نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية بالتعاون مع الباروميتر العربي ندوةً عبر الإنترنت في 31 أكتوبر 2022 لمناقشة مسألة انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مسألة تشكّل تحدياً تزداد خطورته. ومن المتوقّع أن تتفاقم هذه المشكلة على مدى السنوات المقبلة والتي تلقي بظلالها على المنطقة، حيث يواجه بعض دولها أصلاً أزمات سياسية واقتصادية. وفي خلال الندوة، قيّم الخبراء مسبّبات انعدام الأمن الغذائي وحلول السياسات المحتملة. وشارك في الندوة التي أدارها الزميل الأول العربي الصدّيقي كلّ من أيمن فريد أبو حديد، أستاذ في معهد الدراسات العليا والبحوث الزراعية في المناطق القاحلة في جامعة عين شمس؛ وسلمى الشامي، مديرة قسم الأبحاث في الباروميتر العربي؛ ومارتن تابي أوجونغ، زميل باحث مشارك في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.
افتتحت الشامي الندوة مشيرةً إلى أحدث النتائج بشأن انعدام الأمن الغذائي الصادرة عن الباروميتر العربي. وقد نُشرت الدورة السابعة منه في أكتوبر 2022 بناءً على 26,000 مقابلة شخصية أُجريت في 12 بلداً. واعتمد التقرير تعريف منظمة الأغذية والزراعة لانعدام الأمن الغذائي الذي لا يقتصر على الجوع وحسب، إنما يشمل أيضاً سوء التغذية ومسائل مرتبطة بالقدرة على الحصول على الغذاء وتوافره. وقال حوالى نصف المشاركين أو أكثر في 8 بلدان مشمولة بالاستطلاع من أصل 12 بلد إنّ طعامهم نفد في غالب الأحيان أو في بعضها قبل امتلاكهم المال لشراء طعام إضافي. وأشار مشاركون مصريون إلى الأمر عينه بنسبة 68 في المئة، مما يبعث على القلق. وأكّدت الشامي أيضاً على أنّ انعدام الأمن الغذائي يتداخل مع القضايا المتعلّقة بالجنسَين والدخل. وأشارت إلى أنّ معالجة حالات التفاوت هذه تشكّل شرطاً ضرورياً، لكن غير كافٍ، للحدّ من انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فوفقاً للنتائج الصادرة عن الباروميتر العربي، تتجلّى أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في المنطقة عند النساء المطلّقات أو الأرامل أو المنفصلات عن أزواجهنّ. وقالت الشامي إنّ هذه النتيجة قد تُعزى إلى عدم المساواة بين القوى العاملة، إذ يشهد التاريخ على أنّ حصّة نساء المنطقة النقدية بين القوى العاملة أصغر من حصص النساء في أي منطقة أخرى.
وأضاف أبو حديد أنّ النمو السكاني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يستنزف الموارد الطبيعية، مما يولّد الحاجة إلى زيادة إنتاج الأغذية عن طريق التحسينات التكنولوجية. وأكّد على أنّ شحّ المياه يشكل مسبّباً رئيسياً آخر لانعدام الأمن الغذائي. ومن المتوقّع أيضاً أن ينعكس تغيّر المناخ على انخفاض هطول الأمطار وارتفاع الحرارة في المنطقة، الأمر الذي يفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي والمائي على حدّ سواء. وتشتمل المسبّبات الأخرى على إزالة الغابات وتلوّث مصادر المياه بسبب الاستخدام المفرط للأسمدة الكيميائية. وأشار أبو حديد إلى أنّه يجب على الحكومات إدراك الطبيعة المترابطة لهذه المسائل وتعزيز التعاون بين وزارتَي البيئة والتعليم. وعلاوةً على ذلك، ينبغي أن تستثمر الحكومات في بحوثها من أجل إيجاد حلول طويلة الأمد لسوء إدارة الموارد المائية وبلورة استراتيجيات أكثر مرونة لإنتاج الأغذية. وأبدى أبو حديد تفاؤله حيال الهندسة الوراثية والتقنيات الأخرى التي يمكنها أن تساعد على زيادة إنتاج القمح الذي تستورده دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أساسي من روسيا وأوكرانيا.
