع الحوافز المجتمعية والدولة. ويجب كذلك أن تأتي المجموعة الكاملة من عمليات الحوكمة (الشفافية، والمشاركة، والمساءلة، وغيرها) المتعلّقة بالسلطات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء، استكمالاً لاستخدام مؤشرات الأداء الرئيسية.

في الختام، لفت المشاركون في ورشة العمل إلى تزايد التحديات الأمنية في المنطقة في الآونة الأخيرة، بفعل النمو الديموغرافي وتغيّر المناخ. وتواجه الدول أزمة شرعية تتمثّل في الإنفاق المفرط على الأجهزة الأمنية ونقص الاستمثار في الرفاه العام. علاوة على ذلك، إنّ عملية تحديد دولة ومجتمع قويين بعيداً عن النماذج الاستبدادية، ستسهّل التحولات المجتمعية المقبلة باتجاه مشاركة أكبر للجمعيات السياسية وللأحزاب السياسية في نهاية الأمر. أمام مختلف أشكال الحكم، بما فيها الأنظمة الملكية، فرصة الآن لإدارة عمليات الانتقال الديمقراطي. على الرغم من أنّ أزمة أوكرانيا قد أخرّت عملية الانتقال تلك من خلال تضخّم الطلب على الطاقة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلّا أنّها ستحدث في نهاية المطاف.

مدير الجلسة

زميل أوّل ومدير البحوث

المتحدثون

مدير وزميل أوّل
زميل أوّل غير مقيم