ووجّه تابي أوجونغ النقاش نحو دور جائحة فيروس كورونا المستجدّ والحرب في أوكرانيا في ارتفاع تكاليف الطاقة على الصعيدَين الإقليمي والعالمي، ومفاقمة مشكلة انعدام الأمن الغذائي. فقد شدّد على أنّ عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجعل دولها تعوّل على بلدان أخرى لاستيراد الأغذية، كما هي الحال في اليمن وسوريا والسودان تحديداً. وتضطلع الجهات الفاعلة الخارجية بدور مهم في دعم هذه الدول لإعادة بناء استقرارها على مستوى الاقتصاد الكلّي. وينبغي أيضاً أن تعالج الحكومات مشكلة التعويل على استيراد الأغذية من خلال تنويع الواردات وتعزيز الإنتاج المحلي باستخدام تكنولوجيات جديدة في صنع الغذاء. وأشار كذلك إلى أنّه يجب وضع السياسات بما يراعي مشكلتَي تغيّر المناخ وشحّ المياه، مثل عبر اعتماد نهج الترابط بين المياه والطاقة والغذاء، والزراعة المراعية للظروف المناخية. وقال أخيراً إنّ التحول الرقمي وإصلاح المؤسسات شرطان ضروريان لمواجهة هذه التحديات طويلة الأمد المرتبطة بالحوكمة.
وفي جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت النقاش، طرح الصدّيقي سؤالاً حول تعريف الغذاء وكيفية النظر إليه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فردّت الشامي مشيرةً إلى النتائج الصادرة عن الباروميتر العربي والتي تعرّف الغذاء بأنه جزء من العقد الاجتماعي، المحدّد على نطاق واسع، بين المواطنين والحكومة. وأبدى المشاركون رغبتهم في إيجاد حلول قصيرة الأمد، مثل الدعم الحكومي للأغذية الأساسية ولا سيّما الخبز، فيما أبدوا رغبتهم في زيادة فرص العمل من ناحية الحلول طويلة الأمد. وأشارت الشامي أيضاً إلى أنّ التقييمات البنيوية الكلّية، بما فيها مؤشر التنمية البشرية (وهو مؤشر لقياس متوسط الدخل والعمر المتوقّع والتعليم وغيرها من المقاييس)، غالباً ما تعجز عن نقل الواقع اليومي للمواطنين. فمن الضروري إعادة ضبط المقاييس لنقل حقيقة التحديات القائمة على أرض الواقع.
ثمّ سأل الصدّيقي عن المخاطر التي تواجهها مصر نتيجة تغيّر المناخ. فردّ أبو حديد بأنّ مستوى هطول الأمطار في البلاد قد انخفض بشكل ملحوظ إلى أقل من 80 مليميتراً في السنة، ومن المتوقّع أن يشهد مزيداً من الانخفاض في السنوات المقبلة. فقد مرّ نظام نهر النيل بفترات جفاف طويلة وظروف جوّية قاسية، ولا يطال تدهوره مصر وحدها إنما السودان وإثيوبيا أيضاً. ولا بدّ بالتالي من تحقيق تعاون عابر للحدود الوطنية من أجل مواجهة مشاكل شحّ المياه في هذا السياق وغيره.
وتمحور السؤال التالي حول العلاقة بين انعدام الأمن الغذائي ودعم العامّة للديمقراطية. فردّت الشامي مؤكّدةً بأنّ مواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحكمون على الديمقراطية والحوكمة من خلال نواتجهما، إذ غياب النواتج يعني تراجع الدعم. ويشير الباروميتر العربي إلى أنّ الناس يريدون زيادة نسبة المشاركة في عمليات اتخاذ القرار وأنظمته التي تلبّي احتياجاتهم الأساسية. وفضلاً عن ذلك، لا يُرجَّح أن يقوم الناس الذين يعانون انعداماً في الأمن الغذائي بدعم الديمقراطية، إنما يُرجَّح أن يطالبوا بحكومة يمكنها معالجة أبسط مشاكلهم الاقتصادية والمرتبطة بالحوكمة، بصرف النظر عن نوع النظام.